وعد انتخابي لشارون.. لا يلغي الحقائق

أجزم بأن فرحة شارون بجائزة بوش, يوم الأربعاء14 إبريل الجاري, هي فرحة وهمية, لأن ما منحه إياه الرئيس الأمريكي, سواء في خطابه أم في مذكرة الضمانات, جاء بمثابة وعد انتخابي, حيث قدم طرفان ـ يشعران بأزمة عميقةـ لبعضهما البعض, كلمات وأوراقا إعلامية, لأنهما يبحثان عن أي نصر, حتي لو كان زائفا, إلي أن يتغير مناخ صنعته أخطاء وكوارث الطرفين سياسيا وعسكريا.
حاول شارون أن يسرق نجاح رحلة الرئيس مبارك إلي واشنطن, لكنه لم ينجح, فرحلة الرئيس إلي تكساس وضعت أساسا إستراتيجيا, ليس مع الإدارة الأمريكية وحدها, إنما مع المجتمع الأمريكي نفسه, ولعل الجميع لاحظ أن مباحثات مبارك مع الإدارة, ومع باقي الأطراف الفاعلة شعبيا, أكدت مصداقيتها الدائمة, وقدمت رؤية طويلة المدي, لتعميق شراكة استمرت30 عاما, علي الصعيدين الثنائي والإقليمي, فحافظت في الجانب الأول علي ما تحقق في السنوات الماضية, وبنت عليه للانتقال إلي مرحلة أخري, هي إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين, أما علي الصعيد الإقليمي, فاستمر التعاون, الذي بدأ منذ ربع قرن في إقامة سلام قائم علي العدل, واضعا في حسابه مصالح الشعوب, فالأنظمة تنتهي بفعل الزمن أو الديمقراطيات, والسلام كان ولايزال الركيزة المصرية للعلاقات مع أمريكا, وسوف يستمر هو نفسه محور السنوات المقبلة, وأساسه قيام دولة فلسطينية, قابلة للحياة, عن طريق التفاوض المباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين, علي أن يراعي فيه الطرف الأول, الأوضاع التي مر بها الطرف الثاني, عبر سنوات المعاناة والحياة في المخيمات والشتات.
ولذلك لا يستطيع الرئيس بوش, مهما بلغت قوته, أو رئيس الوزراء شارون مهما اشتد عدوانه وافتئاته علي الحق والقانون, وخروجه علي الشرعية واستئساده عسكريا علي شعب غير مسلح, يدافع عن بقائه بالاستشهاد, أن يسلبا منه, حق العودة, فهو حق أصيل يقره قانون دولي هو(194) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة, بعودة اللاجئين أو تعويضهم, كما لا يمكن أن يفرض أحد علي الشعب الفلسطيني حدودا غير متفق عليها بين الطرفين, خاصة أن هناك وعودا أمريكية سابقة, وقرارات دولية مازالت مستمرة, لا يستطيع أحد شطبها بوعود جديدة, وإلغاء الطرف الأصيل من المعادلة, بحجة عدم وجود شريك, أو بادعاءات الإرهاب والتطرف, تلك التي سوف ترد إلي صدور قائليها مع مرور الزمن, لأنها مجحفة, فالأرض التي من المقرر أن تقام عليها الدولة الفلسطينية هي أراض محتلة في العام1967, وقرار242 يدعو للانسحاب منها.
وما فعله شارون وقبله بوش, هو أن الأول سرق من الثاني مبادرته خريطة الطريق وجرده من القوة أمام نفسه, وناخبيه, لأنه لم يحقق شيئا علي صعيد القضية الفلسطينية, في حين أن شارون ألغي عمليا الالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة في عام2005, تبعا لخريطة الطريق التي أقرها الرئيس الأمريكي, حتي الانسحاب الجديد من غزة سيكون منقوصا, لأنه يعطي الإسرائيليين حق التحكم في القطاع عبر السيطرة العسكرية علي طول الحدود الفلسطينية ـ المصرية, علي أن تظل المعابر والحدود وميناء غزة ومطارها الدولي تحت الحصار والسيطرة الإسرائيلية!!
والقبول الأمريكي بخطة شارون هو علامة فارقة, قد ندخل بسببها في مرحلة مظلمة إقليميا, لأن من بأيديهما الحل, وقعا فريسة للقوة والبطش, واعتقدا أنهما يستطيعان بهما فرض حل, فمن الخطر أن يكون القرار في أيدي اليمين, العاجز عن الحل, لأنه يستغل عداءه للاستقرار بتقديم حلول تعمق الشروخ وتصنع الحروب والكراهية.
والسياسة الصحيحة, هي ما اتبعتها مصر بأن شرحت للأمريكيين والإسرائيليين والعرب خلال زيارة مبارك التاريخية إلي تكساس, مخاطر عدم التحرك الإيجابي, لاستمرار عملية السلام, فالجميع سوف يتضررون, لأن غياب هذا السلام, سيكون وقودا يغذي التطرف, ويفقد الحرب علي الإرهاب شرعيتها.
ولكن لا ينبغي أن يسرقنا شارون بألاعيبه المؤقتة من البحث عن السلم والاستقرار, كما يجب ألا يكون ابتلاع الإدارة الأمريكية, متمثلة في الرئيس بوش, للطعم السام, هو الابتعاد عن إدراك مصداقية السياسة المصرية مع واشنطن, علي مستوي الأصعدة الأخري, خاصة في القضية العراقية, فقد مدت مصر ورئيسها يد العون للأمريكيين في هذا الوقت الصعب, ووافقت علي تدريب الشرطة العراقية, ونصحت الأمريكيين بانسحاب قوات الاحتلال من المدن العراقية, مع تغيير أساليب التعامل مع العراقيين, والحث علي دور أساسي للأمم المتحدة في تحديد مستقبل العراق.
ولا نغالي عندما نقول إن إقرار مبادرة مكتبة الإسكندرية للإصلاح في الشرق الأوسط, ووضع حد للتدخل في شئونه الداخلية, يعتبر فتحا جديدا للتعاون الأمريكي والدولي في عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي في المنطقة, دولا وشعوبا, فاعتبار هذه الوثيقة إطارا شاملا للإصلاح, حمي المنطقة من التدخل وحفظ سيادتها, وحصل علي اعتراف أمريكي بأن الإصلاح ينبغي أن ينبع من الداخل, وهذه خطوة ستحفظ العلاقات بين الدول الكبري والصغري.
لقد حفظت قوة مصر وخبرة رئيسها وحكمته, للعلاقات المصرية ـ الأمريكية مكانتها, وحدت من طموح اليمين المتطرف, قبل أن يتلاشي السلام, ويسود مناخ الحرب والعداء والكراهية, ومن هنا صاغت الرؤية المصرية طريقا سياسيا يضع مصالح الشعوب أولا, لأن الدماء الساخنة التي تسيل تفرض علي العقلاء سرعة العمل بعقل حاسم, لا يتأثر بما يدور, حتي لا نقع فريسة لتيار متطرف, يتلهف علي تفكيك المجتمعات, ودفعها إلي الفوضي,لأنه يبحث عن وقود لإشعال الحروب, وإسالة مزيد من الدماء.