مقالات الأهرام اليومى

التغييرات‏..‏ اختبار قاس لقدرة الدولة

كانت هناك عيون كثيرة شاخصة نحو مصر‏,‏ في الداخل والخارج‏,‏ تمتحن قدرة مؤسساتها‏,‏ وتقيس ردود فعل الشارع‏,‏ والمسئولين حول حدثين‏:‏ الأول‏:‏ هو رحلة الرئيس مبارك للعلاج في ألمانيا‏,‏ والثاني‏:‏ والذي تزامن معه‏,‏ هو التغييرات السياسية والوزارية المرتقبة‏.‏
ولعل الحدثين رغم صعوبتهما‏,‏ كانا فرصة لاختبار قاس للمؤسسات والأفراد‏,‏مسئولين ومواطنين‏,‏ قلما يتكرر‏.‏ وكانت نتائج هذا الاختبار مشرفة‏,‏ وجديرة ببلدنا وتاريخه‏,‏ وعمقه الحضاري‏,‏ فدولاب العمل استمر‏,‏ بنفس الكفاءة‏,‏ بل بدت وتيرة العمل وكأنها تزايدت‏,‏ مع التفاف وحب وتقدير للرئيس وقيادته‏,‏ وهذا ما لمسه كل مواطن‏,‏ وراح الدعاء والحب له‏,‏ من كل أسرة‏,‏ يزداد‏,‏ وانعكس ذلك في سلوك وحماسة المصريين لرئيسهم‏,‏ فالكل يكرر ويقول‏:‏ إن مبارك حفظ استقرار مصر‏,‏ وجنب بلادنا الانزلاق في متاهات الفوضي والحروب ومخاطر الاضطرابات والصراعات‏,‏ التي اجتاحت منطقتنا بالكامل‏,‏ وأنقذها‏,‏ بسياسة النفس الطويل‏,‏ من مخاطر الإرهاب والتطرف‏,‏ بحسم جدير بقيادته‏,‏ فمنح بلادنا‏,‏ بسياسته تلك‏,‏ فرصة للاستقرار لم تنعم بها منذ سنوات طويلة‏,‏ مكنتها من إجراء إصلاحات جوهرية في بنيتها الأساسية‏,‏ كلبنة أولي‏,‏ لا غني عنها لأي تقدم أو تطور في المستقبل‏.‏

لكن الأهم أن مناخ الحرية السياسية الذي هيأه مبارك لمصر أفرز حوارا خلاقا للبناء السياسي والديمقراطي‏,‏ لا يعرف قيمته‏,‏ إلا الذين يدركون مكانة مصر الحقيقية‏,‏ ويقارنون بين ما كانت عليه‏,‏ وما أصبحت فيه‏,‏ وهو ما جعل المؤسسات في مصر تتفاعل الآن‏,‏ وتفرز نظرة عميقة‏,‏ وواقعية للتغيير السياسي والتحديث والإصلاح الشامل‏,‏ في مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية‏.‏
فقد تناغمت هذه النظرة بين الشارع وبين الحكومة‏,‏ كما لم يحدث من قبل‏,‏ ومن يتأملون في التغييرات‏,‏ يكتشفون أنها تلامس احتياجات الوطن وتنفذها بدقة‏,‏ وتحقق‏,‏ في توازن دقيق‏,‏ الرغبة في التغيير مع الحفاظ علي قدرة الدولة ومؤسساتها علي الفعل‏,‏ دون اللجوء إلي الصدمات‏,‏ أو غيرها‏,‏ إنما جاءت اعتمادا علي البناء بلا هدم‏,‏ بروح تراكمية‏,‏ واتزان سياسي‏,‏ لا يحققه إلا من ملكوا الخبرة والحكمة معا‏.‏

وحتي لا يكون تقييمنا نظريا‏,‏ فإن الفعل السياسي‏,‏ والأسلوب الذي تم به خلال المرحلة الماضية عكس قدرة المؤسسات المصرية وفاعليتها تحت أقسي الضغوط‏,‏ وبرز ذلك في عدة نقاط‏.‏ أولاها‏:‏ علي صعيد السياسات‏:‏ كان واضحا أن ما تقوم به مصر‏,‏ لدفع القضية الفلسطينية والحفاظ علي سلطتها في ظل أوضاع داخلية في الأراضي المحتلة‏,‏ يصعب تصورها‏,‏ ورغم كل الظروف‏,‏ فإن السلطة الشرعية الفلسطينية تعود الآن إلي مكانتها وفعاليتها‏,‏ وفي المقابل فإن الشارع داخل إسرائيل‏,‏ والرباعية الدولية‏,‏ القوة المؤثرة في حل الصراع الإقليمي‏,‏ جميعا راحوا يدركون الآن أكثر من أي وقت‏:‏ ماذا فعلت مصر من أجل السلام في المنطقة‏,‏ والوصول للحق الفلسطيني‏,‏ وراح الكل يعترف‏,‏ بمكانة مصر ودورها البارز والمتزايد‏.‏
وتجلي أيضا هذا الرأي المصري الصائب‏,‏ في الخروج من الأزمة العراقية‏,‏ كمفتاح وحيد لهذه الكارثة‏,‏ كما كانت رؤيتها لاجتياز كارثة الإرهاب وتطوراته المخيفة‏,‏ هي العنوان الوحيد القابل للتطبيق‏,‏ والمنطق العملي لإنقاذ الجميع‏,‏ ومد شبكة الأمان الإقليمي والعالمي‏,‏ ليس لأبناء المنطقة وحدهم‏,‏ لكن حتي للقوة العظمي‏,‏ التي تتورط وتذهب بعيدا وتدخل في متاهات متطرفين آخرين لا يقلون حمقا عن الإرهابيين وأفعالهم‏.‏

أما علي صعيد الفعل والحركة‏,‏ فلا يمكن أن يفوتني أن أشير إلي أن حركة الحكومة‏,‏ وفعاليتها خلال المرحلة الماضية‏,‏ ورئيسها د‏.‏عاطف عبيد في استمرار التخطيط وتنفيذ سياسات حكومته‏,‏ وسط ضغوط الرأي العام وأحاديثه عن التغيير‏,‏ أظهرت الفهم العميق لطبيعة دور المؤسسات وإدارتها لدي الإدارة الحكومية والمسئولين وهو ما أصبح أكثر عمقا وقدرة علي الفعل والعمل تحت كل الظروف‏,‏ والصعوبات‏,‏ وإعلاء قيم‏:‏ الوطن والواجب والمسئولية‏.‏
أما الأسلوب الذي تمت به انتخابات مجلس الشوري‏,‏ فهو نموذج لمعني المسئولية لدي الجميع‏,‏ خاصة السياسي المخضرم صفوت الشريف‏,‏ أمين عام الحزب الوطني‏,‏ الذي أحسده علي كفاءته وقدرته‏,‏ فقد قضي يوما طويلا تتنازعه المسئوليات والأدوار‏,‏ فكان في الصباح وزيرا للإعلام‏,‏ يلتقي وزراء الإعلام العرب‏,‏ وفي المساء وقف ساعات طويلة يكرم نجوم مهرجان الإذاعة والتليفزيون‏,‏ وفي الصباح التالي مرشحا رئيسا لمجلس الشوري‏,‏ مفتتحا عملا آخر ومسئولية كبيرة في مؤسسة سياسية تحتاج إلي روح جديدة متطورة‏,‏ لتشارك في تقديم رؤية مغايرة لدورها المستقبلي‏,‏ وأحسب أن خبراته في هذا المجال لقادرة علي إعطاء دفعة قوية للمؤسسة التشريعية الثانية‏,‏ وذلك لأنها في غاية الأهمية في الحياة السياسية والحزبية والإعلامية‏,‏ وتحتاج إلي أسلوب جديد‏,‏ وقد جاء التغيير فيها ملموسا وواضحا‏,‏ وكان مقدمة أظهرت للمراقبين عمق وجدية التغيير الوزاري المرتقب‏.‏

‏..‏وما يهم الوطن‏,‏ أن أحداث مصر في الأسابيع الأخيرة أثبتت قدرة مؤسساتها وقياداتها علي التكيف‏,‏ واحترام المسئولية‏,‏ مما زاد من احترام الآخرين لنا‏,‏ وكشفت عن معدننا الحقيقي‏,‏ وأكدت أن المصريين يقودهم الحس الوطني‏,‏ وفي المراحل الحرجة والصعبة يسلمون بالحقائق‏,‏ ويتخذون القرار السليم‏,‏ ويتغيرون سلميا‏,‏ ويحافظون علي وطنهم‏,‏ لذلك يوفرون علي بلادهم مصاعب كثيرة‏,‏ ويجنبونها مخاطر جمة‏,‏ لذا لزم التنويه‏.‏
وإن كانت هناك إضافة‏,‏ فنرجو أن تكون الحرية مسئولة‏,‏ تحترم كل من يؤدي دوره‏,‏ قياسا علي الظروف التي يعمل بها‏,‏ وتقدر نسبية العمل والفعل‏,‏ فالمجتمعات التي تتقدم وتبني تطورها السياسي والاقتصادي‏,‏ لا تحقق طموحاتها مرة واحدة‏,‏ خاصة إذا كانت بلدا قديما كمصر‏,‏ وفي منطقة حساسة وصعبة تسمي الشرق الأوسط‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى