قضية الساعة اختبارات سعر الصرف!

تتصور الأغلبية المتفرجة أن الحكومة وحدها دخلت فجأة اختبار النجاح والفشل في نظام سعر الصرف الحر للجنيه المصري أمام الدولار والريال واليورو والعملات الأخري, لذلك فالبعض جلس في مقاعد المتفرجين سواء في المقصورة العليا كرجال الأعمال من مستثمرين ومصدرين ومستوردين أم باقي الفئات الموزعين في مقاعد الدرجة الأولي حتي الثالثة, انتظارا لصفارة الحكم المستورد, هل نجحت الحكومة أم فشلت؟ وتلك والله معادلة خاطئة تماما.
فهذا الامتحان الذي نعيشه الآن ليس للحكومة وحدها, لكن للجميع. للشعب, وللمستثمرين ورجال الأعمال قبل غيرهم. فهو امتحان قاس, دخلناه فجأة, لأننا سقطنا أو أجلنا الامتحان أكثر من مرة, لأننا خائفون من الاختبار, ولا نتحمل النتيجة سواء كانت سقوطا مزريا أم نجاحا معتدلا, يؤهلنا لدخول اختبارات أكبر, هذا الاختبار القاسي إذا فشل فستكون الحكومة غير مسئولة إلا بنسبة التأخير أو التقديم في ميعاد الامتحان, وهل كان مناسبا أم متأخرا جدا؟ أما الباقون وهم نحن الشعب, وفي مقدمتنا رجال الأعمال فسنكون جميعا الفاشلين, فهذا النظام لن تستطيع الحكومة وحدها أن تتحمل مسئولياته, لكنه سيكشف معدن الجميع. وهل نحن مؤهلون فعلا للاقتصاد الحر وللديمقراطية بكل أطرافها أم أننا شعب وأمة مازالت قاصرة وعلينا أن ننتظر مرحلة لاحقة, حتي نلحق بالأمم المتحررة اقتصاديا وسياسيا, فاللبنة الأولي للاقتصاد الحر هي أن نشعر جميعا بمسئوليتنا عن نجاح هذا النظام وأن يشارك كل منا بما يملك من دولارات بضخها في السوق حتي يحميه. ومن لا يملك فعليه أن يقلل استخدامه للسلع المستوردة وللدولارات حتي يحمي عملته الوطنية, وهذا ما لا يراه المستثمرو
ن الذين يريدون العملات الحرة. ولا يضخون ما يملكون, خائفين مرتعدين, وهم بهذا السلوك يساعدون في فشل النظام لأن الحكومة لا تملك عصا سحرية لتحصل بها علي دولارات للاستخدام, بينما المتحصلات لدي أصحابها تتحول إلي مدخرات لحمايتهم من تقلبات الزمن, لكن هذا الزمن لا يكون في صالح أحد إذا فشل النظام.
إن نظام سعر الصرف اختبار لقدرتنا علي السير في السياسة الاقتصادية الحرة. أو نعود للوصاية, اختبار لغني الوطن. أو فقره, اختبار لقدرتنا علي المنافسة, أو خوفنا من المجهول.
والحكومة هنا ليس أمامها إلا أن تقول الحقيقة بكل شفافية ومصداقية, وأن تحافظ علي حرية النظام وألا تخاف من المستقبل, وأن تفضح كل متربص بالنظام وتكشفه أمام الشعب, أيا كانت قوته, وعلي رجال الأعمال أن يكونوا أكثر قدرة وعلي المتحصلين علي الدولارات, أيا كانت قدرتهم, أن يضخوها في السوق, وسوف ينتصر نظام سعر الصرف وينجح لأننا لا نملك تحمل خسارته, هذا اختبار للوطن, ولكل الفئات, وكفانا خسائر ضاعت علي كل مواطن فينا, فمصر خسرت دعما لسعر الصرف في السنوات الثلاث الماضية18 مليار دولار أي ما يقرب من120 مليار جنيه بفوائدها, وخسرت ما يقرب من45 مليار جنيه مشروعات متعثرة, أو خان أصحابها الأمانة وتركوا مشروعاتهم الفاشلة وهربوا بالأموال, وخافوا من المسئولية والحساب, وهناك40 مليار دولار أخري أنفقت في مشروعات إما للمستقبل بلا عائد حالي, أو موانيء كنا في غير حاجة إليها أو كباري وأنفاق أو مشروعات متخلفة اقتصاديا أو فاشلة, أي أن اقتصادنا تحمل200 مليار جنيه أموالا, لو أحسنا استثمارها وتطويرها وتثمينها, وسارت في الاتجاه الصحيح, فإن معدلات النمو في مصر كانت ستصبح10% فأكثر, ولن تتراوح- كما هي الآن- ما بين ناقص أو1% أو2% علي أكثر التقديرات. هل يدرك كل مواطن فينا أن أموالنا هي ملكنا جميعا, وعلينا حمايتها والدفاع عنها, وأن نتحمل مسئولياتنا جميعا, وأن نضع أيدينا في مياه اللامبالاة الباردة انتظارا للنتيجة التي لا نشارك في تحقيقها.