مقالات الأهرام اليومى

عصر حروب وأجيال لا تتعلم‏!‏

إذا كان البعض منا يسمي جيلنا بجيل عصر الحروب‏,‏ لأن أكثر أيامنا كانت حروبا أو استعدادا للحروب‏,‏ وأغلبها هزائم وانتصاراتها محدودة من‏56‏ إلي‏67‏ إلي‏73‏ إلي حروب الخليج الثلاثة‏,‏ وحروب فلسطين المستعمرة‏,‏ وحروب أهلية طاحنة في اليمن والجزائر ولبنان‏,‏ فإنني أطلق علي عصرنا أنه عصر وزمن الأجيال التي لا تتعلم‏,‏ ولا تستطيع قراءة الأحداث‏,‏ وإذا قرأت أو تعلمت‏,‏ فإنها لا تمتص الأفكار‏,‏ أو تتمثلها ـ مثل الجسم ـ فيما يفيد وإذا تعلمت الأجيال‏,‏ فإنها لا تكرر أخطاءها‏,‏ وبالتالي تغير مسار حياتها‏,‏ إنما جيلنا لم يفعل ذلك‏,‏ ربما الأجيال القادمة من أبنائناقد تكون أفضل وتتعلم‏,‏ وينبغي ألا نكون أنانيين‏,‏ ونتخيل أن كل ما نعلمه أو نعمله لأنفسنا فقط‏,‏ ولكن لأن الخالق أمرنا بأن نعمل للحياة ككل‏,‏ ولأبنائنا وللأجيال القادمة وألا نظل أسري لأفكار وقيم قديمة‏.‏

والحرب الطاحنة في العراق الآن لن تكون آخر الهزائم أو الحروب‏,‏ إذا لم نتعلم من أخطائنا وصممنا كعادتنا علي أفكار مسيطرة علينا‏,‏ ونتحول بها إلي مجاذيب ونخطيء‏,‏ وعندما نضرب أو نهزم يجب ألا نلوم إلا أنفسنا‏,‏ وألا نعزو تكرار أخطائنا وعجزنا إلي الآخرين‏,‏ فهزائمنا هي مسئوليتنا المباشرة‏,‏ فالعدو ـ وهذا طبيعي ـ يجب أن يستفيد من أخطائنا وجرائمنا في حق أنفسنا‏,‏ وإلا أصبح غبيا أو متآمرا علي نفسه‏,‏ كما نتآمر نحن‏,‏ ليست مؤامرة خارجية‏,‏ ولكنها مؤامرة من داخلنا سببها ضعف وهواجس ماض سحيق‏,‏ لم نتخلص منه‏.‏

حرب الخليج الثالثة علي العراق كارثة إنسانية لاشك وحالة عداء مستحكمة يدفع ثمنها الشعب العراقي المسكين‏,‏ وأخطاؤنا فيها جسيمة‏,‏ لأننا لم نتعلم من كارثة حرب الخليج الثانية‏,‏ لم يستفد العراقيون‏,‏ ولم يستفد العرب الآخرون‏,‏ وظللنا مكاننا لم نتغير‏,‏ والعراقيون يحكمون بنفس الطريقة‏,‏ والعرب لا يتحركون لبناء قوة وسوق واحدة مشتركة فقد استنزفنا جميعا السنوات‏,‏ وعندما حانت لحظة الحسم كما يقول الآخرون اكتشفنا الحقيقة المرة‏,‏ التي ندفع لها ثمنا غاليا‏,‏ لن يعوضنا عنه الرفض أو التظاهر‏,‏ ولكن يعوضنا التغيير الحقيقي علي كل صعيد محليا وإقليميا‏,‏ علي صعيدنا المحلي في مصر يجب أن نؤمن بأن القوة ليست عسكرية وحسب‏,‏ ولكن اقتصادية واجتماعية‏,‏ وثقافية وتنظيمية‏,‏ وتعليمية وعلينا أن نؤمن بأن نكون جزءا من العصر بكل مستحدثاته التعليمية والتكنولوجية‏,‏ وأن نبني ديمقراطية سياسية حقيقية وفعالة‏.‏ ومجتمعا مدنيا حقيقيا منظما يعمل ليلا ونهارا‏,‏ يدفع كل إنسان فيه ثمن ما يريد عملا وتعليما‏,‏ وألا نعيش عالة علي الآخرين أو عالة علي الحكومة‏,‏ وإقليميا يجب أن نبني سوقا موحدة‏,‏ تتحرك فيها الأموال والناس والسلع والخدمات بحرية يضمنها القانون والعدالة‏,‏ وليس النفوذ أو العائلة أو الحزب الشجاع والبطل‏,‏ يجب أن تكون بلادنا حديثة ومنظمة وليست قبائل أو عشائر أو أحزابا تتدعي الوطنية وتبيع شعوبها لصالح أعضائها‏,‏ مستقبلنا في أيدينا نبنيه كما نبني بلادنا لتكون قوية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا‏,‏ وساعتها فقط سيعمل أعداؤنا أو من يكرهوننا‏,‏ أو من نتخيل أنهم يتآمرون علينا ليلا ونهارا‏,‏ يعملون حسابا لنا‏,‏ ويتعاملون معنا‏,‏ كما يتعاملون مع الآخرين أو مع أنفسهم‏,‏ ولا يستبيحون حقوقنا ومصالحنا علي كل صعيد لأننا متغرطسون ومتطرفون وضعفاء في نفس الوقت‏,‏ ولا نعترف بأوضاعنا بل نكذب ليس علي الآخرين فقط‏,‏ ولكن علي أنفسنا أيضا فنعيش في عالم لا يعرفه أحد غيرنا‏,‏ ومن لا يصدقني ينظر حوله أو داخله‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى