عيوننـا علي ما يحـدث في مصــر

يجب أن تكونوا قد لاحظتم جميعا أن السوق المصرية تتحرك نحو انتعاش في مجال الاستثمارات وجذب المستثمرين الجدد, ولن أعدد هنا تصريحات متفائلة, أطلقها بعض الوزراء, لعل أهمها جذب5 مليارات دولار للاستثمار من الاتحاد الأوروبي سنويا, كما صرح رئيس الوزراء, وتصريح آخر لوزير الاقتصاد والصناعة بزيادة الصادرات لأوروبا إلي24 مليار دولار.
ومع تحفظي علي إطلاق مثل هذه التصريحات الوردية, إلا أنني مقتنع بأن قدرات مصر الكامنة مهيأة لتحقيق هذه الأرقام والمعدلات, فقد رصدت خلال شهر, هو عمر الحكومة الجديدة, أن هناك تحركا إيجابيا ملموسا في سوق الاستثمارات وهي العمود الفقري لحكومة أحمد نظيف.
وبعيدا عن الأرقام, فإن هناك تغييرا في مناخ الاستثمار تمثل في قيام شركتين كبيرتين إحداهما عامة والأخري خاصة, ففي وقت متزامن تم طرح سندات للاكتتاب العام, فالمصرية للاتصالات وهي شركة عامة طرحت سندات بفائدة جاذبة للمستثمرين, وبضمان4 بنوك كبري بما قيمته ملياري جنيه, وأما الشركة الخاصة فهي أوراسكوم, فقد اكتتبت في سندات قيمتها700 مليون جنيه و150 مليون دولار ومعها أيضا4 بنوك مصرية, وهي أرقام كبيرة في فترة وجيزة, سوف تضخ في شرايين الاقتصاد المصري.
وكل من تابع هذه الحركة في السوق المصرية داخليا وخارجيا, اعتبرها علامة صحية وتطورا اقتصاديا يعني عودة الثقة للقطاع الخاص في مصر, وعودة الروح للبنوك المصرية بعد فترة ركود وتعثر مرت بها السوق, فالبنوك تتحرك, والقطاع الخاص يخرج من حالة صيام طويلة, وينهض القطاع الحكومي.
لكن يجب أن تكون عيوننا مفتوحة علي حركة وزارة الاستثمار الجديدة, ووزيرها د. محمود محيي الدين, فالطريقة والأسلوب والآليات والقوة الموجودة داخل هذه الوزارة, تشير إلي إستراتيجية مغايرة, فقد وضعت مراكز الثقل القادرة علي تحريك السوق الاقتصادية في وزارة واحدة, من قطاع الأعمال العام إلي هيئة الاستثمار, فقطاع التأمين وهيئات التمويل العقاري وسوق المال, وهي جميعا مفاتيح الأسواق, وقاطرات الحركة الاقتصادية, إذا أحسن استخدامها تحركت الأسواق وانتعشت البلاد وتوافرت فرص العمل, ويبدو أن الرجل يتحرك بأسلوب جديد, وسوف تكون لحركته نتائج ملموسة قريبا.
فقد حل مشكلتين, إحداهما علي نيل القاهرة والأخري في مدينة نصر, في مشروعات سياحية وتسويقية, كانت تأخرت لنقص في الخدمات, فهناك مشروع أنفق عليه750 مليون دولار لمستثمرين عرب, ثم تعثر لسنوات, فكان أن ذهب وزراء الاستثمار والسياحة ومحافظ القاهرة وعقدوا كونسلتو عاجلا لإنقاذ هذا المشروع, مما جعل المستثمرين يقولون نحن نريد أن تكون مصر أم الدنيا كعهدنا بها دائما, ولا نطلب شيئا إلا توفير الخدمات, وكان لهذا السلوك من الوزراء, فعل السحر لدي سوق الاستثمارات في المنطقة, لأنهم وجدوا فيه ترجمة صريحة لكلمة رئيس الحكومة في أول جلسة لحكومته عندما قال إن من يعطل الاستثمار فهو خائن.
وإذا كان لنا أن نرصد تطورات مهمة أخري في سوق الاستثمارات, فإن قطاع السياحة أيضا يشهد عملا دؤوبا, خاصة بالتنسيق بين المحافظات السياحية وزيادة الحركة في قطاع النقل والطيران, وتطوير المطارات والموانيء, ولكن العمل الأكثر أهمية وحضارية فهو يتم في أهم مدينة مصرية هي الأقصر, وقد انتظرنا طويلا إحداث نقلة نوعية في أسلوب عمل هذه المدينة التي لا نظير لها في أي بلد آخر, بما تحتويه من تراث حضاري, ويبدو أن الأقصر وجدت أخيرا ملاذها الآمن, وقد كنت أستغرب اختيار د. سمير فرج, لرئاسة هذه المدينة, خاصة بعد نجاحه في الأوبرا, ولكن أوضاع الأقصر منذ تولي منصبه فيها, أكدت لي أن وراء ما يحدث في مصر عقولا تعرف أهدافها.
فمعبد الكرنك سوف يتخلص أخيرا من عشوائياته, وسوف يستطيع السائحون أن يبصروا المعابد التاريخية في شكلها الحضاري, حيث بدأ جهاز التنسيق الحضاري عمله في أهم مدينة عالمية, تجمع بين التاريخ والمعاصرة, فالأقصر تعطي نموذجا لتعاون الوزارات والأجهزة برؤية مستنيرة لخلق ليال سياحية عنوانها أوبرا عايدة في موعد سنوي ثابت.
وإذا كان لي أن أطلب من جهاز التنسيق الحضاري ورئيسه زميلي سمير غريب طلبا, بعد أن أشد علي يديه, فإنني أطالبه بأن يهتم بطريق مصر ـ الإسكندرية الصحراوي مثل اهتمامه بمدينة الأقصر, حتي نحافظ علي رونقه الحضاري, لكي يكون دلتا حضارية جديدة لمصر, وأقول له أمامك فرصة هي أن تتقدم وتشارك في التغيير الذي يحدث في هذه المنطقة, خاصة أن سياسة الحكومة سوف تحول الساحل الشمالي الغربي إلي منطقة جذب وعمل واستثمار طوال العام, لكي تكون منطقة استيعابية جديدة تخفف من تكدس الدلتا, وتقدم لمصر مدنا وقري حديثة تصبح شاهدة علي العصر الجديد في بلادنا.
وأنا هناك لا أرصد حجم المتغيرات أو السياسات الجديدة فقط, ولكنني حرصت علي التنبيه إلي أن الاقتصاد لا تصنعه الحكومات, فدور الوزراء هي السياسات, أما الذي يصنع الأسواق فهم الناس, وجدية الحكومة هي مفتاح العمل, ونحن نري حكومة جادة وقد أظهرنا خطواتها الأولي.
ولكن هناك عوامل أخري ينتظر إبرازها, خاصة بالقوانين والمناخ الجاذب, فقانون حوافز الاستثمار والمناطق الصناعية الخاصة, والحد من الاحتكار وحماية المنافسة, هي خطوات أخري مطلوبة لتهيئة المناخ الاقتصادي, ومع هذه المقدمات الصحيحة, فإن لنا مطلبا من كل المتشائمين هو أن ينتظروا وألا يصدروا أحكاما مجانية.
فالمتاعب ليست بسيطة, وعلينا أن نكون جميعا أدوات مساعدة للعمل, ونحافظ علي التجاوب وروح المشاركة والثقة التي راحت تدب في السوق الاقتصادية, وأعتقد أن هناك إيجابيات سوف تعود بنا إلي النمو الذي اكتسبناه في التسعينيات, تجعل للاقتصاد المصري مكانة متميزة خلال فترة وجيزة.