مصر.. وأمريكا.. والشرق الأوسط الجديد

لا نغالي إذا قلنا إن رحلة الرئيس حسني مبارك إلي واشنطن, هي بداية جديدة, لصياغة مرحلة مختلفة في علاقات امتدت30 عاما ما بين(74-2004), هذه المرحلة, سوف تبدأ غدا الإثنين, بلقاء خاص مع الرئيس جورج بوش الابن في مزرعته’ كراوفورد’ في هيوستن ـ تكساس.
لكن هذه البداية الجديدة لن تكون في العلاقات الثنائية فقط, رغم أهميتها, إنما إقليميا, لأن أمريكا راحت تعيد صياغة سياساتها في الاقليم, في ضوء معطيات مختلفة, صار فيها الشرق الأوسط عنصرا فعالا.
وما يجعلني أنظر إلي أن المرحلة المقبلة سوف تكون ناضجة وأكثر مواكبة للزمن, هو ما اتسمت به الأعوام الثلاثون الماضية, فقد بنيت علي أساس علاقات متكافئة, ورغم الفارق الضخم في الإمكانات والقوة بين الدولتين,, فإن حصول مصر علي مساعدات اقتصادية وعسكرية كبيرة, لم يمنعها من أن تكون طرفا فاعلا في صياغة هذه العلاقة الاستراتيجية, وذلك لأنها انطلقت من بداية مصرية لا جدال في إبداعيتها وشجاعتها, وعمق بصيرتها التاريخية, والمستقبلية في نفس الوقت, وبالتالي احتلت مكانة رفيعة, أمريكيا وعالميا, ليس لدي الإدارات الأمريكية المتعاقبة وحدها, إنما لدي القوي المؤثرة في الشارعين الأمريكي والأوروبي.
وما أعنيه هو أن مصر بادرت بالسلام إقليميا مع إسرائيل برعاية أمريكية, في خطوة شجاعة, دفعت فيها ثمنا غاليا, لأنها كانت سابقة لعصرها, وبقيت هذه الخطوة سياسة مصرية مستمرة, واكتسبت بعد مرور25 عاما عمقا ورؤية, يؤكدان أنه يمكن أن يقوم سلام إقليمي عادل ومستقر, تقبله شعوب المنطقة, قبل الحكام والأنظمة, وهو ما استطاعت مصر تحقيقه, فقد اقتنع كل أشقائها العرب, وتحديدا الفلسطينيين, بروح هذه السياسة, وأصبحت معتمدة إقليميا إلي حد الإجماع, مما انعكس في مبادرات عربية.
في حين أن أمريكا لم تنجح في إقناع شريكها الاستراتيجي إسرائيل إلي الآن, بالسير مع روح هذه السياسة,, ووقعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة فريسة لنظرة الجماعات المتطرفة إسرائيليا, مما أضر بمصلحتها, وأصاب المنطقة والعالم بأضرار بالغة وترك شروخا عميقة, كانت مقدمة فجرت الحرب المدوية الآن عالميا ضد الإرهاب.
والآن وصلت أزمة السلام إلي مفترق طرق, إما أن تستمر أو يعلن عن وفاتها, وإذا استمرت السياسة الأمريكية علي ضعفها إسرائيليا, فإن زمام القيادة لن يكون في أيديها, ولكنه سوف ينتقل إلي شارع غاضب, وستقع المسئولية هنا علي الذين تركوا المتطرفين الإسرائيليين يغذون روح الكراهية والعنف, ويطلقون أسوأ أنواع الغضب التي تجعل الفلسطيني طفلا أو امرأة يقبل علي الموت راضيا مع عدوه الذي يريد أن يعيش وحده, وبالتالي حلت كارثة غياب السلام, وصارت سياسة لا نهائية لسياسيين لا يدركون قيمة السلام وروحه السامية, وهم هنا لا يلعبون بمستقبلهم فقط إنما بالاستقرار العالمي.
وقوة مصر أنها قالت وعملت بمنطق السلام, وشرحت وجهة نظرها, ليس للأمريكيين فقط, بل للإسرائيليين مباشرة, بما لها من مصداقية وخبرة عميقة بهذه المنطقة الحساسة من العالم, وإذا كان البعض أمريكيا يتصور أن السلام أصبح سياسة قديمة, وأن علي مصر أن تجد نقطة ارتكاز جديدة, لأن السلام صار مقبولا من الجميع, فإن هذا التصور اليميني المتطرف قاصر, فالسلام ما زال بعيدا إقليميا, والشوط الذي يجب أن يقطعه الإسرائيليون والأمريكيون مازال طويلا أيضا, ليلتقوا عند الرؤية المصرية, فهي مازالت الأعمق والأصوب في هذا المسار.
وبالتالي علي الأمريكيين في القمة الجديدة أن يعودوا إلي صياغة علاقة استراتيجية مع دول المنطقة, وعلاقتهم مع مصر كانت نموذجية في هذا المضمار.
وتبقي الأزمة العراقية والحرب علي الإرهاب موضوعين ساخنين في مباحثات هيوستن, إضافة إلي الإصلاحات, والمشروعات الإقليمية المطروحة في هذا المجال:
ـ عراقيا ليس من الصعب أمريكيا الآن قراءة أخطائها الفادحة في العراق, لأن تغيير النظام العراقي في رأي العقلاء لم يكن في حاجة إلي تدمير بلد بكامل إمكاناته, وفتح الباب لحرب أهلية فيه وتقسيمه, والمخاطر الماثلة الآن تؤكد أن من يشعل النار غير قادر علي إطفائها.
ـ أما الحرب علي الإرهاب فإن اتساعها وشمولها أديا إلي ازدياد المخاطر, وهذا ما نراه يوميا, وبالتالي أصبحنا في حاجة إلي رؤية أعمق لنتلافي هذا الخطر ليس بمزيد من الحروب, ولكن باقتلاع أسبابه.
ـ وتبقي الإصلاحات الإقليمية وما تحمله مصر من أفكار ودراسات فيها يؤكد أن لا أحد يقف ضد الإصلاح, ولكن السؤال كيف يكون وما الأسلوب, ؟والإجابة هي أنه ينبغي أن يشارك فيه الجميع, بالحوار العقلاني والمساعدة الدولية, حتي لا يكون بالحروب والتدخل في الشئون الداخلية, بلا علم فينحرف الجميع بعيدا عما يريدون ويفتحون أبواب الشكوك والخوف والكراهية.
هذه الرؤية المصرية قد لا ترضي الأمريكيين بالكامل, إنما قد تمد لهم شبكة الإنقاذ من أخطاء سياسات المتطرفين علي الجانبين, فالعلاقات المصرية ـ الأمريكية في السنوات الماضية, يمكن البناء عليها, وتقديم نموذج للإصلاح لا يهتز مع الزمن, فهو مطلب ضروري لمنطقة تشعر بالهزيمة, وتندفع للمجهول بسبب التدخل الخارجي, وهو موقف يجب أن تصححه أمريكا, لأنه يهدد مصداقيتها في العالم.