مقالات الأهرام اليومى

الإصلاح‏..‏ بين السياسات والواقع

مؤتمرات الأحزاب السياسية الكبري‏,‏ آلية حقيقية لإفراز سياسات جديدة‏,‏ وتقديم سياسيين للمسرح السياسي‏,‏ وهي في مصر حدث سياسي كبير‏,‏ لأنها تحرك المناخ السياسي‏,‏ وتعيد ترتيبه في ضوء أجندة متجددة للإصلاح باتجاهاته المختلفة‏.‏
وفي هذا الأسبوع‏(21‏ ـ‏23‏ سبتمبر‏)‏ نشهد مؤتمر الحزب الوطني السنوي الثاني‏,‏ تحت عنوان فكر جديد وأولويات الإصلاح‏,‏ وهو الثالث منذ أن انطلق المؤتمر العام الأول منذ عامين‏,‏ ولن يستطيع أي مراقب أن يتجاهل أن حركة الحزب الوطني أصبحت متسارعة ومتجددة‏.‏

ولن نبالغ إذا قلنا إنه نفض عن نفسه فكرة أنه حزب مترهل لا يسمع عنه أحد شيئا إلا في أوقات الانتخابات‏,‏ حيث يجتمع لاختيار مرشحيه‏,‏ الذين تدعمهم الحكومة‏,‏ فيحصلون علي فرص أكبر في الانتخابات‏,‏ ليتبوأوا مواقع التمثيل المختلفة في مجالس الشعب والشوري والمحليات‏.‏
والآن تغيرت هذه الصورة‏,‏ وأصبح للحزب الحاكم لجان وأمانات تجتمع طوال العام في مواعيد محددة‏,‏ وأدت هذه الاجتماعات إلي تكوين ورش عمل مكثف‏,‏ نتجت عنها سياسات جديدة‏,‏ تختلف عن الأبحاث والأوراق السياسية الأخري‏,‏ فهي أوراق سياسية لا تخلو من المنهجية‏,‏ لأنها أعدت بواسطة أكاديميين متمكنين من تخصصهم‏,‏ ولكنهم في نفس الوقت سياسيون تمرسوا علي أعمالهم من خلال الحوارات المستمرة داخل اللجان‏,‏ التي تحولت إلي بيت خبرة سياسي‏.‏

ولعل قرارات الإصلاح الاقتصادي التي تشهدها بلادنا في الفترة الأخيرة‏,‏ هي نتاج مباشر لهذه التغييرات‏,‏ وبدأت هذه الإصلاحات في سعر صرف الجنيه‏,‏ رغم صعوبتها وحساسيتها وقسوتها‏,‏ فقد اتخذت بجرأة وشجاعة وثبات في مواجهة التحديات‏,‏ حتي أمكن تلافي مخاطرها‏,‏ ومقاومة فرق المستفيدين من التردي من عدم وجود سياسة واقعية وعملية لسعر الصرف‏,‏ تحقق هدفها في دفع عملية الإنتاج وزيادة الصادرات وتهيئة المناخ الاقتصادي للاستثمار وخلق الوظائف الحقيقية‏.‏
واستكملت هذه السياسة في التعديل الأخير للتعريفة الجمركية‏,‏ ويبدو أننا سائرون في تعديل الضرائب‏,‏ لتصبح مصر دولة جاذبة حقيقية للاستثمارات‏,‏ وإذا كانت السياسات الاقتصادية الأكثر وضوحا‏,‏ فإننا لا نستطيع أن نقلل من التغيرات السياسية داخل هذا الحزب الكبير‏,‏ منذ انطلاق مؤتمراته المتتابعة‏,‏ ولعل أبرزها التغيير الهائل في طريقة اختيار النواب الذين يمثلون الحزب في الانتخابات النيابية‏,‏ والذي يتم عبر المجمعات الانتخابية‏,‏ لأن الانتخابات تختار السياسيين الحقيقيين‏,‏ الذين يضعون مسئولياتهم العامة فوق كل مصالحهم الخاصة‏,‏ فالاختيار تسوده المساويء‏,‏ فقد أدي إلي إفساد البرلمان‏,‏ وظهور نوعيات ارتبطت بظواهر مخيفة في الحياة السياسية في شكل نواب القروض والكيف والمخدرات وغيرها من الأشكال المرفوضة‏.‏

وإذا كانت المجمعات الانتخابية‏,‏ لم تستكمل شكلها النهائي بعد‏,‏ فنحن نعتقد أن الطريقة التي يسير بها الحزب الآن من خلال العضوية المنظمة‏,‏ ومتابعة الاجتماعات‏,‏ والتنسيق بين الأعضاء واللجان‏,‏ لدمجها في الحزب الكبير والتعرف علي اتجاهات أعضائه‏,‏ سيكون لها تأثير كبير في الانتخاب داخل هذه المجمعات بحرية أكبر وستؤدي إلي بروز نواب ذوي قدرة علي التمثيل النيابي‏.‏
كما أن الورقة التي تعدها لجنة السياسات عن طبيعة ثقافة النائب وإمكاناته‏,‏ سيكون لها تأثير وفعالية علي دور المؤسسة التشريعية وزيادة القدرات الرقابية والمتابعة للمحليات أيضا‏,‏ وكل ذلك له تأثير سحري علي أداء الحكومة والمحافظات‏,‏ بما يرفع قدرة الاقتصاد والتنمية وكفاءة السياسات‏,‏ وبالتالي قدرة الدولة في كل المجالات‏.‏

ويجب ألا ننسي أن هذا الأسلوب في العمل والمتابعة داخل الحزب الوطني كان وراءه عمل حقيقي تمثل في تشريعات مهمة مثل المساواة بين الرجال والنساء‏,‏ وظهور مجلس حقوق الإنسان كمؤسسة مهمة للنظام الديمقراطي في مصر‏,‏ وقد كنا في حاجة إلي حزب له حكومة‏,‏ وليس حكومة لها حزب‏.‏
وهذا التطور يسير في طريق مستقيم‏,‏ فقد ركز في العام الماضي علي ورقة حقوق المواطنة في النظام الديمقراطي‏,‏ وفي هذا العام يضع الحزب الحاكم كل قوته في ورقة حزبية جديدة‏,‏ تكشف داء الفقر في مصر‏,‏ وتعلن الحرب عليه‏,‏ وطرق مقاومته‏,‏ وتحشد المواطنين علي اختلاف أفكارهم لعلاج هذه الآفة ومخاطرها علي الحياة المصرية‏.‏

إنه فكر جديد يصحح الأخطاء ولا يخجل من الواقع‏,‏ ويدرك أن قوة مصر وإمكاناتها الكامنة قادرة علي التطور والتكيف في عالم صعب ذي متغيرات كبيرة لا يقبل ولا يعترف بالضعفاء والفاشلين‏,‏ ولكنه يقبل التحدي والقادرين علي مواجهته‏.‏
إن الاحتفاء بالحزب الوطني ومؤتمره هذا العام‏,‏ يتزامن مع إدراك الأحزاب المصرية الأخري أنها من الضروري أن تلتقي‏,‏ وتتضامن وحبذا لو اندمجت معا‏,‏ حتي تكون قادرة علي منافسة الحزب الوطني القوي في مصر‏,‏ فالحزب القوي يحتاج إلي منافس قوي‏.‏

ولعلنا نعترف بكل صراحة‏,‏ بأن الحزب الوطني سار في طريقه للتطوير والتحديث برغبة داخلية لضرورة تطوير الحياة السياسية في مصر‏,‏ وليس خوفا من المنافسين‏,‏ فالأحزاب الأخري ضعيفة وغير مؤثرة وذات رؤي تاريخية قديمة‏,‏ ولعله يكون من حسن طالع الحياة السياسية المصرية أن تخرج الأحزاب الصغيرة من شرنقتها الداخلية‏,‏ ورؤاها الضيقة أو التاريخية والقديمة في زمن سقوط كل الأيديولوجيات‏,‏ وتصنع رؤي مستقبلية من خلال تنظيم داخلي متطور يتناسب مع المتغيرات الإقليمية والعالمية‏,‏ لكي تنطلق الحياة السياسية في مصر في مسار جديد ومختلف‏.‏
إن أمام بلدنا تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة‏,‏ ويجب أن نغير كل حياتنا وأشكالها القديمة‏,‏ ونتكيف مع العالم المعاصر بكل تحدياته‏.‏

وهي لن تتغير بالأفكار والرؤي والقوانين الجديدة فقط‏,‏ ولكن بحركة المؤسسات والشركات وبنية المجتمع المدني وكفاءته وقدرته التنظيمية علي أرض الواقع‏,‏ وذلك هو المقياس الحقيقي‏,‏ وسوف تتغير أيضا بحركة الناس ومؤسساتهم‏,‏ وليس برغباتهم وأمنياتهم الكامنة‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى