مع.. وضد الحكومة

السياسات الاقتصادية التي أعلنها رئيس الوزراء, سواء في أحاديثه الصحفية أم في بيانه أمام مؤتمر الحزب الوطني الثاني, تشكل, بمقاييس برامج الحكومات, أجندة دسمة.
لكن هذه السياسات, لم يحدث حولها نقاش كبير, برغم أنها تحتوي علي كل ما يهم مصر والمصريين, وعلي برنامج عملهم في عام2005, والذي يعتبر نقطة مفصلية لمستقبل بلدنا في السنوات المقبلة, فهذا العام يحتاج إلي تركيز من الحكومة والمجتمع بكل قواه, لأن فيه سنجني ثمار السياسات والحريات التي حصلنا عليها.
ففي الاقتصاد, فإن ما حققناه من بنية أساسية كبيرة لن تتحقق الاستفادة منه إلا بتحول مصر إلي بلدمستقبل للاستثمارات الأجنبية والشركات العالمية, وإذا تحققت هذه السياسة فسوف يحدث تحول جوهري في شكل السوق وقدرات المصريين, وعمليات التوظيف والعمل والإنتاج.
وقد لا نتفق مع رؤية الحكومة في أن الموارد التي وفرتها الإصلاحات الضرائبية والجمركية, والتي تقترب من7 مليارات جنيه, وكانت تحصل عليها خزانة الدولة ووفرتها لجيوب الناس, سوف تجد طريقها للاستثمار, فهي من وجهة نظرنا ستجد طريقها للاستهلاك, وهو مهم, لأنها ستتيح للسوق مرحلة من التقاط الأنفاس وتوفر بعض الاحتياجات الملحة للمستهلكين الذين عانوا من الركود سنوات طويلة.
فالاستثمار المحلي يحتاج إلي مناخ آخر, وإيجاد وزارة للاستثمار خطوة مهمة علي هذا الطريق, ولكنها ليست كل شيء, فيجب أن يكون هناك برنامج حكومي لمجابهة الفساد بكل أشكاله, والحد من تدخلات الحكومة, وايجاد ضمانات لحقوق المستثمرين, وخلق البيئة الحاضنة للاستثمار وليست الطاردة له.
ولعلنا الآن نحتاج من الحكومة إلي إعادة التأكيد علي الضمانات التي قررها قانون الاستثمار, فهناك أحاديث تدور عن أن الإعفاءات المقررة في هذا القانون في طريقها إلي الإلغاء بعد التعديلات الضرائبية وتحسين معدل الضريبية, مما عكس حالة من البلبلة والانتظار لدي المستثمرين, ونقول هنا يجب أن نوضح أن أي تغييرات في السياسات الاقتصادية, سيكون في اتجاه مصالح المستثمرين وليس انتقاصا من حقوقهم, وما حصلوا عليه من قوانين سابقة, كما أن الحوار بين المستثمرين والحكومة, يجب أن يستمر لدراسة أي أثر سلبي قد يواجه بعض المنتجين بعد التخفيضات الجمركية, وتأثير السلع المستوردة علي بعض المنتجات المحلية, فالمستثمر يحتاج إلي الثقة والاستقرار.
ولعل قضية المتعثرين من المستثمرين وعلاقاتهم بالبنوك المصرية, تأخذ مزيدا من الاهتمام من حكومة د. أحمد نظيف, لأن أسلوب المعالجة والمتابعة مع المستثمرين المحليين, سينعكس علي صلب ومستقبل الاستثمارات المطلوب جذبها إلي مصر.
ويجدد الإشاره إلي أهمية استقرار المصارف المصرية والعاملين بها, وشعورهم بالمساواة والثقة أيضا, سيكون له فعل السحر علي الإصلاحات المصرفية وزيادة قوة الجهاز المصرفي, فلا ينكر أحد أن دمج المصارف الصغيرة وزيادة رؤوس أموال البنوك سيكون لها تأثير كبير علي مستقبل أهم الأدوات الاقتصادية خدمة للاقتصاد ودافعا للاستثمار, ولكن هناك ملاحظتين في هذا الصدد:
* الأولي هي أن معالجة أوضاع البنوك في الداخل لن تنجح إذا سارت علي المنوال الحالي, وهو تقسيم العاملين إلي فئتين, مجموعة من القيادات المصرفية القادمة من الخارج برواتب خيالية, بينما العاملون الحاليون, وبينهم كفاءات مصرفية ويتمتعون بخبرات كبيرة, لم يطرأ علي أجورهم أي تغيير, والتساؤلات الآن تملأ أجواء المصارف المصرية حول التعيينات بأجور خيالية لقيادات جديدة مستوردة, ويطلقون عليهم ألقابا كثيرة: الخبراء الأجانب, وهذه الازدواجية بين العاملين في المصرف الواحد, خطر علي مستقبل العمل المصرفي, فهي تهدد بتخريبه من الداخل, وفي هذه الحالة علينا أن ندرس تجربة البنك الأهلي, الذي لم يأت بخبرات خارجية, أو يدفع أجورا مبالغا فيها, ومع ذلك حدث تكيف في السياسات داخل هذا البنك في معالجة مشكلة المتعثرين, وتحسين نوعية الإقراض, بينما لم يحدث مثل هذا التطور في بنوك مماثلة, تولت إدارتها مجموعات جديدة ظهرت بأسلوب كأنه الاستيلاء علي البنك, وأشعرت العاملين والذين يقومون بالأعمال الحقيقية, بأنهم كانوا المسئولين عن الأخطاء التي سادت في مرحلة سابقة.
وأعتقد أن هذا أسلوب خاطيء في الإدارة, فإذا كانوا هؤلاء الجدد يبحثون عن النجاح وتحقيق الأهداف, فعليهم أن يتواضعوا في تعاملهم, ويحصلوا علي أجور معقولة مثل نظائرهم الآخرين, وتتناسب بالفعل مع ما يتحقق من إنجاز واقعي علي الأرض, وذلك حتي لا يخلقوا أوضاعا خطيرة في المصارف تهز الثقة في أساليب العمل, وتخلق طابورا خامسا لا يهمه إلا إفشال السياسات الجديدة.
وأطالب بأن تكون المعايير الموضوعة لاختيار القيادات في المصارف مبنية علي أساس أن تعطي للخبرات المتكونة داخل المصرف نفس الاهتمام والرعاية للخبرات القادمة من الخارج, وأن تحصل علي حقوق وتولي القيادة إذا كانت تصلح, حتي لا يبقي الوضع الراهن, وهو إعطاء المناصب الكبري داخل البنك لأصحاب الحظوة بحجة الكفاءة النادرة, أو بذريعة أن المصارف ليس بها قيادات أو صف ثان.
* أما الملاحظة الثانية, فهي إعادة النظر في سعر الفائدة والمصاريف الإدارية الباهظة التي تتزايد علي القروض المخصصة للاستثمار, فإذا كنا راغبين في تغيير حقيقي في سوق الاستثمار لمستقبل التنمية, فإن انخفاض تكلفة الإقراض عملية ضرورية بل حتمية, ولن يتحقق أي تطور جوهري في مجال الاستثمار دون بنوك قوية متصالحة مع نفسها, ومع العاملين بها, ومدركة لصعوبات الاستثمار, بل وباحثة عن المستثمرين الجادين والمشروع المربح, ومتعاونة إلي أقصي درجة حتي مستوي المشاركة مع المستثمرين بلا إفساد وبشفافية كاملة, ولذلك نطالب بالثقة والمساواة بين العاملين داخل البنوك مع رفع كفاءتهم وولائهم للبنك والوطن.