مقالات الأهرام اليومى

الممكن فلسطينيا‏..‏ بعد وعد بوش

تمر الأيام‏,‏ وتقف منطقتنا في مفترق طرق‏,‏ فقضية فلسطين دخلت منعطفا حادا‏,‏ وحان لأصحابها‏,‏ للعرب جميعا‏,‏ أن يقدموا رؤية جديدة للتعامل مع الإسرائيليين‏,‏ ثم مع الأمريكيين‏,‏ رعاة السلام الذين خرجوا عن حيادهم‏,‏ وأعطوا للإسرائيليين وعودا تعصف بمرجعيات استندنا إليها‏,‏ وقطعنا من خلالها هذا الشوط الطويل الشاق‏.‏

فالقضية المركزية للعرب وضعها كل من‏(‏ شارون ـ بوش‏)‏ علي مسار فرض التسوية بالقوة‏,‏ ودون مشاركة أصحاب الحق الفلسطينيين‏,‏ وفي غياب العرب جميعا‏,‏ وأيا يكن جوهر هذه التسوية‏,‏ فإن مصيرها الفشل‏,‏ إذا امتلك العرب‏,‏ ليس قرار رفضها فقط‏,‏ بل الإرادة لفرض واقع جديد في الأرض المحتلة‏.‏

وما يجعلنا نثق في قدراتنا الذاتية علي‏,‏ هزيمة مخطط‏(‏ شارون ـ بوش‏)‏ هو أنه رؤية قاصرة‏,‏ استندت إلي واقع القوة الراهن‏,‏ قصير النظر‏,‏ وبسبب أوضاع شاذة‏,‏ نتجت عن الحرب علي الإرهاب‏,‏ وضعف المنطقة العربية بعد الحرب علي العراق وتداعياتها‏,‏ بل إن الأخطر فيما جري هو أنه كان عملية اقتناص قام بها شارون وحده‏,‏ وقطعا سوف يكتشف الإسرائيليون‏,‏ أنهم وقعوا ضحايا لنظرة متعصبة‏,‏ ستكلفهم غاليا‏,‏ فسوف يخرجون من بعض أراضي فلسطين ويحيطون أنفسهم بأسوار من العزلة‏,‏ ولن يحصلوا علي الأمن والسلام‏,‏ لأن قادتهم يحولون إسرائيل إلي سجن كبير‏,‏ رافضين عروضا عربية سخية بالتعايش في ظل أوضاع عادلة للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني‏,‏ أما الولايات المتحدة فوقعت هي الأخري في خطأ عدم القراءة الصحيحة لمستقبل أهم منطقة في العالم‏,‏ يمثل خروجها من أزماتها المستعصية‏,‏ حلا شبه تاريخي لمستقبل العالم كله‏.‏

ولكنني لا أشك لحظة في قدرة المجتمعات والديمقراطيات الحقيقية‏,‏ علي تصحيح هذه الأخطاء الكارثية‏,‏ وتحجيم مرتكبيها‏,‏ ووضعهم في مكانهم المناسب من التاريخ الإنساني‏.‏

فعندما يحصل الفلسطينيون علي حقوقهم سنكون قد جففنا منبعا خطيرا للإرهاب المحلي والإقليمي والعالمي‏,‏ وقطعا فإن المستفيد هنا لن يكون الفلسطينيون وحدهم‏,‏ وإنما الإسرائيليون‏,‏ وكذلك الأمريكيون سوف يستعيدون جزءا من مصداقيتهم كدولة عظمي تعمل علي حماية نظام دولي عادل‏.‏

وإلي أن تتمكن النظم السياسية سواء في أمريكا أو إسرائيل من تصحيح اختلالات تلك المعادلة القاسية‏,‏ هل سنترك معادلة‏(‏ شارون ـ بوش‏)‏ لتفسد الأوضاع الإقليمية‏,‏ وتدفع المنطقة إلي أن يديرها الإرهاب‏,‏ وتسود فيها قناعات غير عادلة‏,‏ فتنغرس فيها بذور الاضطرابات الحادة‏,‏ أم تخرج المنطقة عن صوابها‏,‏ فتسودها فوضي عارمة‏,‏ ستكون شعوبنا العربية أول ضحاياها؟‏!‏

وحتي لا يحدث ذلك فإن الحل الآن هو دولة فلسطينية قابلة للحياة داخل حدود‏1967,‏ حسب القرارات الدولية‏,‏ والاتفاقات التي حكمت عملية السلام‏,‏ منذ أن بدأت في الثمانينيات‏,‏ وحددها مؤتمر مدريد‏,‏ واتفاق أوسلو في التسعينيات‏,‏ أما أي خروج أمريكي ـ إسرائيلي منفرد فهو غير ملزم عربيا وفلسطينيا‏,‏ ووعود بوش الثلاثة لشارون باطلة‏,‏ بل تمثل عدوانا علي السلام‏,‏ لأن أمريكا لا تستطيع أن تضمن المستوطنات في الأراضي المحتلة‏,‏ وليس من حقها التغيير في الحدود‏,‏ وتقديم أراض محتلة للدولة الإسرائيلية‏,‏ كما لا تستطيع أن تسلب حقوق الفلسطينيين المطرودين من أرضهم منذ عام‏1948,‏ وتحرمهم من حق العودة أو التعويض‏,‏ بحجة حماية يهودية الدولة الإسرائيلية‏.‏

ولكن ماذا نفعل الآن‏,‏ هل نترك الساحة خالية للعنف والقسوة في التعامل بين الجانبين؟

صحيح أنه من حق الفلسطينيين المقاومة‏,‏ بكل سلاح‏,‏ بعد مقتل الشيخ أحمد ياسين‏,‏ والدكتور الرنتيسي‏,‏ واستهداف المدنيين منهم‏,‏ لأن العمليات الإسرائيلية الأخيرة جسدت أمام الضمير الإنساني المعني الواضح لإرهاب الدولة بكل المعايير‏,‏ وأبطلت جميع الاتهامات الموجهة للشعب الفلسطيني بأنه منصة للإرهاب‏,‏ فالشرعية والقوانين الدولية‏,‏ تعطيانه الحق في الدفاع عن نفسه‏,‏ فكيف ينتصر الفلسطينيون في هذه المعركة؟

أولا وأخيرا يجب ألا ينجروا إلي مثل هذا الصراع غير المتكافيء‏,‏ وإن كنا لا ندعوهم للاستسلام‏,‏ بل إلي مقاومة تكشف المتطرفين في إسرائيل وأمريكا‏,‏ وتثبت أن الشعب الفلسطيني ـ الذي قاوم وجعل قضيته حية في الضمير الإنساني‏,‏ بشجاعة ـ قادر علي الإبداع وأنه‏,‏ حتما‏,‏ سينتصر‏.‏

والفلسطينيون الآن في حاجة إلي حكومة شابة تعبر عنهم من‏:(‏ حماس والجهاد وفتح والشعبية والديمقراطية‏),‏ حكومة حية وقوية ومنظمة‏(‏ غير متصارعة‏)‏ تضع مصلحة الفلسطينيين والدولة‏,‏ قبل مصلحة الحزب أو المنظمة أو الجماعة‏,‏ أو المصلحة الشخصية‏,‏ حكومة ترتفع إلي مستوي المسئولية‏,‏ ولا يشارك فيها إلا من يكون جديرا بها‏,‏ حكومة جديدة‏,‏ تعلن عن قيام دولتها الفلسطينية المرتقبة من جانب واحد‏,‏ وتضع شروطا للسلام وللمعاهدات مع إسرائيل‏,‏ حكومة تقرر أن المقاومة ستنحصر في أراضي الدولة الفلسطينية‏,‏ حكومة لها قوانين يحترمها كل الشعب الفلسطيني‏,‏ ولا تخرج مقاومة عليها من الداخل‏.‏

فالمطلوب هو بندقية فلسطينية واحدة‏,‏ تنظم الأمن الفلسطيني‏,‏ وتقف ضد العدوان الخارجي‏,‏ وليست بنادق متفرقة يسهل اختراقها وتشويهها ودمغها بالإرهاب‏,‏ وبالتالي علي الفلسطينيين أن يتحدوا داخليا ويتحدثوا لغة جديدة‏,‏ ويقدموا وجوها أخري‏,‏ تستعين بالقديم وتستفيد منه وتحمله المسئولية في التفاوض‏,‏ والفلسطينيون يملكون قيادات وخبرات عميقة‏,‏ منتشرة في أمريكا وأوروبا‏,‏ وإذا دعاهم المقاتلون ليمثلوهم في هذا التفاوض سيقبلون‏,‏ ولحظتها يغيرون من صورة فلسطين‏.‏

هذه اللغة وتلك السياسة الجديدة ستكون قاتلة في إسرائيل ومبهرة في أمريكا وأوروبا‏,‏ وستجعل العرب أكثر تأثيرا‏,‏ لتحجم المشروع المتطرف في المنطقة‏,‏ وتنتصر الدولة الفلسطينية داخل حدود‏1967,‏ وينهزم الإرهاب الشاروني‏,‏ وتتبني الإدارة الأمريكية سياسات مختلفة‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى