مقالات الأهرام اليومى

الشرق الأوسط يستحق

يبدو أن كل الأطراف علي المسرح العالمي تحتشد لتهيئة مناخ جديد للشرق الأوسط‏,‏ فالشركاء المحليون واللاعبون العالميون راحوا يكيفون أوضاعهم‏,‏ والصورة كما تظهر في رؤيتها العامة‏,‏ هي كيف يتم ترويض المتطرفين علي الجانبين لقيام دولة فلسطينية‏,‏ تحظي بقبول شعبي من الأطراف المباشرة‏,‏ ودون آثار تبقي كامنة من العملية الجراحية النادرة‏,‏ في حالة النجاح‏,‏ فتسمح بتجدد الصراع مرة أخري؟‏!‏

ونظرا لأنه صراع متشابك علي مدي قرن كامل‏,‏ فأبعاده ليست فلسطينية ــ إسرائيلية وعربية فقط‏,‏ بل عالميا‏,‏ أدي إلي توتر عميق في العلاقات الدولية‏,‏ فهو أحد عناصر حرب الإرهاب الشاملة‏,‏ والتي تفجرت بعد أحداث‏11‏ سبتمبر‏2001,‏ في نيويورك وواشنطن‏,‏ وتداعياتها المتمثلة في الحربين الأمريكيتين في أفغانستان‏,‏ ثم العراق‏,‏ وما تلا ذلك من اهتزاز في أوضاع الخليج العربي‏,‏ وما نتج أيضا من أحداث وضعت علاقة الشرق والغرب في حالة حرب معلنة في بعض المناطق‏,‏ ومكتومة وثائرة ومضطربة في مناطق أخري‏,‏ فاهتزت العلاقة بين أمريكا وبين العالمين العربي والإسلامي‏.‏

وإذا اعتبرنا انتخاب جورج بوش في واشنطن مرة ثانية‏,‏ وارتباط معظم أجندته السياسية بالشرق الأوسط‏,‏ سواء علي صعيد التغيير الإقليمي أم أزمة العراق‏,‏ بصعوباتها الخطيرة‏,‏ واحتياجه إلي تعاون إقليمي ودولي للخروج من هذا المأزق المخيف‏,‏ فلاشك أن القضية الفلسطينية ستكون محورا دافعا للتغيير الإقليمي‏,‏ لا تستطيع أن تتجاهله أمريكا‏.‏

فهو ليس شرطا لانخراط المنطقة وأوروبا في عملية التغيير السياسي والاقتصادي‏,‏ أو إنقاذ العراق فقط‏,‏ ولكنه ضروري وحتمي‏,‏ ليس للفلسطينيين وحدهم‏,‏ ولكن للشرق الأوسط‏,‏ وأوروبا علي الضفة الأخري من المتوسط‏.‏

حدث هذا التطور بعد الرحيل المباغت للرئيس الفسطيني عرفات‏,‏ لكي يجد الفلسطينيون والإسرائيليون أنفسهم أمام أوضاع جديدة‏,‏ فعلي الجانب الأول تم الإسراع في الإصلاح الداخلي‏,‏ ببناء المؤسسات الديمقراطية‏,‏ وهذا التغيير سلب من الإسرائيليين شرطا مفتعلا كانوا يضعونه حتي يوافقوا علي بداية التكيف مع مرحلة جديدة‏,‏ كانت معروفة مسبقا‏,‏ وتبدأ من دولة فلسطينية قابلة للحياة علي أراضي‏1967,‏ واقتسام القدس‏.‏

وهذا الحل‏,‏ مع اختلال موازين القوي الراهن‏,‏ يعتبر حلا نهائيا للتعايش الإقليمي والعالمي‏,‏ وبالتالي سيكون مقبولا ودائما لا يؤجل الصراع‏,‏ ولأنه سوف يقبل علي مستويين شعبي ورسمي‏,‏ فإن اتخاذ إسرائيل لهذا القرار سيكون صعبا عليها‏,‏ وتحتاج إلي تغيير جوهري في الداخل‏,‏ وإلي التقاء بين تياراتها المكونة للموزاييك السياسي الإسرائيلي بالكامل‏.‏

ولكن كما يبدو‏,‏ للعيان والمراقبين‏,‏ فإن إسرائيل حاولت خلال الفترة الماضية تأجيل اتخاذها قرارا استراتيجيا لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين والعرب‏,‏ كان قد اتخذه من قبل حزب العمل وزعيمه الراحل إسحاق رابين‏,‏ عندما بدأ بأوسلو وانتهي مع الفلسطينيين في وجود باراك في طابا وكامب ديفيد‏,‏ ولم يستطع الإسرائيليون والفلسطينيون معا‏,‏ إكمال الشوط إلي نهايته‏,‏ وذلك يرجع إلي تعقيدات متزامنة في الداخل الإسرائيلي والفلسطيني‏.‏

فحاولت إسرائيل عندما انتخبت اليمين المتشدد المتمثل في نيتانياهو‏,‏ ثم شارون أن تختبر تصفية القضية الفلسطينية بالكامل‏,‏ والانقلاب علي الحل الأول‏,‏ والعودة إلي تأجيج الصراع‏,‏ بحجة تصفية البنية التحتية لشبكات الإرهاب والتطرف‏,‏ عندما تصورت أنها القوي التي تقف ضد الحل‏,‏ فإذا بها تكتشف‏,‏ وهي تحت حكم اليمين بكل قواه‏,‏ عجز القوة عن الحل‏,‏ وعن التصفية‏.‏

وكان الاكتشاف مذهلا‏,‏ فاليمين الشاروني هو الذي سوف يبدأ الانسحاب الأحادي وتصفية المستوطنات في غزة وشمال الضفة الغربية‏,‏ وهو الذي يبني سورا عازلا مع الفلسطينيين‏,‏ ورغم ضعف هذه الحلول فإنها كشفت عن أن اليمين يحاول تصحيح أوضاعه بصعوبة‏,‏ وأنه يتجه‏,‏ مع عدم الإقرار بالهزيمة‏,‏ إلي الاعتراف بحق الفلسطينيين‏,‏ وهو تغيير ليس جوهريا فحسب بل هو إستراتيجي كبير تم في سنوات وجيزة‏.‏

وحتي نكون صرحاء مع أنفسنا فإننا نقول إن هذا الاعتراف اليميني الصعب لم يأت من قوة المقاومة الفلسطينية‏,‏ رغم أننا لا ننكر عظمتها‏,‏ لكنه جاء مباشرة من قوة الحق الفلسطيني‏,‏ فحصل علي اعتراف دولي‏,‏ وقهر القوتين الإسرائيلية والأمريكية معا‏.‏

ولعلنا هنا نري أن التكيف الإسرائيلي مع هذه المتغيرات يسير في اتجاهات عديدة‏,‏ ويسارع بالخطي فيها‏,‏ لكن الكثيرين مازالوا يتوقعون أن يماطل شارون أو يتجنب تأجيل لقاء القيادات الفلسطينية الجديدة‏,‏ المقرر ظهورها بعد انتخابات وإصلاحات جوهرية فلسطينية‏,‏ نجح في القيام بها هذا الشعب المظلوم‏,‏ في وقت قياسي وتحت الاحتلال‏.‏

ولكن التغيرات السياسية في بنية حكومة شارون وصعود حزب العمل شريكا له لتقويته ومساعدته في عملية السلام تتم بأسرع مما نتوقع‏,‏ وفي هذا الإطار يجب علي الجميع إعادة قراءة قدرة مصر وسياستها الأخيرة علي التكيف مع التطورات الإقليمية والعالمية‏,‏ حتي تكون في وضع يسمح لها بالإسهام في إنجاح هذه المبادرة السياسية الصعبة‏,‏ التي تلوح بوادرها الآن في الأفق‏.‏

وهكذا نستطيع قراءة المنظور السوري المعلن‏,‏ باستعداده التفاوض بلا شروط‏,‏ وبالرغم من أن إسرائيل لم تستقبل هذا التطور بما يستحقه من إيجابية‏,‏ فإنه مرصود في الأجندة السياسية‏,‏ ولا يمكن تجاهله إقليميا أو عالميا‏,‏ فهو لم يفشل‏,‏ بل تم تأجيله‏,‏ لأن القدرات الإسرائيلية علي ما يبدو غير قادرة علي احتمال استيعاب هذه الرؤية الجديدة‏,‏ مع المتغيرات الفلسطينية والعربية‏.‏

لكن هذه التطورات مازالت تتخلق في رحم الأحداث‏,‏ والشرق الأوسط يستحق السلام‏,‏ وعلي كل اللاعبين السير فيه والاحتشاد نحوه بقوة‏.‏

ومع ذلك يجب أن نتحفظ‏,‏ لأن السوابق علمتنا ذلك‏,‏ فالمخاوف لا تزال كامنة‏,‏ ولم تنته بعد لدي كل الأطراف‏,‏ ولن يخبرنا أحد بالنبأ اليقين‏,‏ إلا المستقبل والأحداث‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى