مصيدة المتطرفين..

الأحداث الجسيمة لها تأثيراتها وتداعياتها الخطيرة علي مجمل الأوضاع السياسية التي تتحكم في بلد معين أو إقليم محدد.. وعندما تفجرت أحداث سبتمبر في أمريكا(2001) لم يتوقف الجيش الأمريكي عن الحرب من أفغانستان( كابول) إلي العراق( وصولا إلي بغداد).
قبل هذه الأحداث بعشر سنوات كانت هناك آثار سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار أوروبا الشرقية ثم حروب يوغوسلافيا السابقة( البوسنة وسراييفو), هذه الحروب الأمريكية, علي مدي عقد من الزمن كانت بالطبع, حروبا خطيرة, وانعكست سلبيا علي عالمنا العربي والاسلامي وبالرغم من خطورتها فإن لها جوانب إيجابية, أبرزها أنها أغلقت مايمكن أن نسميه مصنعين كبيرين من مفارز التطرف, بشكليه المعروفين في منطقتنا أولا التطرف الديني الذي أدي الي ظهور جماعات الإرهاب والتي عملت بالسياسة عبر خطاب ديني متشدد ومتعصب يحارب الجميع, لقي بعض التجاوب الجماهيري لدي قطاعات كثيرة مهمشة لم تحصل علي حقوقها السياسية والاقتصادية في عالما العربي والإسلامي, والذي عاش بسيطا وطمح إلي حياة حرة ونظيفة ومتطورة لكنه لم يجدها, كما لم يجد خطابا سياسيا معقولا ومنهجا حقيقيا يحقق أهدافه فالتقط خطاب التطرف, وتصور أوتوهم أنه إفراز للنهضة أو التطور.
أما المصنع الآخر فهو تطرف علي نقيض الأول, رغم أنه حاول التحالف معه في حربه الثانية ضد الكويت وكان قد تبلور في بغداد وحول خطاب صدام وجماعته, فكان نموذجا آخر للتطرف الوطني أو الثوري, والذي أفرز خطابا شعاراتيا بلامضمون, بل جاء محتواه ومنهجه عكسيا تماما, فقد بدد الثروات الطبيعية وقتل الأمة العراقية.., ودخل حروبا عبثية بلا هدف مع جيرانه( إيران والكويت) وصراع مع السوريين, وتحدي المصريين10 سنوات بل وطردهم من جامعة الدول العربية, وسفه كل العرب الآخرين واستبد به الغرور أنه كان يخطط لبناء امبراطورية عسكرية يحكمها صدام وحزبه, ليس بالتراضي, ولكن بالقوة العسكرية.. وتصور أن الزمن يلعب ضده فسارع عقب سقوط الاتحاد السوفيتي بدخول الكويت ليضع العالم أمام الأمر الواقع, وكان سلاحه الوصول الي القنبلة النووية لإجبار الجميع علي القبول بمخططاته عالميا وإقليميا, فكانت النتيجة معركة قاسية أوصلت الأمريكيين والبريطانيين إلي احتلال بغداد والتحكم في كل العراق بالكامل.
إغلاق مصنعي التطرف الديني والشعاراتي في كابول وبغداد, يجب ان يكون له صداه في عالمنا,.. وأن نستفيد منه ببناء نظام سياسي واقتصادي جديد في المنطقة, يقف ضد التداخلات الخارجية, القادمة من الولايات المتحدة وبريطانيا, والتي استفادت من أخطاء وعجز وقصور التطرف عن بناء سياسة حقيقية, بل إنها استفادت من الترهل والعجز الذي أصاب الجسم العربي, الذي لم يكن يكافح التطرف بأشكاله المتعددة فقط, بل يعاني من التطرف الإسرائيلي, واضطهاده للشعب الفلسطيني طوال الخمسين عاما الماضية.. مما جعل هذه القضية الفلسطينية أكثر قضايا العصر عدلا وحقا.. بكل سلبياتها وتداعياتها المؤسفة, وقودا ألهب مشاعر التطرف, واستفادت من تلك البؤر المتطرفة وبنت عليها استراتيجيتها وخططها لكسب الجماهير, ووضع كل القوي السياسية الأخري المبدعة والقادرة علي حل مشاكلنا السياسية والاقتصادية, التي تواجه الشرق الأوسط في موقف حرج وصعب.
فقد كانت مفارز التطرف قادرة علي احراجه واضعافه, مبينة أنها الرؤية الأقوي, لأنهم القادرون علي الحرب ومواجهة التداخلات الخارجية وكشف العدوان الإسرائيلي والأمريكي المتعاون معا ضد العرب والفلسطينيين!
وظل الشرق الأوسط, والمنطقة العربية بما فيها إسرائيل ـ أسيرا للمتطرفين علي كل جانب, ولم يكن ممكنا الخروج من تلك الأزمة رغم التجربة المبدعة التي قادتها مصر بالمواجهة السلمية لحل, الصراع بالتفاوض والسلام, ورغم النجاح الجزئي لتلك السياس, فإن مفارز التطرف ظلت قادرة علي وقفها, والدوران في الاتجاه العكسي.
ولعل محاصرة الجانب المنظم والمؤسسي للتطرف تساعد علي الخروج من هذا المأزق الحاد ويستفاد بها للعبور بالمنطقة من عصر الأزمة للتفكير في حلها, وهذا لن يتحقق دون محاصرة التطرف والإرهاب الديني والعنصري والوطني في إسرائيل مثلما تمت محاصرته في المنطقة العربية..
وحل المشكلة الفلسطينية علي أسس من العدل والحق, وان يتصدي للحل. السياسيون الواقعيون المهلون, والمؤمنون بالقدرة علي التعايش معا..
فإنه لم تخلق بعد القضية التي لايمكن حلها سياسيا..
وأتصور أن ذلك سيفتح باب الأمل لمحاصرة كل عناصر التطرف وأشكاله وألوانه المختلفة, التي نتجت عبر سنوات من العنف والحروب..
ولكن في البداية علي القوي العدوانية في أمريكا وإسرائيل, أن تفهم وتدرك مغزي.. احترام الشعوب وحريتها واستقلالها, وليس انتهاز الأخطاء والقصور في بعض أوجه حياتنا لفرض أوضاع استعمارية ظالمة علينا, ستؤدي الي انقلاب كل الأوضاع, ودخول المنطقة في متاهة تطرف وعنف لامثيل له, لن يدفع ثمنه شعوب الشرق الأوساط وحدها, ولكن العالم كله, فهل هناك عقول في منطقتنا وفي العالم تفهم وتدرك مغزي هذه الرسالة الواضحة؟!