الناقص في قرار تحرير سعر الصرف!

يجب أن نعترف بأن هناك شيئا ناقصا في قرار الحكومة الجريء بتحرير سعر الصرف, فبرغم صحة القرار, الذي كان يجب أن يكون إنقاذا لسوق كادت أن تختفي, فإنه كان سببا مباشرا لارتفاع سعر الدولار مقابل انخفاض الجنيه المصري, وهو أمر إذا استمر سيسبب إيذاء أكثر للاقتصاد المصري.
فالارتفاع الحالي غير واقعي, ويعكس مضاربة, وخوفا من المتعاملين لاستمرار الانخفاض, مما يؤدي إلي تفاقمه بصورة أكبر من الآن, وهذه ظاهرة سلبية يجب أن تختفي, وأن يشعر المتعاملون في سوق الصرف بأن شراء الدولار بهذه الأسعار المرتفعة للادخار سوف يسبب للمتعاملين بالدولار خسائر كبيرة, كما إن إحجام المتعاملين به عن بيعه, واللجوء إلي تخزينه تمهيدا للمضاربة, سوف يؤدي أيضا إلي وقائع اقتصادية مخيبة للآمال للسوق الجديدة.
وأعتقد أن السبب المباشر للأخطاء التي تحدث في سوق سعر الصرف هو تأخر اتخاذ القرار, ثم اللجوء إليه بطريقة عشوائية, لم يصاحبها اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي, خاصة أنه كان سيرحب بهذا القرار لما يمثله من آثار إيجابية علي مجمل الاقتصاد المصري, وكان سيدرك الصندوق أن هذا القرار يجيء استكمالا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي, الذي نجحت مصر فيه بامتياز في أوائل التسعينيات للإصلاح المالي وللتكيف الهيكلي, مما أدي إلي انخفاض عجز الموازنة, بل إصلاح شامل للموازين الاقتصادية في مصر.
والوصول إلي اتفاق مكمل بين مصر وصندوق النقد الدولي, بل دخول الصندوق شريكا للاقتصاد المصري في قرار تحرير سعر الصرف, سيعطي مصداقية كبيرة للقرار وشعورا بالثقة للمتعاملين بأن وراء الحكومة صندوق النقد الدولي بإمكاناته, وهذا في حد ذاته كان سيمنع المضاربة علي السعر ويعطي الثقة للمتعاملين بأن هناك خططا وبرامج لحماية الجنيه, وتوفير احتياجات مصر من العملات الإجنبية.
الوقت لم يتأخر بعد, فلماذا لا تبدأ الحكومة تفاوضا عاجلا مع صندوق النقد الدولي للوصول إلي خطاب نوايا جديد للمرحلة القادمة من الإصلاح, يكون محوره, أو عموده الفقري, تحرير سعر الصرف, وأنه جزء من عملية طويلة ودائمة للاقتصاد المصري, حتي يكون جزءا من الاقتصاد العالمي؟! وذلك لن يتم إلا بتأكيد مصر علي استمرار برامج الخصخصة, وسياسات جذب الاستثمارات الأجنبية, وفتح الباب أمام الشركات العالمية, وتوفير كل فرص الربح والنجاح أمامها, مع ضمانات جديدة لانتعاش الأسواق.
لقد تعلمنا أن تعميق علاقاتنا مع المنظمات الدولية يعطي قوة للاقتصاد المصري, وأننا تجاوزنا حساسيات سياسيات المراهقة السابقة, والتي كانت تري في تعميق العلاقات والشراكة الاقتصادية مع العالم ومنظماته نوعا من الضعف أو النقصان في السيادة يجب التقليل منه أو إخفاؤه.
فحماية الجنيه المصري, يجب أن تكون مهمة عاجلة, وذلك بإعطاء الثقة للمتعاملين ومكاشفتهم بأن انخفاض الجنيه أمام الدولار ليس قدرا, وأنه يمكن أن نري عودة قوية للجنيه أمام الدولار وأن نثبت خطأ الذين راهنوا علي هذه السياسة, وذلك بأن نتعامل بحسم مع من يستوردون بدون مبرر! وهنا يجب أن نفتح الباب علي مصراعيه للمصدرين وأن نشجع الوطنيين الذين يستخدمون السلع المحلية, ويرفضون المستوردة منها, ويحمون الجنيه ويحتفظون به كمخزن للقيمة ولا يهربون وراء الربح السريع.
وهذا لن يتحقق إلا بشراكة قوية مع صندوق النقد الدولي, وسياسة حاسمة تعيد للجنيه مكانته, وتدفع المواطنين إلي استخدامه والاحتفاظ به, كما تدفع أيضا حائزي الدولارات من المصريين لتحويلها بالأسعار السائدة, ونحثهم علي ألا يخافوا من الانخفاض المستمر للجنيه, لأن التحول في السوق سيعيد للجنيه مكانته.