مقالات الأهرام اليومى

السلام المفقود‏..‏ ومعاناة الفلسطينيين

تتضاعف معاناة الفلسطينيين مع الاحتلال‏,‏ وفي وجود الجدار العازل‏,‏ كما تتفاقم مع الفوضي الداخلية‏,‏ وصراعات الفصائل غير المتفقة علي برنامج موحد للتحرير والاستقرار‏,‏ والأخطر الآن أن الفصيل الرئيسي‏,‏ كسلطة وأغلبية فتح‏,‏ صار هو الآخر أجنحة ممزقة ومتصارعة‏.‏
وسط كل ذلك هناك شعور حاد لدي الفلسطينيين باغتراب قضيتهم وتهميشها وضعفها في مناخ إقليمي يموج بالحروب وتتداخل فيه الصراعات‏,‏ من أفغانستان إلي العراق‏,‏ وصولا إلي دارفور في السودان‏.‏

كما تطبق علي المنطقة حروب الإرهاب المتداخلة وشديدة الوطء‏,‏ بعد أن صارت داخل البلد الواحد‏,‏ مما يهدد تماسكه ووحدته‏,‏ وهي حروب تأخذ أشكالا ونماذج‏,‏ من ثقافي وتمرد علني‏,‏ إلي تشجيع علي الفوضي لتضغط علي صدر المنطقة ككابوس مخيف‏,‏ قد يصعب تجاوزه وإحباط مخططاته الخطيرة‏,‏ نتيجة استمرار هذا الفصيل المتخلف‏,‏ الذي لا يقدم حلا‏,‏ إنما يدفعنا إلي الهاوية‏.‏
واستمرارنا علي هذه الحالة‏,‏ دون مواجهة حاسمة وصريحة معه‏,‏ تعني تهديدا شاملا لبقائنا‏,‏ فقدرتنا علي تجاوز هذه الكوارث تبدو معدومة في وجود هذا التيار‏,‏ فهو يعتبر طابورا خامسا خطيرا‏,‏ لأنه بأفكاره يقف ضد الإصلاحات الداخلية‏,‏ والحلول الإقليمية‏.‏

ومع هذا المناخ الإقليمي تتقدم الأزمة الفلسطينية علي كل القضايا الأخري‏,‏ باعتبارها النواة الصلبة لكل أزمات المنطقة‏,‏ فبحلها ستوجد حلول لبقية القضايا الأخري‏,‏ والحلول لن تأتي وحدها‏,‏ وإنما تحتاج إلي قيادات بدلا من القيادات المتصارعة‏,‏ المستفيدة من الصراع والفوضي‏.‏
ولذلك‏,‏ فكل فكر تناول كيفية الخروج من هذه المعادلة المؤلمة في الشرق الأوسط لابد أن يأخذ قضية الاحتلال بعين الاهتمام‏,‏ وقد ظهر أخيرا كتاب مهم للدبلوماسي الأمريكي دينيس روس‏,‏ حمل عنوان السلام المفقود‏,‏ يحكي رواية أمريكية للصراع من أجل السلام في الشرق الأوسط‏,‏ ولأهمية هذه القضية‏,‏ فإن الكتاب قد تفوق علي أكثر الكتب مبيعا الآن في أمريكا‏,‏ كتاب بيل كلينتون حياتي‏.‏

وروس يملك كثيرا من الحقائق والوثائق‏,‏ كونه حضر كل المباحثات بحكم منصبه‏,‏ فهو المبعوث الرسمي الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط لمدة‏12‏ عاما‏,‏ من عام‏1988,‏ حتي‏2000,‏ وكانت لديه تفويضات تعد في الواقع استثنائية وتعامل مع جميع زعماء المنطقة‏,‏ فأصبح يعرف أكثر من سواه عن تلك المحاولات المتعددة‏,‏ لحل واحدة من أكبر الأزمات السياسية في عصرنا الحالي‏,‏ ربما أكثر من أي أمريكي آخر‏.‏
ففي كتابه السلام المفقود يخبرنا روس باستفاضة عن جميع التفاصيل والآمال الموءودة والأحلام التي تحولت إلي كوابيس مزمنة‏,‏ وعن مقابلات عاصفة مع رؤساء دول المنطقة‏,‏ ولحظات اليأس والحزن في الساعات الأخيرة للرئيس السابق كلينتون في البيت الأبيض‏,‏ عندما لاح في الأفق احتمال وجود تسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين‏,‏ ثم فجأة تحول كل شيء إلي أشلاء‏.‏

وروس باعتباره خبيرا شرح لحظات تاريخية كان يمكن الوصول فيها إلي السلام المفقود‏,‏ فبعد أن غادر منصبه بات مقتنعا بأنه كان في الإمكان تقريب وجهات النظر وحل الأمور برمتها لو منحت الجهد الكافي‏,‏ ولو اختير الوقت المناسب للحوار‏.‏
وعندما تقرأ روس‏,‏ قد تكتشف الخرافات التي منعت جميع الأطراف من رؤية الحقيقة‏,‏ والتكيف معها‏,‏ ولكنك قد تتساءل‏:‏ وماذا بعد؟ هل يمكن أن نعيد الكرة إلي الملعب السابق؟ ونغتنم الفرصة التي ضاعت‏,‏ لأن القضية خطيرة‏,‏ وتستحق المحاولة مرة ومرات أخري حتي نخلق مستقبلا مختلفا؟‏!‏

ولعلنا نتفق مع روس‏,‏ في أن السلام المفقود لن يحل إلا إذا وصلت الفصائل المعارضة في النزاع العربي ـ الإسرائيلي إلي حوار مفتوح لمدة طويلة‏,‏ وتحت شروط صحيحة‏,‏ وهذا ما تفعله القاهرة الآن بعقل مفتوح‏,‏ وصبر طويل‏,‏ وحكمة عالية‏.‏
لكن علي الطرف الأمريكي أن يلجم التطرف والرغبة الإسرائيلية المجنونة في التحكم في الشعب الفلسطيني‏,‏ وفرض الشروط المجحفة وإجباره علي الاستسلام‏,‏ بدون احترام حقوقه المشروعة‏,‏ فنحن أمام عملية سلام‏,‏ وليست حربا‏,‏ ومع تعايش إقليمي يجب أن يشعر فيه كل طرف‏,‏ بأنه حقق أحلامه وطموحاته حتي يمكن للسلام أن يعيش وتستقر أمور المنطقة‏,‏ فمعادلة السلام غير معادلة الحرب‏.‏

إن التفاصيل المثيرة التي يطرحها الخبير الأمريكي تعرض أوراقا مهمة وتفاصيل دقيقة للصراع‏,‏ وكيف ضرب الجميع بعرض الحائط اتفاقيات مهمة كانت ستصل بنا إلي السلام‏.‏
وتكمن أهمية الكتاب في اعترافه بأنه إذا كتب لهذه المنطقة الاستقرار‏,‏ بسلام نهائي بين إسرائيل وفلسطين‏,‏ فسوف يكون شبيها بالعروض الأخيرة التي كانت في عهد كلينتون‏,‏ مثل حصول الفلسطينيين علي معظم‏,‏ وليس كل الضفة الغربية‏,‏ علي تبادل الأراضي في مكان آخر عوضا عن تلك التي تركوها‏,‏ كما يجب أن يكون للفلسطينيين حق في العودة إلي الأراضي المحتلة‏,‏ مع عودة القدس للفلسطينيين‏,‏ ومراعاة اتفاقيات الحكم علي المدن المقدسة‏,‏ التي يري كل جانب أحقيته فيها‏.‏

غير أننا نختلف مع روس في أنه وضع اللوم في نهاية كتابه علي عرفات وحده‏,‏ وحمله مسئولية فشل أطروحات السلام‏,‏ حيث يراه غير قادر‏,‏ أو مستعد‏,‏ لمواجهة حقائق التاريخ‏,‏ وبأنه نظر إلي باراك وكلينتون علي أنهما زعيمان راحلان‏.‏
أما باراك فكان ضعيفا وغير مجازف‏,‏ أو قادر علي الدفاع عن مشروع التسوية‏,‏ الذي كان يراه ابنا طبيعيا لرابين‏,‏ وكان مستعدا أن يترك مقعد رئيس الوزراء علي أن يتبني مشروع رابين‏,‏ لكنه كان مرتعدا وخائفا مثل عرفات تماما من المتطرفين الإسرائيليين الذين يتحكمون في قرارات إسرائيل الإستراتيجية‏.‏

لكن المنطقة لن تستقر إلا إذا ظهرت قيادات قوية‏,‏ قادرة علي تحقيق السلام والإصلاحات‏,‏ لا ترهن قرارها في أيدي المتطرفين علي الجانبين‏,‏ وأيضا حكومة أمريكية‏,‏ تصمم دبلوماسية قادرة علي مواكبة تداعيات ومسئوليات العصر‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى