رسالة إلي دعاة الحروب.. والإرهاب

هل يستمع دعاة الحروب إلي الصوت القادم من أسبانيا؟ إنه صوت الحكمة الأسباني الذي لم يهتز أمام قسوة الإرهاب, ورفض كل أشكاله, عندما خرج الملايين من الأسبان إلي الشوارع, يعبرون عن استيائهم من تفجيرات قطارات مدريد في11 مارس الجاري, والتي راح ضحيتها المئات من الأبرياء, ولم يكن الشعب الأسباني وحده في الشوارع, بل كانت تشاركه كل الدنيا في هذا الرفض.
لكن بعد الآلام والقلوب الجريحة لم تتوقف العقول الراجحة عن التفكير, فأرسلت رسالة مناسبة إلي العالم, عبر صناديق الاقتراع, فبعد ساعات قليلة, كان الناخب الأسباني يتحلي بحكمة الشرق والغرب معا, ويدلي بصوته لصالح حكومة جديدة بزعامة خوسيه ثاباتيرو, ويسقط أخري, بزعامة خوسيه أثنار, لينقص من حلف الحرب عضو مؤثر وفاعل, لم يستمع إلي نبض الشارع وذهب إلي الحرب مع بوش واليمين الأمريكي وحليفهما توني بلير, معتقدين جميعا أنهم يقودون تيارا من أجل الإصلاح وتجفيف منابع الإرهاب, فغابت عنهم الحقائق وجنحوا إلي الرغبة في الثأر, وإسالة الدماء, ولم يستمعوا إلي صوت شعوبهم, أو الرأي العام العالمي.
وغاب عن الجميع أيضا أن الحروب, لم تكن أبدا, ولن تكون علاجا, فالإرهاب مدان بكل صوره, ولكن اقتلاعه يحتاج إلي ما هو أبعد من المدافع والقتل, وأعني العقول الكبيرة والنفوس الأكبر في إدراك المخاطر التي تكتنف العالم, فتأخذها الهمة, لتعرف ما وراء الإرهاب, وكيف يتغذي, ولماذا وصل إلي هذه المرحلة من العنف والكراهية ليهدد العالم؟
ففي مثل هذه الأيام منذ25 عاما, كان هناك صوت مصري للحكمة وللفعل الخارق, هو الرئيس الراحل أنور السادات الذي أعلنها مدوية بالقول: إن حل مشكلة الصراع العربي ــ الإسرائيلي يكمن في وضع حد للحروب, وكانت رسالته ورحلته التاريخية للسلام حدثا مدويا أيضا, وفي زمن مبكر, لم يكن هناك أحد يسمع جيدا, في مكان ساد فيه منطق العنف والفشل, ولكن البذرة الصالحة تبقي في الأرض ثم تنبت وتتحول إلي حقيقة لا يستطيع أن يغفلها أو يتجاهلها أحد, لأن تيار التاريخ كاسح, وصارت دعوة السادات السلمية حقيقة, اعترف بها العرب, وفهموا مغزاها, بعد سنوات طويلة ضاعت فيها فرص كثيرة, فطمع المتطرفون, من الجانب الآخر, في تحقيق مكاسب بعيدا عن الأعين, مستغلين المتغيرات في انتهاز واضح لمناخ عالمي مسموم بين الشرق والغرب.
ولكن صوت الناخب الأسباني الكريم, الذي تعالي علي آلامه, ورفض الحرب علاجا, يجب أن تسمعه القلوب والعقول معا, وحكمة السادات القديمة يجب هي الأخري أن تأخذ مكانها في هذا العالم, فالأمريكيون الذين ذهبوا للحروب بعد كارثة11 سبتمبر2001, لم يحققوا الكثير, وحان الوقت لأن يستمعوا إلي الصوت الآخر, وهذا لا يعني أن يقبلوا بالإرهاب, ولكن في نفس الوقت ندعوهم إلي الاستماع إلي صوت يقول إن للمظلومين حقوقا, وللفقراء مكانا, وإن علي القوة الأمريكية أن تواجه الغطرسة الإسرائيلية المساعدة علي تفشي الإرهاب في الشرق الأوسط, فأرض إبراهيم تتسع لقيام دولتين.
وكنا نظن ــ وهو ظن حق ــ أن11 سبتمبر, وما صاحبه من إرهاب سوف يجعل الأمريكيين يعيدون قراءة مواقفهم من العالم, ويبدأون عصرا مختلفا, تتسم فيه سياستهم الخارجية بوضع حد للنزاعات الدولية, علي أن يركزوا قدرتهم العسكرية والسياسية علي فرض احترام القوانين الدولية في فلسطين, والشيشان وكشمير وغيرها, بحكم وضعهم كقوة عظمي وحيدة لا ينافسها أحد, فإذا بهم يكسرون القوانين الدولية, ويفتحون جبهة في العراق, فجرت براكين من الغضب الكامن في المنطقة, سوف تحتاج إلي حكمة خارقة حتي تعالج.
والآن وبعد مرور عام علي هذه الحرب غير المبررة, والتي كان يمكن تفاديها دون غزو شعب العراق,لم تجف دماء العراقيين والأمريكيين, فالضحايا يتزايدون, ويتعمق الثأر, فالعراقيون الآن باتوا خائفين, ومنذ الحرب فقدوا عشرين ألف عراقي من مدنيين وعسكريين, أما قوات الغزو فخسرت600 قتيل من جنود التحالف, وهذه هي الأرقام المعلنة, ولكن ما خفي كان أعظم.
وسط كل هذا المناخ الملبد بالحروب, تتعالي أصوات الإصلاح الإقليمي القادمة من الخارج, والصادرة من الداخل, فأي الأصوات نصدق, فهل يمكن أن يأتي الإصلاح في ظل حروب لا تنتهي, أو تهديد دائم بشنها علي شعوب المنطقة؟ وماذا يجب أن تقدم أمريكا لشعوب الشرق الأوسط, هل مبادرات للإصلاح, أم وقف لغليان المنطقة من ثلاث حروب مشتعلة في كل الجبهات؟ فالحرب علي الإرهاب صار صوتها مسموعا في كل بيت في الشرق الأوسط, وليس في أفغانستان وباكستان فقط, والحرب علي العراق صارت كوارثها تدمي القلوب, ولا يمكن لأحد أن يتجاهل هذه المحنة, فيوميا تسيل الدماء في الفنادق ومباني الأمم المتحدة وكربلاء والكاظمية, وحتي انفجار أمس الأول, الذي راح ضحيته صحفيان عربيان برصاص أمريكي, يتمتع بالحصانة لقتل أي عراقي, ولا يسأل نفسه ماذا يفعل, هل يقتل مدنيا أم عسكريا أم رجل إعلام يؤدي مهمته في نقل صورة الحقيقة إلي الناس؟
فأي صوت عاقل يمكن أن يصل برسالة العرب إلي الضمير الأمريكي الغائب؟ وهل يلتفت اليمين المتحكم في القرارين الأمريكي والإسرائيلي إلي صوت الناخب الأسباني, أم إلي الضمير العالمي الذي بات يستصرخ الجميع ليفعلوا شيئا باسم الحق والعدل في هذا العالم, الذي بات يتحول إلي غابة تفتح بابا من جهنم للإرهاب سوف يلتهم الجميع؟
وهل هناك صوت للحكمة والعقل يمكن أن يخرج من أمريكا أو أوروبا الآن, ليقول لدعاة الحروب والكراهية, أوقفوا هذه السياسة الرعناء, وهل هناك قدرة لأصوات الحكمة الكامنة في الشرق, لتعبر عن نفسها, تخرج الآن من عقالها, لكي توقف التطرف وجهالته, وتفتح بابا للحوار, من أجل سلام الشرق والغرب معا؟!