الصحفيون الفرنسيون.. وحرب الرهائن

أعتقد أن الكثيرين أدركوا الآن خطورة الموقف في العراق, خاصة بعد خطف الصحفيين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شينوا, فهما يعملان في الإعلام وليس في السلاح, وهما من دولة رفضت الحرب, وكان صوتها الأعلي في هذا الاتجاه, وبما يزيد الأمر خطورة وقتامة تلك الدماء الغزيرة التي سالت من العمال النيباليين والصحفي الإيطالي الضحية, وأيضا العمال والسائقين من كل البلاد العربية وتركيا!
حرب الرهائن التي أشعلتها جماعات ادعت المقاومة ونافقها البعض, انكشفت الآن وظهر وجهها القبيح المتولد من مجتمع يعاني ويلات وأخطاء الاحتلال وموروثات الديكتاتورية وتداعياتها الرهيبة.
وإذا كان احتمال الإفراج عن الصحفيين الفرنسيين يتساوي مع القتل, فإنه يجب أن نقف أمام الحادث ونحلله بكل أبعاده, لكي نسبر غور وتأثيرات وموقف هذه الجماعات المنتشرة في كل ربوع أقطارنا, والتي يظهر أثرها وعنفها, عندما يعاني أي مجتمع أو دولة من الأمراض أوتقل مناعتها, فتفرز هذه الجماعات وتظهر علي السطح, ونجدها تسمي الإسلام بمسميات مختلفة, وتدفعنا إلي المصير المجهول!
إن بلادنا جميعا يجب أن تكاشف نفسها بأخطائها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية, علي أن تبدأ المواجهة بالتصحيح والعمل الجدي في كل المجالات لوقف نمو هذه التيارات في المهد, وحتي لا تصل قوتها إلي هذه النقطة التي تجعل من عملية مواجهتها قاسية ومكلفة وعلي كل الذين يعارضون الإصلاحات في التعليم والنظم السياسية وبناء المؤسسات, أن يدرسوا خطايا الإرهابيين ضد مجتمعاتهم, قبل مجتمعات الآخرين لكي يعرفوا أن عمليات الإصلاح أقل تكلفة من أن يقعوا في براثن وتحت وطأة هذه الجماعات المجنونة.
أماالمجتمعات الكبري والقوي الدولية عليها أن تخرج قضية الإرهاب وتداعياتها من مجال المزايدة السياسية وتحقيق المصالح الأمنية والدولية, لأن الأضرار الناتجة عن هذه الكارثة تطال الجميع, ويدفع ثمنها الإنسان في كل مكان في هذا العالم.
كما أن القضايا الدولية المؤثرة والتي تعتبر وقودا تتغذي عليه هذه التيارات المتطرفة والموجودة في كل الأديان, عليها أن تخرج هي الأخري من الدوائر الضيقة التي تجعل التلاعب بها سعيا للإضرار بالنظام العالمي والاستقرار الدولي, وفي مقدمتها بالقطع القضية الفلسطينية والأقليات في كل مكان.
وإذا اعترفنا بأن عصور الاحتلال قد انتهت عالميا, فإن القضية العراقية واستمرارها بهذا الشكل تمثل خطرا علي الاستقرار الدولي, كما أنها تعد وقودا وسببا ملهما لاحتشاد هذه التيارات وتقوية حجتها.
وفي هذا السياق فإن استحواذ الولايات المتحدة علي التحالف أو القوات المتعددة الجنسية بالعراق حقيقة لا يمكن تجاهلها, ولعل قضية الصحفيين الفرنسيين, ومخاطر حرب الرهائن المعلنة ضد الاقتصاد العراقي تلهم فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي حتي تتحرك لمساعدة الحكومة العراقية في البناء الأمني للخروج من الهيمنة الأمريكية وتسلطها علي الموقف العراقي الداخلي, في محاولة جادة لإنهاء الاستقطاب الذي حدث في المجتمع الدولي الذي جعل أمريكا تصبح وحدها صاحبة القرار في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
ولأن الحرب علي الإرهاب ومخاطره مؤثرة وصعبة المراس وتحتاج إلي تضافر قوات عديدة, فإنه يجب أن يتحمل العالم كله مصيرها وتبعاتها,ويتم عقد مؤتمر دولي للإرهاب بقيادة الأمم المتحدة, من أجل تقديم كل الخبرات المتولدة في مجال مجابهة الإرهاب, ودرس أسبابه ومنابعه, ومساعدة الدول الصغيرة أمنيا وماليا لتجفيف منابع الإرهاب, ومحاصرته والتفرقة بينه وبين الدفاع المشروع لمجابهة الاحتلال والظلم الذي يقع علي الشعوب, وإعطاء تعريف دقيق وشاف للإرهاب, وهذا المؤتمر سوف يساعد كثيرا علي تخلص العالم من تلك الأزمة والوباء الخطير, الذي أعتبره الآن بمثابة أخطر فيروس, يهدد الحياة البشرية.
ولعل قضية الصحفيين الفرنسيين تسلط الضوء بشكل مباشر, لا يقبل اللبس, علي هذا المعني, فالصحفيان من بلد يكتسب كل يوم احترام العالم العربي والإسلامي لموقفه من قضية الشعب الفلسطيني, ومن رفضه لاحتلال العراق, والصحفيان معبران عن هذه السياسة, فهما معروفان لكل المهتمين بالقضية الفلسطينية, فالزميل مالبرونو يغطي أخبار الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية ويكشف الممارسات الإسرائيلية, وشينوا صحفي محترف له كتاب حول مآسي الفلسطينيين تحت الاحتلال, وذهبا للعراق, لكشف مخاطر الاحتلال والآلة العسكرية التي تتجول في شوارع العراق, وتجلب الدمار لا الديمقراطية, فإذا بهما يقعان في أسر قوة لا تعرف مصلحتها وتقايض عليهما بابتزاز في قضية خاسرة وهي الحجاب في فرنسا.
وتلك القوة الغاشمة تعرف أن الحجاب غير ممنوع في فرنسا, وأن هناك6 ملايين مسلم فرنسي, وهم المسئولون عن قضاياهم الداخلية خاصة أن القضية المطروحة محدودة الأثر ومقصورة علي ما يعرف بحجاب الأطفال في المدارس الأولية, وهي قضية خاصة بالمسلمين الفرنسيين والتي يجب أن نعتبرها قضية داخلية, ويعتقد كل من يفهم أنه لا يجب أن يتدخل فيها, بخاصة العراقيين, فقضاياهم ومشاكلهم ليست قليلة, وهم أولي بحلها وبحثها وتركيز اهتمامهم ومقاومتهم علي بناء بلدهم وتخليصه من الاحتلال عبر الاستقرار والبناء والتعاون بين أحزابهم ومنظماتهم وكل قواهم السياسية.
أتمني أن تنتهي قضية الصحفيين الفرنسيين قبل نشر هذا المقال, لأن إدراكنا لمخاطرها كبير, وإذا كان الكثيرون يعتقدون أنها تشوه الإسلام والمسلمين وتعطي لأعدائهم في الشارع الأوروبي سببا لتغذية هذا العداء, فإنني أعتقد أنها سوف تكشف الوجه القبيح للإرهاب, وتدفعنا للتكاتف لاستئصاله ومحاصرته بتعاون دولي خلاق لبناء نظم دولية صحيحة وعلاقات متوازنة, تخلق العدل وتنشر السلام في كل مكان.