حوار ما بعد الحرب

.. والحرب ضد العراق مشتعلة.. راح الكل يفتح الملفات إلا العرب.. فهم ينتظرون!! وملفات ما بعد الحرب أصبحت الآن مفتوحة في أمريكا وأوروبا.. فقبل هذه الحرب احتدمت الأزمة بين الطرفين, وتحولت إلي شكوك حول المستقبل.. وكانت التساؤلات: هل تجاوزت أمريكا أوروبا القديمة وسارت بعيدا لبناء أوروبا جديدة تابعة.. لا تضعف الاتحاد الأوروبي فقط, ولكن تغير موازين القوي حتي في الحلف الأطلنطي كما عرفنا منذ غروب الحرب العالمية الثانية وظهور الأمم المتحدة؟.. أما الآن فالأمر مختلف, فكل هذه المنظمات تفتح الملفات.. وتعد لسيناريوهات مستقبل مختلف.. وظهر أن القوة الأمريكية الكبري لن تتجاوز الأوروبيين, بل تركت لهم نصيبا من الحركة والفاعلية في الشرق الأوسط, بل وذهبت بعيدا, وقامت بطمأنة الأمم المتحدة وقالت لها وللأوروبيين: إننا مازلنا في حاجة ماسة إلي علمك حتي نتفق.. ونقلل مخاوف الشعوب, خاصة في العراق والعالم العربي.. ولتكن رسالتك لهم أننا لم نأت محتلين أو غزاة..
وهكذا وجدت أمريكا في الأزمة والحرب, فرصة لتقول كل شيء في العلن عن النظام الجديد.. لحلفائها سواء القدامي أو الجدد, وللمنظمات العالمية.. التي كانت تقود بها وتتفاعل خلالها طوال ستة عقود.. قاربت علي الأفول, ثم بدأت تفتح معها صفحة جديدة بوضع الحوار والملفات علي موائد مراكز البحوث وأمام المتخصصين وعلي دوائر المفاوضات سواء كانت ثنائية أو جماعية.. في الاتحاد الأوروبي, أو الدول الصناعية والتجمعات المختلفة شاملة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين, كما أن الاتفاقيات واللغة راحت تتغير لتتجاوز الأزمة والحرب.. لتضع وفاقا ولغة مشتركة لم تكن واضحة قبل الأزمة, وكأنهم يقولون: كما كنا قادرين علي الخلاف.. فنحن قادرون أيضا علي الاتفاق, وبسرعة مذهلة لأن الحسابات واضحة, وهم يقرأون لغة الواقع والسياسة والحساب, ويعرفون لغة العصر حديثا وكتابة وفهما.. ولن نضيع الوقت فالحقائق معروفة ومرصودة مسبقا.
وسط هذا الخضم لم يراع الأوروبيون أو حتي الأمريكيون الحديث معنا عربيا, أو حتي شرق أوسطيا, حول المستقبل, إلا عبر عدد من التطمينات غير المصحوبة بضمانات, وكأنهم يقولون لنا: إذا كنتم تريدون حل الأزمة الفلسطينية, فهناك وعد مشروط بحسن السير والسلوك بدولة مستقبلية.. وعدد من البرامج السياسية والاقتصادية كلها محاطة بالشبهات والغموض.
أما الظاهر لنا فإن النيات العدوانية والخريطة الجديدة مرفوعة وعالية, وكأننا ننهي خريطة( سايكس ـ بيكو).. لخريطة( بوش ـ بلير).. وتم دمج أحداث11 سبتمبر2001 في واشنطن ونيويورك وحربي أفغانستان والعراق في ملف واحد.. عنوانه هو أيضا غامض ومبهم.. وهي الحرب الوقائية أو الحرب ضد الإرهاب!
ودخلت منطقتنا في دوامة قديمة متجددة.. عنوانها الأبرز إللا حل وعصر الأزمة السياسية والاقتصادية المستحكمة.. وغابت الآمال والطموحات.. لأننا كنا نريد أن نحل الأزمة الفلسطينية, فكأنما ظهرت كارثة جديدة هي العراق.. وزادت الشكوك بيننا وبين الأمريكيين والأوروبيين. وأصبحت آمال أجيالنا للخروج والتكيف مع العالم الجديد.. تكاد تكون بعيدة أو أننا دخلنا إلي عالمنا نسلم فيه قيادتنا ومستقبلنا للغير.
ملفات المنطقة تحتاج إلي رؤية ولغة جديدة للتفكير تتسم بالعملية والمواجهة مع كل الأطراف.. لتؤكد أننا لن نقبل احتلالا للعراق.. أو توطينا للكارثة في الخليج, ولذلك يجب أن يسارع العرب ليكونوا جزءا من الحل.. وأن يحافظوا علي وحدة العراق, ويوقفوا حالة الانتقال من أزمة إلي حرب.. أو من حرب إلي حرب.
تذكرت كل التداعيات بمناسبة مرور6 سنوات علي صدور مجلة الأهرام العربي في نهاية مارس1997. وقد تصورت ساعتها أننا أمام حل للكارثة الفلسطينية بعد55 عاما, بقيام دولة فلسطينية.. ثم نتجه إلي وحدة السوق العربية وانتعاش أسواقها.. فإذا بالأزمة تصبح أزمتين.. والحرب حربين.. والأسواق مغلقة.. والعرب يفكرون في نظرية جديدة للأمن العربي.. وبدلا من الحديث عن الازدهار, نتحدث عن الكوارث والحروب.
هل نحلم بظهور جيل من القادة وفكر جديد يضع حدا للحروب والأزمات ويفتح الأسواق.. ليفجر طاقات الأمل العربي.. أمام الشعوب نحو واقع جديد؟.. إنه حلم صعب وسط الأزمة, ولكنه ليس بعيدا وأراه قريبا.