نهاية عصر حكومات الجباية

وسط مناخ من الشد والجذب حول أولويات قضايا الإصلاح التي كان يجب أن نركز عليها مصريا, عقد الحزب الوطني الديمقراطي مؤتمره السنوي الثاني, وخرج كثيرون وهم يشعرون بأن السياسات التي ظهرت بعد الحوارات والمناقشات, حققت الأهداف الراهنة, إلا أن البعض رأي أن القضايا السياسية الكبري إقليميا غابت عن المؤتمر.
ولكن النظرة الموضوعية, تؤكد بلا مبالغة أن أوضاع مصر, وسياستها الداخلية تغيرت كثيرا, عما قبل انعقاد المؤتمر, فقد أصبحنا نملك سياسات ورؤي جديدة للمستقبل, والأهم أنه صار لدينا فريق وزاري, وحزب قادر علي إدارة التغيير, وحماية الوطن من أي اهتزازات في المستقبل, وذلك لأن الإصلاح حدد رؤيته بوضوح وأعطي الأولوية المطلقة لتحديث السياسة الداخلية, وهو بذلك أراد أن يصب مباشرة في صالح الوطن والمواطن.
ولعل الهدف الذي تحقق بسقوط فكرة حكومة الجباية من السياسة الاقتصادية في مصر, مما يحسب للحزب الوطني فهو يعكس روح عملية الإصلاح, ولعلنا نعترف أيضا بأن المناخ والمناقشات والحوارات داخل قاعات المؤتمر العامة واللجان المتخصصة, عكست صلب الشعار, الذي كان الحزب قد وضعه للمؤتمر الثاني, أي الفكر الجديد وأولويات الإصلاح, كما أظهرت أن هناك تغييرا جوهريا في أساليب ورؤي السياسة المصرية, وهو تغيير يؤكد علي أن أي شعارات ترفع يجب أن تكون حقيقية, كما أن السياسات التي تعلن ينبغي أن تأخذ طريقها إلي التنفيذ.
ولذلك رأينا أن المؤتمر الحزبي أخرج من أضابير السياسة الاقتصادية قانون التصحيح الضرائبي, وبحكم متابعتي للقطاع الاقتصادي, فإن هذا القانون كان موجودا منذ أكثر من25 عاما, ولم يجرؤ أحد علي إخراجه من مكانه الأمين, فما بالكم بالشروع في تنفيذه ومناقشته علنا؟.
وبضربة واحدة هبط مجرد الإعلان عن هذا القانون بمعدلات الضرائب من40% إلي25%, ويقول رئيس الوزراء إنها ستهبط أكثر من ذلك, وبقانون جديد نقلت الحكومة نفسها من خانة حكومة الجباية, إلي حكومة الخدمات والعدالة, فالضريبة العادلة تحفز وتحث علي سدادها واحترام الحكومة التي فرضتها, أما الضريبة المجحفة فهي لا تشجع علي التهرب فقط, بل تجعل المتهرب منها ذكيا وبارعا, وتنفيذ قانون الضرائب الجديد يحترم الناس, ويشجع المستثمر, وينقلنا إلي اقتصاد حقيقي ودولة معاصرة محترمة, وكثيرا ما نادينا بالسير في هذا الطريق.
ومازاد من قناعتي بقدرة الحكومة علي تنفيذ هذا القانون, أنها كانت قد نفذت الشق الأكبر بمنه إصدارها التعريفة الجمركية الجديدة, التي جعلت جمارك قراقوش تنتهي وتسقط من مصر, فقد كان من غير الممكن علي الإنسان العادي ـ غير المسنود ـ أن يتعرف علي الضريبة الجمركية بسهولة, ليس لأنها غير واضحة, وبنودها بالعشرات, ولكن لأنها تفرض جمارك متنوعة, وتضع أسعارا متعددة عن نفس السلعة الواحدة, وبأساليب تشجع علي الفساد الجمركي وتحول موظف خدمات إلي مسئول رقابة, عليه متابعة السلعة الواردة من المنافذ حتي المصانع ليعرف هل هي للاتجار أم للتصنيع؟
لكن ما يحدث الآن في مصر هو خطوة هائلة نحو تصحيح أوضاعنا الاقتصادية, بقانوني التعريفة الجمركية, والضرائب الجديد, ليس لأنهما أعطيا الشعب ومؤسساته ما يقرب من7 مليارات جنيه, لإعادة استخدامها داخل الاقتصاد ومعالجة الانكماش والركود الذي تعيشه الأسواق في بلدنا منذ عام1996 فقط, بل لأنهما أخرجانا من هذه الحالة ووضعا الاقتصاد علي الطريق الصحيح, فقد كنا معرضين بالفعل ليس لنقل اقتصادنا إلي غرفة الإنعاش فقط, بل للموت الإكلينيكي أو للعودة إلي اقتصاد الستينيات بكل آثاره السلبية, لكننا أصبحنا الآن أمام أوضاع جديدة وظروف متغيرة.
وإذا وضعت هذه السياسات السابقة موضع التنفيذ, مع تصحيح سعر الصرف, وعمليات الإصلاح المصرفي ودمج البنوك الصغيرة في الكيانات الكبيرة, لإحداث تحول جوهري في النظام المصرفي, يمكننا من معالجة أمراض التعثر, والعودة إلي التأثير بقوة في الأسواق, فإننا سنقول بكل صدق إن هناك متغيرات قوية في الاقتصاد المصري, تدعو إلي التشجيع والاهتمام, وبذلك نكون قادرين ـ حقيقة ـ علي الدخول في الاقتصاديات المعاصرة, والواعدة, وتزيد من إمكاناتنا علي جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية, وتنمية الأسواق وخلق وظائف حقيقية للمواطنين, وإيجاد مناخ صحي متطور, يبعث علي التفاؤل, ويعيد ربط اقتصادنا بسلسلة الإصلاحات التي سبق اتخاذها في بداية التسعينيات, وتوقفت قرب نهايتها وبذلك نتجاوز فترة ركود صعبة نتجت عن سياسات ورؤي خاطئة انتهي زمانها.
ويبدو جليا أن الحزب الوطني وحكومته يملكان رؤي أكبر اتساعا وشمولا للسياسة المصرية الداخلية, خاصة في التعليم والصحة, وإعادة تدوير الدعم السلعي, حتي يصل إلي مستحقيه, مع تشجيع اللامركزية والمحليات في اتخاذ القرارات والتعبير عن السياسات.
وبالعودة إلي بيان رئيس الحكومة وبرنامج رئيس لجنة السياسات بالحزب الوطني, تبرز بوضوح الرؤية الجديدة, بقوة وعمق.
ولا نبالغ إذا قلنا إن الجميع كانوا ينتظرون هذه اللحظة من أجل وطننا, لكي نطمئن علي المستقبل, وأننا سوف نتجاوز اللحظة الراهنة بوضوح رؤية وبكفاءة واقتدار.
وإذا عدنا إلي البداية, فإن حكمة الرئيس مبارك في السياسة الخارجية هي التي حمت مصر من المغامرات, وأعطتها مكانة متميزة محليا وإقليميا وعالميا, وكان امتدادها في تطوير الحياة السياسية, بظهور حزب قوي لديه كوادر جديدة ماهرة, وهو ما يستحق عليه الرئيس التهنئة, كما أن اختياراته للحكومة والإدارة التنفيذية تستحق الإشادة هي الأخري وتكامل هاتين السياستين سيضع مصر في مكانة جديدة ومتميزة.