مقالات الأهرام اليومى

ثمار التغيير البنكي

يظل الجهاز المصرفي المصري هو القاطرة الرئيسية القادرة علي إحداث التغيير في بلدنا‏,‏ وقد انتظرنا‏,‏ طويلا‏,‏ أن يتحرك هذا القطاع الحيوي بفاعلية‏,‏ لكي يخلصنا من ركود مزمن منذ نهاية التسعينيات وإلي الآن‏.‏
ولكننا نعترف بأن مصر كانت قد وضعت في بداية هذه الحقبة‏,‏ برنامجا متميزا للإصلاح الاقتصادي‏,‏ استمر سنوات‏,‏ وشد الانتباه إلي أن نمرا يستيقظ في المنطقة‏,‏ وكنا نلاحظ أن كبار المعلقين سياسيين واقتصاديين‏,‏ عندما يتكلمون عن مصر‏,‏ ودورها في محيطها‏,‏ ينتقدون كل شيء‏,‏ويتحفظون علي ما نخوض فيه‏,‏ واعتبرنا ذلك ضريبة الديمقراطية‏,‏ وحرية الرأي‏,‏ ولكنهم كانوا عندما يأتون إلي ذكر الاقتصاد يعترفون‏,‏ صراحة‏,‏ بمكانة مصر‏,‏ وقدرتها الاقتصادية‏,‏ وما تحقق فيها من إقامة بنية أساسية سليمة‏,‏ وتصحيح كثير من الاختلالات والموازين‏.‏

وكنا ننتظر الاستفادة من نتائج هذا الإصلاح‏,‏ وذلك بجذب استثمارات محلية وأجنبية‏,‏ تنعكس علي مستوي معيشة المصريين بالإيجاب‏,‏ إلا أن ما حدث كان خطأ إستراتيجيا كبيرا‏,‏ مازالت أسبابه غير مفهومة‏,‏ كذلك لم يحاسب المسئولون عنه‏,‏ وذلك أمر ضروري لأي مجتمع‏,‏ لأن كشف الأخطاء يحصن البلاد من تكرارها‏,‏ ويحمي نجاحاتها‏,‏ وهذا ليس موضوعنا الآن‏,‏ ولكن لزم التنويه‏!!‏
أما فيما نحن بصدده فهو أن التصحيح في البنوك والمصارف المصرية‏,‏ أصبح يؤتي ثماره الآن‏,‏ ولعلنا نشير هنا إلي مبادرات البنوك العامة لعلاج ظاهرة التعثر اقتصاديا‏,‏ ففي حالة نجاح هذه السياسة نتوقع أن تسهم في الخروج من الركود وتبعاته‏,‏ مثل تزايد البطالة وانكماش الأسواق‏,‏ وإشاعة الإحباط والاكتئاب‏,‏ وشعور المجتمع بعدم القدرة علي النمو‏,‏ وتفشي حالات الخوف من المستقبل‏,‏ فعندما يتحرك الاقتصاد وتنتعش المشروعات‏,‏ يمكن احتمال أي أخطاء‏,‏ حتي ولو كانت فسادا‏,‏ أو ضعفا في الأداء‏,‏ أو ترددا في السياسة‏,‏ نتيجة لسيطرة مجموعة محدودة لا تتغير‏,‏ تركت إحساسا غامضا لدي قطاعات الشعب المختلفة‏,‏ بالتهميش الحاد‏,‏ مما انعكس علي الحياة نفسها‏,‏ فتزايدت حدة الجريمة‏,‏ وتأثر السلام الاجتماعي‏,‏ وهو أمر واقع لا يمكن إنكاره‏,‏ أو التقليل من شأنه‏.‏

وإذا عدنا إلي مكامن القوة والتأثير الآن‏,‏ فسنري أن المصريين مازالوا يحترمون الجهاز المصرفي‏,‏ وليس أدل علي ذلك من أن الودائع تجاوزت‏400‏ مليار جنيه‏,‏ وأن هناك أكثر من‏200‏ مليار جنيه قروضا‏,‏ أي أن هذا القطاع مازال متمتعا بالقوة‏,‏ ولكن الأيدي المرتعشة من الخوف‏,‏ في السابق‏,‏ جعلت رجال البنوك غير قادرين علي الابتكار‏,‏ بما فاقم من مشكلة المتعثرين وزادها حدة‏,‏ لتنتقل إلي جسم الاقتصاد‏,‏ إلي أن حدث التغيير في هذا القطاع وظهرت قيادات جديدة‏,‏ تحركت لتتجاوز هذه الكارثة‏,‏ ولم يكن مفهوما أن تغسل البنوك أيديها من قضية المتعثرين‏,‏ باللجوء إلي القضاء وحبسها المتعثرين‏,‏ لتتسع نطاق الأزمة‏,‏ وهو أسلوب يؤدي إلي بوار وهروب الأموال‏.‏
ولكن ما قام به حسين عبدالعزيز‏,‏ رئيس البنك الأهلي‏,‏ هو فتح للباب الصعب‏,‏ فقد اعترف بمسئولية المصارف عن التعثر‏,‏ وظروف السوق الصعبة التي يعيشها المستثمر المصري‏,‏ من هنا بدأ التفاوض الاقتصادي بلا خوف من البنك‏,‏ ولا ترهيب للمستثمر‏,‏ بدراسة كل حالة علي حدة‏,‏ وكل مجموعة استثمارية ومعرفة أحوالها‏,‏ ثم متابعة العملاء‏,‏ وتلك مهمة البنوك المحترفة‏,‏ فالتشخيص العلمي يكشف عن بيت الداء‏,‏ فهناك مستثمرو السياحة‏,‏ وهناك متضررون من الحرب علي العراق‏,‏ وهناك مشاكل العميل الفرد‏,‏ الذي يريد أن يسيطر علي كل شيء في مشروعه وتنقصه الخبرة والإدارة‏.‏

وكل أزمة من هذا النوع أو ذاك‏,‏ يمكن علاجها‏,‏ بتغيير السياسات‏,‏ عندها يتحول الفشل إلي نجاح للعميل والاقتصاد والبلد‏,‏ وذلك هو الأسلوب العلمي الصحيح‏,‏ والمحترف الذي يستحق الإشادة‏,‏ فقد أحدث بالفعل تأثيرا لدي البنوك الأخري‏,‏ فظهرت مبادرات جديدة لا تقل تميزا من محمد بركات‏,‏ رئيس بنك مصر‏,‏ ومحمود عبداللطيف‏,‏ رئيس بنك الإسكندرية‏,‏ وسار علي نفس المنوال مصطفي زكي أبوالفتوح‏,‏ رئيس البنك العقاري المصري‏,‏ خاصة أن هذا المجال شهد ركودا وظروفا قاسية فيه‏,‏ وبالتالي فهو في حاجة إلي معالجة مصرفية دقيقة‏,‏ تفتح شرايين الأسواق لعمل جديد‏,‏ يبدد الخوف ليعاود الاقتصاد المصري انتعاشه‏.‏
فالتعثر أكثر خطورة من أزمة توظيف الأموال الشهيرة‏,‏ لأنه يتراوح ما بين‏(20‏ و‏40‏ مليار جنيه‏)‏ وعدم مواجهته‏,‏ ووضع حل اقتصادي له‏,‏ ليس قضائيا أو عقابيا‏,‏ سيؤدي إلي تزايده‏,‏ أما محاصرته ومعالجته‏,‏ فتفتح باب الأمل للوطن ككل‏.‏

هذه المبادرات‏,‏ وإن كانت تحصل علي دعم البنك المركزي ورئيسه المصرفي الواعي د‏.‏ فاروق العقدة‏,‏ فيجب أن تحصل علي تأييد الحكومة ورئيسها د‏.‏ عاطف عبيد ووزرائه أيضا‏,‏ كما يجب أن يمتد التعاون ليشمل الرأي العام‏,‏ الذي عليه أن يدرك أن إقالة متعثر من عثرته‏,‏ سينعكس إيجابيا علي كل بيت مصري‏,‏ أما مجلس الشعب فعليه أن يساعد هذه المبادرات بالتغيير التشريعي في قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد‏,‏ ذلك القانون الذي يسمح بالتصالح مع المتعثرين في حالة سدادهم مستحقات البنوك في أي وقت‏,‏ حتي ولو صدرت ضدهم أحكام قضائية نهائية قاطعة‏,‏ أسوة بما يحدث في قانون الجمارك‏.‏
وهذا التطور سوف ينعكس صحيا علي سوق الأعمال المصرفية‏,‏ ويخلق مناخا من الثقة‏,‏ يشجع علي التوسع الاقتصادي‏,‏ ويواجه المشاكل المتراكمة بعقلانية‏,‏ فلا يمكن أن يحتمل ضميرنا أن نترك مستثمرا أو مصرفيا‏,‏ يموت خلف جدران السجون‏,‏رغم أنه سدد التزاماته وديونه ولم يستفد من التيسيرات الراهنة العاقلة‏,‏ أو نترك البعض فيسجن بمادة غير دستورية‏(‏ سدد وسجن‏)‏ وإذا كنا نفتح الباب للهاربين للعودة‏,‏ فلماذا لا نعفو عن المسجونين الذين أوفوا بالتزاماتهم؟‏!‏

فالعدالة والمساواة بين الجميع سوف تغير مناخ الاقتصاد والاستثمار في مصر‏,‏ ومعالجة أمور المال والاقتصاد بالطرق والوسائل الاقتصادية تساعد علي النمو‏,‏ ولعلنا نتعلم الدروس من كوارث واجهتنا في السابق فلا نكررها‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى