مقالات الأهرام اليومى

كارثة العراق‏..‏ وتطلعات مؤتمر القاهرة

لم تكن عملية التفجير الإرهابية في طابا سببا لتحرك القاهرة الفعال لعقد مؤتمر دولي حول العراق‏,‏ ولكنها كانت دليلا علي المخاطر التي سوف تكتنف منطقة الشرق الأوسط‏,‏ إذا تركنا معالجة تداعيات الحرب الأمريكية علي العراق للسياسات الأمريكية المنفردة‏,‏ مثلما تركنا لها قرار الحرب بمخاطره الجمة‏.‏
لأن الفوضي التي سببتها هذه الحرب‏,‏ أثرت بلا شك في كل بلدان المنطقة‏,‏ فوصلنا إلي حالة مؤلمة تجاوزت كل الخطوط والحواجز‏,‏ أصبحنا في سباق رهيب‏,‏ بين قوي العقل وقدرتها علي تصحيح الأمور‏,‏ وتلجيم الحروب‏,‏ وتلافي المخاطر‏,‏ وبين قوي الشر‏,‏ وخطورتها علي دفع الأحداث بالجرائم‏,‏ لكي تجرفنا جميعا إلي حافة الهاوية‏.‏

فالتوتر العالمي الذي صاحب الحرب الأمريكية علي العراق‏,‏ قبلها وأثناءها وبعدها‏,‏ تحول إلي حالة مستعصية من الجمود‏,‏ انتظارا لوقوع كارثة‏,‏ يدفع ثمنها مرتكب الجريمة النكراء في العراق‏,‏ لتكون درسا عمليا لا يتكرر أبدا‏,‏ وبالرغم من بساطة هذا التبرير‏,‏ فإنه يلقي هوي لدي الكثيرين‏,‏ دون النظر بعمق إلي ما قد يصيب المنطقة‏,‏ والعراق الحبيب من انهيار‏.‏

لأن الأمريكيين باتوا مكشوفين‏,‏ وصار ظهرهم إلي الحائط‏,‏ بعد أن استخدموا القوة المفرطة‏,‏ حتي عجزت هذه القوة‏,‏ والتقت مع نقطة الهزيمة الواضحة تماما مثلهم مثل الإسرائيليين في مرحلة شارون‏,‏ حيث خيل له أنه قادر بالقوة الباطشة والضعف الفلسطيني والعربي المفرط علي أن يفرض أجندته‏,‏ ويلغي فكرة السلام التي ظهرت قبله‏,‏ وتطورت علي أيدي رابين وعرفات إلي حكم ذاتي‏,‏ وحصلت علي اعتراف دولي وأمريكي وإسرائيلي عمالي بدولة فلسطينية تعيش إلي جوار إسرائيل‏,‏ ثم انقلب المتطرفون علي هذا السلام‏,‏ في تطور مخيب للآمال‏,‏ وصل إلي قتل إسحاق رابين‏,‏ وتحجيم حزبه وتحويله إلي أقلية سياسية‏,‏ فصعدت شخصيات من المتطرفين إلي السلطة‏,‏ وصولا إلي شارون‏,‏ الذي بدلا من قتل عرفات مثل رابين لينهي الأسطورة‏,‏ ويوقف عجلة التاريخ‏,‏ حبسه في رام الله‏,‏ مستغلا‏,‏ كعادة كل من يعادي الأفكار النبيلة‏,‏ أخطاء فلسطينية وراح يسلط عليها الأضواء‏,‏ متناسيا حقيقة وهي أن يسلم بالحقوق الفلسطينية‏,‏ وينهي الاحتلال‏,‏ ويعترف للشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير‏,‏ مثلما فعل سلفه الراحل رابين‏,‏ بعد أن أدرك جوهر الصراع ووصل إلي حل فيه‏,‏ وهو أن يترك شارون للفلسطيني
ين إصلاح دولتهم وقيام ديمقراطيتهم‏,‏ وهم قادرون‏,‏ لأن من يواجه الاحتلال الإسرائيلي بمثل هذه الضراوة والقوة والشجاعة لن يستسلم لفساد أو تطرف معارضة‏.‏

وإذا كان التاريخ سيتحرك إلي الأمام‏,‏ بوقف الحروب وإنهاء الصراعات‏,‏ فإن كارثة العراق يجب أن تتوقف أيضا‏,‏ بتحرك القوة التي صنعت سلام المنطقة‏,‏ بما تملك من مقومات وروح وخبرات لتجنيب شعوب المنطقة ويلاتها‏,‏ ورسالة مؤتمر القاهرة ستكون حول هذا المضمون‏,‏ فالحل لا يكون أمريكيا‏,‏ فالاعتراف الأمريكي بالفشل والهزيمة‏,‏ ظهر بنفس غرور القوة التي صنعت الحرب عندما قال وزير الدفاع رامسفيلد‏:‏ إن العراق لم يكن يوما من الأيام بلدا مستقرا‏,‏ ولن يكون‏!!‏
ومن هذا المفهوم فإن قوة مؤتمر القاهرة هي في تقديمه رؤية لحل الصراع في العراق‏,‏ تشترك فيها كل القوي الأوروبية والآسيوية والأمريكية وضع حد للحرب‏,‏ وانسحاب قوات الاحتلال‏,‏ واحترام أسلوب العراقيين في حكم أنفسهم‏,‏ حتي لا نترك الأمريكيين وسياستهم وأخطاءهم الفادحة هناك‏,‏ بعد أن اعترفوا بها جميعا من بوش وتشيني‏,‏ ورامسفيلد إلي بريمر‏,‏ الذي حل الجيش وفكك الدولة وفتح العراق للفوضي والإرهاب‏.‏

فالمعادلة محكمة‏,‏ الحرب الظالمة أسقطت طاغية ولكنها أثبتت قدرة العراقيين علي رفض الاحتلال‏,‏ وصمدوا ببسالة في ظروف قاسية‏,‏ وسوف ينتصرون عليها‏,‏ ويثبتون للأمريكيين وللعالم أن هناك بلدا اسمه العراق‏,‏ وأن الأوطان لا تهزم‏,‏ وهزيمة نظام ليست هزيمة وطن‏,‏ لكن نهاية الاحتلال والاعتراف بحقوق هذا الشعب لا تعني ترك العراق للفوضي والإرهاب‏.‏
وحتي نحقق هذا الهدف الغالي فإننا نحتاج إلي تعاون دولي‏,‏ تشارك فيه كل القوي‏,‏ لأن المتضرر من استمرار هذه الحالة ليس العراق وحده بل العالم كله‏,‏ ونحن علي يقين من انتصار العراق‏,‏ بالرغم من أن حكمه لم يكن سهلا أبدا منذ دولة بني أمية إلي دولة العباسيين‏,‏ إلي الحكم العربي منذ أقل من مائة عام‏.‏

فالتعدد العرقي في العراق بين سنة وشيعة وعرب وأكراد وتركمان سوف يؤدي إلي خلق مزيج حي من الوحدة‏,‏ إذا عرف الجميع لغة العصر‏,‏ وهي أن الحكم ليس السيطرة وقمع الآخر‏,‏ وسوف تنبثق من هذه التركيبة دولة موحدة مستقرة‏,‏ لأن فترة حكم صدام حسين ليست قياسا كما أن الاحتلال أو الإرهاب ليس بديلا أو حلا‏.‏
وفي هذه الحالة فإن التعاون الدولي سيكون سبيلا لتصحيح خطايا حرب العراق واعتراف أمريكا بهذا الحل والتعاون معه سيكون أيضا سبيلا لتصحيح أخطاء السياسة التي أعقبت الحرب علي الإرهاب‏,‏ كما سيكون خطوة مهمة لكي تعرف القوة أنها ليست حلا وحدها لمسألة الإرهاب وتداعياته الخطيرة‏,‏ وهذا المؤتمر سوف يعود بنا إلي البداية‏,‏ إلي صانع السلام الإقليمي‏,‏ لإعطاء الحقوق للشعوب‏,‏ وفتح الأبواب أمام أبنائنا للعمل والتنمية في نطاق إقليمي منظم‏,‏ يسمح لشعوبنا بالتفاعل الخلاق‏,‏ دون تهديدات أو صراعات إقليمية منهكة‏,‏ بددت ولاتزال طاقات الأمة وآمالها‏.‏

وليست مفارقة أن يكون مؤتمر سلام العراق علي أرض مصر‏,‏ التي فتحت طريق السلام في منطقة الشرق الأوسط‏,‏ وحافظت عليه من السقوط تحت أقدام المتطرفين وهواة الحروب‏,‏ سواء كانوا قادمين تحت عباءة الليكوديين في تل أبيب أم المحافظين الجدد في واشنطن‏.‏
فهل يستجيب العالم وعقلاء منطقتنا لهذا النداء الجديد الذي جاء من أجل صالح الجميع‏,‏ مستقبل العراق وشعوب منطقتنا العربية؟‏!‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى