حـادث طـابا..

العملية المروعة التي أصابت ثلاث مناطق سياحية في جنوب سيناء, وفي مقدمتها فندق طابا الشهير مساء7 أكتوبر, لم تكن عملية إرهابية عادية, ولم تستهدف أفرادا أو جنسيات بعينهم, ولكنها كانت سياسية وإرهابية ونوعية معا فقد خططت بدقة وإحكام لكي تعيد التأكيد علي أن التطرف بأشكاله المختلفة, يقف ضد السياسات المصرية الحكيمة, خاصة عندما تتحرك هذه السياسة بفاعلية, وتصبح لها نتائج مؤثرة.
ويجب أن نلاحظ أنها عمليات متكررة, وتجيء دائما لإحباط أي نجاحات تقوم بها مصر, ولكي نمسك الخيط من بدايته فالعملية رغم أنها أصابت إسرائيليين أو سائحين لهذه المنطقة الخلابة, فإن المستهدف هنا ليس سائحا بعينه, ولكن المستهدف هو سياسة اقتصادية, من جانبها السياحي, بعد أن استطاعت مصر القيام بعمل مكثف تلافت به الآثار السلبية الحادة التي ضربت السياحة وحركة الاستثمار في جنوب وشمال سيناء, وأصابت المنشآت فيها بالركود, في سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأربع, فتوقف العمل وأفلست الشركات وتم طرد العاملين, ولكن بعد هذا الانجاز يجيء هذا الحادث ـ وقبل بداية الموسم الشتوي الذي شهد إقبالا من السائحين ـ لإجهاض هذا العمل المنظم والمحكم, هذا من ناحية الأثر المباشر.
أما من ناحية العمق, فإن المتطرفين علي الجانبين قد ساءهم أن تصبح مصر مقصدا للجميع, وبيت الحكمة, ومنها تصدر السياسة السليمة للقضية الخطيرة, ليس لمستقبل الشرق الأوسط وحده, إنما للعالم كله, وأقصد الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
فإذا نظرنا للقاهرة فسنجدها أصبحت تحتضن الرأي العام الفلسطيني, كما صارت مركز ثقل ومحط اهتمام من الرأي العام الإسرائيلي, وهما الورقتان المتحكمتان في مستقبل السلام الإقليمي, فالحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني لا يمضي في مسيرته إلا إذا أدارته مصر, لأن السياسة المصرية خرجت عن الأسلوب التقليدي والذي كان يقوم في السابق علي دعم الفلسطينيين عبر سلطتهم الرسمية فقط, وأصبحت تقدم رعاية شاملة للقضية الفلسطينية, فعندما تخطيء السلطة ورئيسها, وتبتعد عن جادة الصواب, تقول القاهرة رأيها بصراحة, ولا تقف عند ذلك وحده, بل تقوم بالمساعدة في تصحيح المسار, وتحديث المؤسسات الفلسطينية, والتي علي أكتافها سوف تقوم دولة بلا فوضي أو سيطرة المتطرفين, فمصر صارت تخاطب كل المنظمات بلغة واحدة, وتريد أن تصل إلي القاسم المشترك, لتمنع الصراع فيما بينهم عبر حوار خلاق, يوحد شعبا يعيش في ظل أزمة وكارثة وعدوان بغيض, استهدف كيانه وأراد رسم صورة غير حقيقية عن منظماته, مستغلا أحداث11 سبتمبر2001, خالطا بأسلوب متعمد ومجحف بين الإرهاب وبين المقاومة المشروعة للاحتلال, لكن السياسة المصرية نجحت, بشق الأنفس, في إبراز الحقيقة الغائبة وإبعاد الصورة المغلوطة التي سادت في الذهن العالمي لمجرد أن بعض المقاومين يستفيد من الطاقة الحيوية للإسلام. وأصبح الآن الأوروبيون وكثير من الأمريكيين يدركون هذه الحقيقة, حتي الرأي العام الإسرائيلي نفسه بدأ يعيد فهم أبعاد القضية بالكامل, مطالبا بحق الفلسطينيين في دولتهم.
وسوف يحسب, في التاريخ الحديث, أن المصريين في ظل حكمة وقيادة رئيسهم حسني مبارك, حافظوا علي القضية الفلسطينية في زمن صعب, واستمروا في شرح أهمية حصول الفلسطينيين علي حقوقهم ودولتهم للمجتمع الدولي وقواه الفاعلة, وتأثير هذا الحل علي تجفيف منابع الإرهاب, وتصحيح أوضاع منطقة الشرق الأوسط المقلوبة.
وهذا النجاح الذي حققته السياسة المصرية لايزال غائبا بسبب المروجين, الذين يتخذون من الدعاية أسلوبا, وهو منهج لا يجدي في هذا الزمن الذي تغيرت فيه القوانين الحاكمة للسياسة الإقليمية والعالمية, وهذا الدور المصري في حل القضية الفلسطينية سوف تكتب قصته بعد سنوات, لأنه يتم في أوقات بالغة الصعوبة عبر عملية متراكمة ودقيقة, تعرفها العقول الراجحة والمتابعة, دون غوغائية, وسوف تصب في النهاية في صالح تقرير مصير الشعب الفلسطيني, ورد حقوقه المشروعة وتعويضه عن سنوات الطرد والتشريد, بحصوله علي اعتراف بالدولة والحقوق من المجتمع الدولي خاصة من أمريكا وإسرائيل معا.
لكن عندما تقترب مصر من النجاح تترصد قوي التطرف بالغوغائية, أو بالفعل الإرهابي المباشر حتي يتوقف هذا الدور الحيوي للمصير العربي ككل, وعملية طابا القذرة هي جزء من هذا المسلسل المخيف للتطرف والإرهاب, الذي يترصد مصر وحركتها بشقيها السياسي والاقتصادي, ولعل الدرس الذي يجب أن ندركه هو أنه من الضروري ألا تتوقف السياسة المصرية بفعل هذه القوي الضارة, فعمليات البناء الداخلي والتغيير الاقتصادي والانفتاح جميعا, يجب ألا تتوقف لأن ذلك يبني القوة الداخلية, ويحصن الوطن بنمو اقتصاده وطبقته الوسطي, المؤهلة للوقوف ضدالتطرف, والتي تدفع نحو استمرار النمو والتحديث بأسلوب التغيير المصري المبتكر المتدرج والعلمي.
أما السياسة الخارجية والقائمة علي فتح أبواب التعايش الإقليمي, وإقامة السلام في المنطقة جميعا, فهي الأداة السحرية التي تجعل للرأي المصري مكانة في مخاطبة الرأي العام عالميا وإقليميا, وتكسبه القوة والمناعة اللتين تجعلانه قادرا علي كشف المتطرفين في كل مكان, ومنهم جماعات المحافظين الجدد في أمريكا التي توسع من نطاق الحروب في العالم, والمتطرفون في إسرائيل, الذين قتلوا إسحاق رابين, ووقفوا ضد السلام والاستقرار الإقليمي, وباتوا يدفعون المنطقة إلي مصير مجهول.
والاعتدال المصري, والواقعية في هذه السياسة يحتاجان إلي دعم داخلي, والتفاف جماهيري من الشعب المصري والعربي, حتي نستطيع أن نحقق أهدافنا المشروعة في التنمية والتحول الداخلي, وحل المشكلة الفلسطينية, واجتياز مخاطر الإرهاب وتداعياتها, ومنع انزلاق المنطقة إلي حروب متتابعة من أفغانستان إلي العراق, فالقائمة القادمة طويلة ومخيفة.
وإذا كان حادث طابا مؤثرا فإنه بداية لليقظة, لكي ندرك أن القوي المتربصة بنا لن تتوقف وسوف تنتهز الفرصة وراء الأخري, فهي كامنة, لمهاجمتنا في أي لحظة تراها مناسبة لها.
ولكن الأهم أن تماسك الرؤية المصرية في مواجهة الإرهاب والتطرف, محليا وإقليميا وعالميا, في حاجة إلي تفهم عالمي ودعم إقليمي من القوي صاحبة المصلحة, حتي يمكن لعالمنا المعاصر أن يتخطي هذه المرحلة الدقيقة والحساسة.