مقالات الأهرام اليومى

مصر ــ فرنسا‏..‏ العالم الجديد بعد التغيير

أصبح مصطلح التغيير والإصلاح في منطقتنا‏,‏ الشرق الأوسط‏,‏ من الكلمات السحرية للسياسيين والاقتصاديين في العالم شرقا وغربا‏,‏ وهناك سيناريوهات لا تتوقف حول المستقبل‏,‏ طرح بعضها أخيرا في المنتدي الإستراتيجي العربي في دبي‏,‏ الذي أعتبره حدثا سياسيا وثقافيا مميزا‏,‏ نظرا لطبيعة الموضوع وأهميته‏,‏ والمكان الذي عقد فيه‏,‏ ولمكانة شخصيات المتحدثين‏.‏
المتحاورون ناقشوا مستقبل العرب في‏2020,‏ أي بعد‏15‏ عاما‏,‏ في مدينة دبي‏,‏ التي أصبحت مرادفا للتنمية السريعة والمبتكرة‏,‏ والنموذج الذي يتكلم عنه الجميع في كل مكان‏,‏ حيث استقطبت‏6‏ ملايين سائح‏,‏ وأحدثت نقلة في القطاع الاقتصادي والاستثماري بما يجعلها سنغافورة الشرق‏.‏

وكان المتحدث الرئيسي‏,‏ صاحب تلك المبادرات السريعة في التنمية‏,‏ محمد بن راشد آل مكتوم‏,‏ ولي عهد دبي‏,‏ وضيفه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون‏,‏ وباقة من الضيوف المميزين جدا وأصحاب التأثير الاقتصادي والسياسي في المنطقة والعالم‏,‏ ورجال أعمال وصحفيون عديدون ومتميزون في مجالهم‏,‏ لدرجة أنك لا تستطيع أن تقوم من مكانك لأهمية الاستماع والتركيز لما يقولون‏,‏ عسي أن تكون صورة حقيقية لما يحدث في عالمنا‏,‏ ورؤية واضحة لمنطقة تموج بالتيارات والعواصف والحروب في ذات الوقت‏.‏
ولعلي أتوقف أمام الجلسة الأخيرة للملتقي‏,‏ ليس تحيزا للصحفيين الذين تكلموا فيها‏,‏ ومنهم عبدالرحمن الراشد‏,‏ مدير قناة العربية‏,‏ ود‏.‏ فريد زكريا‏,‏ رئيس تحرير نيوزويك‏,‏ والكاتب الأمريكي المهتم بمنطقتنا توماس فريدمان‏,‏ وأدارها الوزير اللبناني وأستاذ العلاقات الدولية غسان سلامة‏,‏ لكن للإشارة اللامعة التي اخترتها عنوانا لهذا المقال‏,‏ والتي وردت كتعقيب لكاتب النيوزويك فريد زكريا‏,‏ الذي كان الوحيد الذي ركز حديثه علي مصر‏,‏ وقال‏:‏ إنه يعتقد أنه تحدث في مصر تغييرات مهمة‏,‏ سياسية واقتصادية‏,‏ لأن اختيار مجموعة من الوزراء الشباب‏,‏ ورئيس وزراء من جيل جديد‏,‏ ورجال أعمال لإدارة الاقتصاد‏,‏ هو مؤشر علي أن مصر تضع أقدامها علي الطريق السليم‏,‏ وعليه فإنه يتوقع‏,‏ إذا سارت مصر في هذا الطريق‏,‏ أي التغيير والتطور الاقتصادي‏,‏ فإنها مرشحة لكي تحتل في العالم الجديد الموقع الذي احتلته فرنسا في العالم القديم‏.‏

انتهت ملاحظة زكريا التي كانت ردا علي ما يقوله فريدمان من إنه لا يري ما يشير إلي ظهور نمور اقتصادية في العالم العربي‏,‏ علي غرار ما حدث في آسيا‏,‏ فالنمور مصطلح أطلق علي الدول التي أنتجت سلعا ومنتجات جديدة ومبتكرة‏,‏ وهذا غير موجود في المنطقة العربية‏.‏
بينما حمل عبدالرحمن الراشد‏,‏ رؤية متشائمة أشد لمنطقتنا‏,‏ لأن الأنظمة العربية لا تساند النظرة المتفائلة‏,‏ وأن العالم العربي من وجهة نظره سيتحول إلي وضع صعب‏,‏ فلا مجال لسقوط الأنظمة بالانقلابات‏,‏ إنما سيكون سببها الاضطرابات الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية‏.‏

ورغم أهمية الأفكار التي طرحها السياسيون والاقتصاديون‏,‏ حول مستقبل منطقتنا‏,‏ فليس مكانها هذا المقال‏,‏ لكنني أردت فقط أن أستخلص الرؤية حول الشرق الأوسط‏,‏ وأري أن الكل ينظر إليه بتشاؤم‏,‏ رغم المشروعات الكبري والعالمية المقدمة من أمريكا وأوروبا حول الشراكة‏,‏ وإقامة منطقة حرة تجارية‏,‏ والإمكانات البترولية والنفطية‏,‏ التي يجمع كل الخبراء علي أنها سوف تزداد في هذا المجال‏,‏ فليست هناك أي تطورات في عالم الطاقة‏,‏ تنافس بترول وغاز الشرق الأوسط‏,‏ لكننا مطالبون بأن نتخلص من عقدة النفط‏,‏ التي أعاقت إرادة المنطقة علي التغيير والتطور والإنتاج‏,‏ بل جعلتها بؤرة للصراعات والتنافسات الدولية التي تتحكم في قرارها ومصيرها‏.‏
وقد لمس المشاركون أوتارا حساسة للمنطقة‏,‏ حيث طالب بيل كلينتون الإدارة الأمريكية بألا تتوقف عن لعب دور الوسيط‏,‏ لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط‏,‏ وألا تأخذ من فشله سببا للتوقف‏,‏ لأنه من دون إنهاء هذا الصراع‏,‏ ستقع المنطقة في هوة اليأس‏,‏ والإرهاب‏,‏ فقيام دولة فلسطينية ليس جائزة للشعب الفلسطيني‏,‏ بقدر ما هو حق له مثل كل شعوب الأرض‏.‏

إنها رؤية سليمة وتستحق الإعجاب‏,‏ كما كانت رؤيته الاقتصادية محددة ومتطورة‏,‏ ومنها أن فقراء العالم يملكون ما يقرب من خمسة تريليونات دولار‏,‏ في شكل أصول هي مساكنهم وممتلكاتهم الشخصية‏,‏ وهي أصول مجمدة غير مستغلة بسبب عجز أصحابها عن الحصول علي قروض‏,‏ وأشار هنا إلي مصر التي تبذل جهودا كبيرة في دعم المشروعات الصغيرة‏,‏ وتعزيز فرص تمويلها كنموذج لإشراك الفئات الصغيرة في التطوير الاقتصادي‏.‏
ولعلنا جميعا نأخذ هذه الكلمات التي جاءت في ختام كلمة التقديم لهذا المنتدي‏,‏ والتي قالها محمد بن راشد عن المنطقة وتطوراتها علي محمل الجد‏:‏ يعيش عالمنا العربي وسط أزمات ومشاكل وقلاقل منذ قرن تقريبا‏,‏ وقد اعتاد الكثيرون منا علي تحميل الأزمات والمؤثرات الأجنبية مسئولية فشل التنمية‏,‏ وقد جاء الوقت لنبذ هذه العادة‏.‏

وتساءل‏:‏ لماذا تؤجل أزمة مهما بلغت شدتها إصلاحا اقتصاديا‏,‏ أو إداريا أو تشريعيا أو خطة لمحو الأمية؟‏!‏ فما علاقة المؤثرات الأجنبية باستمرار العمل بتشريعات من العصر العثماني‏,‏ وما دخلها في انتشار الفساد أو ظهور الشللية ومراكز القوي؟‏.‏
وأضاف إن التحديات التي ستواجه المنطقة كبيرة‏,‏ حيث سيقترب عدد العرب في عام‏2020,‏ من‏400‏ مليون نسمة‏,‏ وليس في الإمكان توفير احتياجاتهم بالمفاهيم والأساليب‏,‏ التي قادت العالم العربي إلي وضعه الراهن‏.‏

وأقول لإخواني المسئولين العرب‏,‏ إن لم تغيروا‏,‏ فستتغيرون‏,‏ وإن لم تبادروا إلي إصلاحات جذرية تعيد الاحترام للعمل العام‏,‏ وترسي مباديء الشفافية والعدالة والمساءلة‏,‏ فستنصرف عنكم شعوبكم‏,‏ وسيكون حكم التاريخ عليكم قاسيا‏.‏
وفي هذا الأمر رسالة لنا جميعا‏,‏ تنبهنا إلي أنه يجب أن نتوقف عن الحديث حول الأحلام وما يجب‏,‏ وما لا يجب‏,‏ وأن نبدأ في الحديث عن الإجراءات والميزانيات والمشاريع ومواعيد الإنجاز وتفاصيل التسليم‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى