مقالات الأهرام اليومى

المكانة المصرية‏..‏ وعالم المتناقضات والإثارة

يقوم المجتمع المصري بعمليات إصلاح‏,‏ ورغم صعوبتها‏,‏ فإنه يقدم نموذجا عقلانيا‏,‏ وعمليا للتغيير السياسي‏,‏ والاقتصادي‏,‏ كما أن دوره في الأزمات الإقليمية من القضايا المطروحة‏,‏ فلسطينيا وعراقيا‏,‏ وسودانيا‏,‏ وصل إلي قمة النضج‏,‏و ذلك لحماية مصالح كل الأطراف بشهادات أصحاب تلك القضايا أنفسهم‏,‏ علي اختلاف أجنحتهم‏.‏ مع ذلك فإن الكثيرين يغمضون الأعين عن كل هذا‏,‏ ويثيرون غبارا كثيفا من المعلومات المضللة‏,‏ مستغلين أجواء الإصلاح‏,‏ ليحبطوا الشارع ويزرعوا الشك‏,‏ وهم بهذا المسلك يعملون ضد الإصلاح نفسه‏,‏ ويصنعون مناخا خصبا للفوضي والخوف من المستقبل‏,‏ بل إنهم كثيرا ما يهيئون الرأي العام لكي يشك في كل شيء لإضعاف الحكومة وشل أيديها حتي لا تتحرك‏,‏ ويفتحوا الباب واسعا أمام قوي معينة في منطقتنا وفي الخارج لكي تستهين بالدور والمكانة المصريين‏.‏
والتصحيح في هذه الحالة‏,‏ يجب أن يكون بضخ مزيد من المعلومات الدقيقة من خلال الشفافية الكاملة‏,‏ والحوار الواسع مع الجميع بلا خوف أو تردد لشرح مكانة مصر ودورها وفاعليتها‏.‏

ولنبدأ بالأوضاع الداخلية‏,‏ فللمرة الأولي تدخل عناصر جديدة وقيادات مؤهلة في الحكومة وجميعهم شخصيات ناجحة‏,‏ ومؤسساتهم لها أدوار داخلية وخارجية كبيرة‏,‏ وتحديدا رئيس الحكومة‏,‏ فهو مشهود له ومختبر‏,‏ كما أن وزراء التجارة والصناعة والاستثمار‏,‏ والسياحة نجحوا أولا بالمقاييس العالمية في شركاتهم‏,‏ وإسناد العمل العام أو الوزارة إليهم سوف يضيف إليهم بالقطع تشريفا بالمسئولية العامة‏,‏ وقد تسلب منهم مكاسب شخصية‏.‏
وبدلا من أن نشجعهم‏,‏ نجد هناك من يذهب فيحيط كل ذلك بالشبهات والمعلومات المضللة‏,‏ والإشارات الغريبة‏,‏ ولا ننسي أن نحيطها بالتدخلات الخارجية وغيرها‏,‏ لكي نضعهم في زاوية للدفاع عن أنفسهم‏,‏ بدلا من مشاركتهم في التحديث المرتقب ومساعدتهم في عملهم الجديد‏,‏ لأنه سيعود علي الجميع وعلي المجتمع بالتطور والنمو‏.‏

وقد غاب عن بعضنا أن معظم أعضاء الحكومة هم وزراء فنيون ومتخصصون تقنيا‏,‏ بالإضافة إلي أنهم مؤهلون سياسيا إلي أقصي درجة‏,‏ لتمرسهم داخل ورش ولجان الحزب الوطني لسنوات‏,‏ صحيح أنها ليست طويلة‏,‏ ولكنها كانت كافية لتجعل هؤلاء التكنوقراط المتفوقين‏,‏ سياسيين بارزين‏,‏ يعرفون الخطوط العريضة للسياسة‏,‏ ولا تنقصهم التفاصيل الدقيقة في أساليب العمل‏.‏
وبدلا من أن نقول كل ذلك ونكشفه‏,‏ ونرصد أن وراء ظهور ذلك نجاحات سياسية وحزبية وعملا شاقا للتيار السياسي الفاعل داخل حزب الأغلبية‏,‏ وأن هذا تحول سياسي إيجابي يصب في شريان الإصلاح السياسي‏,‏ فإذا به يتحول لدي البعض إلي نقيصة‏.‏

ونصحيتنا للمعارضين والأحزاب السياسية أن تعمل مثل الناجحين‏,‏ وتقدم نماذج فنية وسياسية متمرسة‏,‏ داخل لجان كل الأحزاب المصرية‏,‏ حتي تتطور حياتنا السياسية والحزبية‏,‏ ونفهم معني التغيير لنجعل التطور حقيقة ممكنة علي أرض الواقع‏,‏ وهذه رؤية يجب ألا تغيب عن بالنا‏.‏
وأطالب بالتريث في طرح المعلومات الخاطئة أو التشكيك‏,‏ لأن ذلك أصبح ضرورة لحياتنا السياسية والاقتصاية‏,‏ فنحن باحثون عن الرأسمال المحلي والعربي والأجنبي‏,‏ وهذه الأموال لن تذهب إلي مجتمعات مهتزة‏,‏ أو مهددة بأن تصبح فريسة للقيل أو القال في مناخ مسمم بالشائعات‏.‏

كما أقول للحكومة أيضا إنك قد تملكين القدرة علي التصحيح‏,‏ ولكنك قد تنسين هذا المناخ غير المواتي‏,‏ فيكون هو السبب وراء إفشال خططك ودورك المستقبلي‏.‏
ولكنني قطعا‏,‏ أفهم أن الفكر السياسي لدي التكنوقراطي المسيس‏,‏ سيدفعه إلي أن يفهم مغزي هذا المناخ‏,‏ فيقوم بتصحيحه‏,‏ لأنه لا يعمل في فراغ‏,‏ ولكنه يعمل مع الناس وللناس‏.‏

أما علي الصعيد السياسي‏,‏ فإن الدور المصري في القضية الفلسطينية عبر السنوات الماضية ووصوله إلي حالة من التفوق‏,‏ هو في حاجة إلي المتخصصين لشرح وطرح المعلومات في كل وسائل الإعلام‏,‏ داخليا وخارجيا‏,‏ لتبديد الغموض وتغيير وإنارة المناخ الإقليمي‏,‏ حتي نفرق بين الذين يعملون ويخططون بشرف وقدرة‏,‏ وبين الذين يحبطون هذا الدور بالمعلومات‏,‏ الخاطئة والمضللة‏.‏
ولا نعني هنا أن نفند هذه المعلومات بتصريحات مقتضبة‏,‏ فقط‏,‏ ولكن نعني أن يكون هناك اشتباك حقيقي مع وسائل الإعلام المنتشرة‏,‏ محليا‏,‏ وإقليميا وعالميا‏,‏ ومع الرأي العام بمختلف طوائفه‏,‏ لأن الموقف المصري يأتي في هذه القضية نقطة بيضاء‏,‏ وسلوكا فريدا من الفهم الموضوعي‏,‏ فهو يملك خططا كاملة لتحقيق المصالح الفلسطينية في عالم من المتغيرات الإقليمية المختلفة‏,‏ التي قد تقف ضد مصالحنا‏,‏ وبالتالي يجب أن تكون لنا كتيبة مؤهلة قادرة علي الحوار‏,‏ مع صعوبته ومناطقه الشائكة‏,‏ لأن الفراغ الراهن قد يملأ بكل ما هو ضد مصر ومكانتها‏.‏

وإذا لم نضخ معلومات صحيحة ونشتبك بالحقائق التي نملكها وبالشخصيات المسلحة بالرؤي المتجددة والقدرة‏,‏ فيجب ألا نندم‏,‏ عندما يضع الآخرون العصا في عجلاتنا بالمعلومات الخاطئة والمضللة‏.‏
ويجب أن نؤكد أن صحة المسارات السياسية المصرية‏,‏ في التعامل مع القضية الفلسطينية‏,‏ كانت هي نفس السياسة العاقلة التي أدارت الأمر بحكمة في قضية العراق‏,‏ رغم حساسيتها‏,‏ فإنها شرحت للمجتمع الدولي مخاطر الحرب وتداعياتها مما جعل القاهرة الآن هي موطن الثقة لدي كل الأطراف العراقية‏,‏ سواء كانت في السلطة أم في خارجها‏,‏ والكل يأتي الآن إليها لكي يستمع إلي حكمتها ورؤيتها المستنيرة‏,‏ وهو نفس الموقف علي صعيد القضية السودانية‏,‏ فمصر في الماضي كانت تلعب مع الأجنحة المختلفة‏,‏ أما اليوم فسياستها واحدة مع الجميع لأنها لا تلعب علي التناقضات أو الأجنحة‏,‏ وبالرغم من ذلك نجد من يلعبون ضد هذا الدور وتلك الحكمة‏,‏ وقد تكون أصواتهم أعلي ويكسبون المضللين‏,‏ أو من في قلوبهم مرض‏.‏

وحتي تسود الحقيقة يجب أن يكون لأصحابها جلد لكي يوصلوها للجميع‏,‏ علي أن تجد القادرين علي لعب الدور وتوصيله‏,‏ حتي لو كان المناخ مهيأ للمضللين‏,‏ الذين يلعبون علي الإثارة وتهييج الناس‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى