مقالات الأهرام اليومى

الشرق الأوسط الكبير‏..‏ كما نفهمه‏!‏

تتحدث قوي مختلفة عن عودة الخلافة‏,‏ سواء كانت عثمانية حديثة وعاصمتها اسطنبول‏,‏ أم خلافة قديمة وعاصمتها بغداد‏,‏ أم أشكالا جديدة من نمط الخلافة‏,‏ وتتحدث قوي أخري في واشنطن عن أن هناك أساليب أحدث للتوحيد والدمج‏.‏

وهذه التصورات الأخيرة‏,‏ في عرفنا‏,‏ تعبر عن خلافة جديدة‏,‏ يتخيلون أنهم قادرون علي فرضها‏,‏ لأنهم موجودون في إحدي عواصم الخلافة القديمة‏,‏ وبما يملكون من قوة متفردة‏,‏ بمساعدة إحدي القوي الإقليمية الكبيرة‏,‏ وقوي أخري مشاركة بنسب متفاوتة‏,‏ وأنصار محليين كثيرين ينتظرون من زوايا عديدة‏,‏ إلي أن يكونوا شركاء للمشروع المرتقب‏.‏

في ظل هذا الوضع تتقدم أمريكا‏,‏ علي عجل‏,‏ بمشروعها الخاص القديم المتجدد‏,‏ إلي مجموعة الثماني الكبري‏,‏ أو نادي الأقوياء والأكثر غني‏,‏ أو مجلس إدارة العالم الذي تقوده هي‏,‏ والذي سوف يعقد قمته السنوية في شهر يونيو المقبل في ولاية جورجيا الأمريكية‏.‏

ويقدم التصور المطروح أمريكيا مشروعا للشركاء الأوروبيين‏,‏ يقولون عنه إنه لتحديث الشرق الأوسط الكبير‏,‏ الذي يضم المنطقة الجغرافية الواسعة التي تشمل العالم العربي كله‏,‏ إضافة إلي باكستان وأفغانستان‏,‏ وإيران‏,‏ وإسرائيل قطعا‏.‏ وتحاول أمريكا أن تجعل من مشروعها للشرق الأوسط مشروعا عالميا أو دوليا‏,‏ باعتبار أن هذه المنطقة تضم الشعوب القديمة‏,‏ وكلها إسلامية عاجزة‏,‏ وفاشلة‏,‏ سياسيا واقتصاديا‏,‏ وتعاني اختلالات اجتماعية وثقافية‏,‏ تجعلها مصدرا للإرهاب الدولي‏,‏ والذي أظهر وجها عدوانيا في الحياة المعاصرة‏,‏ متمثلا في أحداث‏11‏ سبتمبر‏2001,‏ وغيرها‏.‏

لكن هذا التصور الأمريكي بناه متشددون‏,‏ أو إذا راعينا الدقة‏,‏ متطرفون‏,‏ لا يقلون تطرفا عن بعض الذين يعيشون بين ظهرانينا‏,‏ ويقفون عقبة أمام تحولاتنا الاقتصادية والسياسية‏,‏ ويعرضون منطقتنا لمخاطر‏,‏ لا تقل صعوبة‏,‏ عما تتعرض له من قبل المتطرفين الأمريكيين أو الإسرائيليين في عالم يسوده التطرف والجنون‏.‏

ويقف الكثيرون‏,‏ أو المعتدلون‏,‏ أو الراغبون في وصل الجسور وصناعة عالم‏,‏ يسوده الاستقرار والسلام‏,‏ بين قوتين من التطرف‏,‏ تتصارعان‏,‏ في وقت نحن أحوج فيه إلي أن نحافظ علي كل الإمكانات‏,‏ وهي ليست محدودة فقط‏,‏ بل محدودة جدا‏,‏ وحتي نوظفها لإدارة تغيير ممكن أو معقول داخل بلادنا‏,‏ يبعدها عن شبح التطرف أو الانزلاق إلي تخلف مستمر‏.‏

وإن كنا نعرف أن هذه المشاريع لن تحقق نجاحا يذكر‏,‏ ليس لأنها غير صحيحة فقط‏,‏ لكن أيضا لأن طريقة تقديمها لا تراعي الطرق السليمة والصحية لبناء شراكة حقيقية‏,‏ فهي تعامل شعوبا قديمة وصاحبة حضارة وعراقة معاملة دونية تتسم بالاستعلاء‏,‏ وفرض آليات التغيير بالقوة‏.‏

لكن الأخطر‏,‏ هو أن هذه المشاريع متكررة العرض‏,‏ في كل مرحلة‏,‏ وبأسلوب مختلف‏,‏ لتدفع مجتمعاتنا إلي الفوضي أو حتي مقاومة حركة التغيير والتطور التي تحدث داخلها‏,‏ وهما سلبيتان خطيرتان‏,‏ يجب أن نحصن مجتمعاتنا منهما‏,‏ حتي نكون أكثر قوة وعقلانية في مواجهة هذه السياسات الجديدة‏,‏ ولا نظهر كمن يقف أمام قطار يتحرك إلي الأمام‏,‏ لأننا خائفون من المتغيرات‏,‏ فنقع في الخطيئة نفسها التي يريد المحافظون الجدد أن نقع فيها‏,‏ فيدفعوننا نحو مزيد من التطرف والتحجر‏,‏ وينسوننا ما نخطط له من الإصلاح والتغيير‏.‏

وهنا علينا أن نقوم بحوار جديد‏,‏ ولغة مختلفة مع الأمريكيين ومع الأوروبيين‏,‏ وأيضا مع الإسرائيليين‏,‏ وهم شركاؤنا في الإقليم‏,‏ علي أن يتسم هذا الحوار بلغة جديدة‏,‏ تصنع التغيير الذي نريده لبلادنا ومنطقتنا‏,‏ بإصلاح جدي‏,‏ يحقق الحكم الديمقراطي والمتقدم والمتغير والمتنافس‏,‏ بأيدينا وبرؤيتنا‏,‏ ويجب أن نفهم أن ما يطرح علينا ليس ديمقراطية أو حقوق إنسان أو تغييرا‏,‏ لكنه يدفعنا إلي فوضي لا مثيل لها‏,‏ وتلك مخاطر جمة‏,‏ ستقع فيها منطقتنا‏,‏ إذا تحصنت بالرفض أو الجمود فقط‏,‏ وبدلا من ذلك عليها أن تتحصن بالحركة الواعية والمتبصرة‏,‏ فالرؤية الحقيقية الكاشفة سوف تنقذنا من تلك المخاطر الجديدة‏.‏

وأستطيع أن أقسم التحرك المستقبلي إلي ثلاثة أصعدة‏:‏

‏*‏ مصريا‏:‏ نقول إن برامجنا في الإصلاح يجب أن تكون واضحة‏,‏ وتبادر النخبة المصرية إلي التماسك‏,‏ وتظهر قوتها ومعدنها واتفاقها وتوحدها في هذا الموقف الصعب‏,‏ فمصر هي أول من واجه الإرهاب والتطرف بحسم محليا‏,‏ قبل أن يظهر في شكله العالمي الراهن‏,‏ وهي أيضا أول من أقام السلام الإقليمي باتفاقها مع إسرائيل‏,‏ قبل أن يصبح مطلبا دوليا للشراكة العالمية‏,‏ كما هو مطروح حاليا‏,‏ ومصر تملك نخبة ومؤسسات وجماعات ثقافية وأحزابا وبنية أساسية للمجتمع المدني‏,‏ ليس لها نظير إقليميا‏,‏ وعلينا توظيفها جميعا وسريعا لمواجهة التحديات‏.‏

‏*‏ أما المنطقة العربية‏:‏ فهي سوف تتعرض لمخاطر جسيمة‏,‏ في حالة دخولها ممزقة ومتنافسة إلي شرق أوسط واسع‏,‏ تحكمه قوي دولية‏,‏ لن تضع لمصالح الأغلبية فيه أي اعتبار‏,‏ ما لم تراعها حكوماتها ونخبتها عندما تدخل معتركا أكبر في ظل أوضاع مكشوفة‏,‏ ومازالت الفرص متاحة أمامنا حتي نسبق الجميع‏,‏ ونقوم بخلق أوضاع مختلفة وإنشاء سوق عربية موحدة‏.‏

‏*‏ وأخيرا علي الصعيد الإقليمي‏:‏ يجب أن نجري حوارا يسبق الحوار الدولي مع شركاء الإقليم‏,‏ سواء كانوا الأتراك أم الأفغان أم الإيرانيين أم الباكستانيين‏,‏ وحتي الإسرائيليين‏,‏ لأن الشرق الأوسط ملك لأصحابه‏,‏ وليس ملكا أو تابعا للقوة الكبري‏,‏ أو حتي ملكا لأوروبا‏,‏ ولا يحق لأحد‏,‏ ولا يصح‏,‏ لأية قوة أن تدفعه إلي نظم سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية‏,‏ لم يشارك فيها ولم يضعها هو بنفسه‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى