مقالات الأهرام اليومى

ما بعد الناتو‏..‏ تطورات ومتغيرات

الناتو علي الخط في الشرق الأوسط‏,‏ حقيقة جديدة أفرزها مؤتمر أسطنبول التاريخي‏,‏ الذي عقدته دول حلف شمال الأطلنطي‏,‏ في إطار سلسلة من المؤتمرات المتتالية‏,‏ عقدها الرئيس الأمريكي بوش‏,‏ لصياغة دور جديد للتحالف الغربي‏,‏ ومحاصرة الخلاف الأوروبي ـ الأمريكي‏.‏
ذلك الخلاف الذي ظهر عندما أقدمت أمريكا علي الحرب علي العراق‏,‏ دون موافقة الأمم المتحدة وحلفائها الأوروبيين‏,‏ وهي حربها الثانية في منطقتنا بعد مطاردة القاعدة في أفغانستان‏,‏ وتحريرها من حكم جماعة طالبان‏,‏ حليف القاعدة الاستراتيجي وبناء نظام جديد هناك‏.‏

وهي عمليات عسكرية بدأت كرد لتصفية التيار المتطرف‏,‏ الذي أطلق عليه القاعدة بعد أن تشكل من جماعتي أسامة بن لادن‏,‏ وأيمن الظواهري‏,‏ وهما جماعتان تزعمتا تيارا سياسيا وعسكريا‏,‏ اتهم رسميا بالمسئولية عن أحداث‏11‏ سبتمبر‏2001,‏ في نيويورك وواشنطن‏,‏ فحانت الحرب مع تلك التنظيمات‏,‏ التي تدعي بأنها تدافع عن الإسلام وتمثيل الأمة في مواجهة حلف الاستكبار الأمريكي‏.‏
وكانت تلك المواجهة بداية للحروب الكبيرة الدائرة الآن في منطقة الشرق الأوسط‏,‏ والتي صارت تعرف بحرب الإرهاب‏,‏ وهي ليست مقصورة علي حروب تديرها وتقودها أمريكا في منطقتنا وحدها‏,‏ فالجماعات المتطرفة هي الأخري‏,‏ بمختلف أنواعها‏,‏ وجدت المناخ المناسب في حرب العراق‏,‏ لكي تشعل المنطقة‏,‏ فكانت هذه الحرب هي الثغرة التي نفذت منها تلك التنظيمات‏,‏ بعد احتلال العراق‏,‏ أمريكيا‏,‏ فأشارت لأتباعها بسرعة الحركة‏,‏ والتوطن في العراق لجعله المسرح للحرب المشتعلة ضد أمريكا عالميا‏.‏

لكن العراق ليس بلدا سهلا‏,‏ واختياره ليكون أرضا للمعركة مع التيار المتطرف يشكل مخاطر عديدة‏,‏ لا يمكن الاستهانة بها عالميا وإقليميا‏,‏ بما يعني أننا جميعا نسير وكأننا مغيبون في إطار السياسة التي رسمها المتطرفون في كل مكان‏.‏
بدءا من المتطرفين في اليمين الأمريكي والعالمي‏,‏ الذين تصوروا أن تلك التنظيمات تملك جيوشا وقدرات عسكرية ومنتشرة في كل مكان‏,‏ وبالتالي يجب جمعها في مكان محدد وحربها حربا مرئية علي الأرض‏,‏ وليس حربا لا يري فيها العدو وصولا إلي اليمين الديني المتطرف في منطقتنا‏,‏ والذي يركز أيضا علي استمرار خلق الذرائع‏,‏ وتهيئة المناخ لاستمرار واشتعال الحروب‏,‏ وهذا التطرف كان ومازال يستغل أخطاء الأمريكيين‏,‏ والعنف الإسرائيلي مع الفلسطينيين لتغذية الحرب‏,‏ والآن وجد الفرصة سانحة في احتلال العراق‏,‏ بقوات أمريكية وغربية وأجنبية من دول كثيرة‏,‏ بينما شعبه يعاني ويلات ومهانة هذا الاحتلال وصعوباته‏,‏ وكلها تشكل ظروفا مثالية ووقودا يشعل الحروب ويجعلها لا تتوقف‏,‏ بما يحقق أهداف هؤلاء المتطرفين في كل مكان‏,‏ ويقضي علي آمال وأهداف المنطقة في الاستقرار والتنمية‏.‏

وإذا كان المعتدلون يريدون أن ينهوا الصراع العربي ـ الإسرائيلي‏,‏ سلميا بقيام دولتين‏,‏ فإن المتطرفين هنا وهناك يقفون ضد هذه السياسة ويشجعون بقاء هذا الجدار الذي يستندون إليه في توسيع الفجوة لإشعال الحروب‏,‏ فكيف سيكون وضع المناخ العربي‏,‏ وقد فتحت ساحة جديدة للتطرف‏,‏ بكل أشكاله‏,‏ في قلب المنطقة العربية‏,‏ وفي مركز النفط والطاقة‏,‏ وفي عاصمة الخلافة الإسلامية القديمة‏,‏ العراق؟‏!‏
إنها بداية الخوف الأكبر الذي سيجعل الشرق الأوسط منطقة لهيب‏,‏ وليس منطقة تنمية السبب الذي كان وراء الحرب الأمريكية ضد العراق وليس البترول أو غيره‏,‏ لأن الجوانب الاقتصادية يمكن معالجتها في إطار المعادلات الجديدة‏,‏ عكس من يضعون الأهداف السياسية والدينية‏,‏ مكان الأهداف الموضوعية والاقتصادية‏,‏ مضحين بطرق ووسائل التعاون بين كل الأطراف‏,‏ وتحقيق مصالح الجميع في عالم واحد‏,‏ وذلك هو الخطر القادم من صناع الأساطير والخرافات والمتطرفين الذين يندفعون نحو الحروب والمجهول‏.‏

وأعتقد أن مجموعة الدول العربية‏,‏ والدول المجاورة للعراق‏,‏ وقد قررت عقد مؤتمر في القاهرة‏,‏ عليها أن تقيم وتضع هذه المخاطر في مكانها الصحيح‏,‏ لكي تقف ضد هذه المخططات‏,‏ لأنه يجب محاصرة الحروب‏,‏ وذلك يعني محاصرة التطرف أيضا‏,‏ فتتقدم الإصلاحات علي ماعداها‏.‏
أما علي صعيد القيادة الأمريكية‏,‏ وقدرتها علي محاصرة الخلافات الأوروبية‏,‏ فإن اجتماعات نورماندي وجورجيا ودبلن‏,‏ ثم اسطنبول‏,‏ كشفت عن قدرة أمريكا علي التحكم في القرار الغربي‏,‏ فقد فرضت أجندتها علي الناتو‏,‏ وكان أول مطلب أمريكي هو ضرورة أن يتكيف هذا الحلف العسكري ليتحول إلي حلف سياسي ـ عسكري ـ اقتصادي‏,‏ قادر علي القتال في أجواء حرب الإرهاب‏,‏ وأعطت أمريكا الحلف برنامجا للتغيير‏,‏ لأنه بوضعه الراهن غير قادر علي الحرب في أجواء العراق‏,‏ ولذلك قبل بدور لتدريب قوات الأمن العراقية‏,‏ وتدعيم مؤسساتها الناشئة‏.‏

وكشفت أمريكا للأوروبيين عجزهم عن القتال والحرب في الأجواء الجديدة‏,‏ وطالبتهم بالتدريب‏,‏ فالناتو بوضعه الحالي لا يملك قوات كثيرة للانتشار‏,‏ أو مشاركة الأمريكيين في أي حرب جديدة إلا بنسبة‏8%‏ من قواته‏,‏ والخطة المقدمة للتطوير تسمح بزيادتها لتصل إلي‏40%‏ خلال السنوات المقبلة‏,‏ وتعديل ميزانيات الدفاع الأوروبي وفقا لهذه الخطة‏.‏
وبذلك نري أن الحلف الغربي راح يتكيف ويتغير ويصبح تحت القيادة الأمريكية‏,‏ فالذراع العسكرية‏,‏ ونقصد الناتو‏,‏ كانت مهيئة في السابق لقتال ضد الدبابات السوفيتية‏,‏ حتي يمكن أن تقوم أمريكا بالعمليات الكبري‏,‏ ومنذ نهاية الحرب الباردة‏,‏ هناك الكثير من المخططات‏,‏ ولكن لم يستطع أحد أن يضعها في حيز التنفيذ إلا بعد حرب العراق‏,‏ وتداعيات معركة الإرهاب‏.‏

وما يحدث عالميا الآن مخيف‏,‏لكن منطقتنا وشعوبها مازالت بعيدة‏,‏ وغير مدركة للتداعيات الخطيرة‏.‏
وإذا لم تستطع كل دولنا أن تتكيف مع تلك المتغيرات الجارية‏,‏ فإن الدول التي نجحت‏,‏ ومنها مصر‏,‏ في الحد من الإرهاب‏,‏ عليها أن تبدأ في خوض معترك الإصلاحات‏,‏ للتكيف عالميا‏,‏ حتي تقف بعيدا عن مخاطر هذه الحروب الجديدة وتداعياتها‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى