نحن.. وأمريكا

تتشابك علاقات أمريكا بالعالم. فهي القوة المنفردة المتحكمة في مسارات قوي عديدة, سياسية واقتصادية واجتماعية, في عالم يتجه, بشكل أكبر إلي التوحد, وما يحدث في ركن قصي, يؤثر في الكل, فما بالكم بما يحدث في أمريكا نفسها؟!
ونحن في الشرق الأوسط أو المنطقة العربية أو في مصر, فإن علاقاتنا معها ليست متشابكة فقط, بل خاصة جدا, لأسباب عديدة أهمها أن القوة الكبري هي الشريك الأكبر والمؤثر فينا وعلينا, وذلك نتيجة لجاذبية المنطقة, باعتبارها مصدرا للنفط, الوقود الوحيد والمؤثر في الحياة المعاصرة الآن, وفي المستقبل, وكذلك لوجود إسرائيل وقوتها الإقليمية, الراجعة لأسباب عديدة أبرزها أنها تكاد تكون في حالة شراكة كاملة أو ما هو أكثر من ذلك مع أمريكا.
والمنطقة العربية تمر حاليا بمنعطف خطير في علاقاتها الأمريكية, ليس لاحتلال أمريكا للعراق, بدءا من عام2003 فقط, رغم تأثيره وأبعاده الإستراتيجية الخطيرة ومردوده علي الشعوب, ولكن أيضا لتطورات حرب الإرهاب وتداعياتها, بالإضافة إلي القضية المؤثرة في الضمير العربي, والتي لا يمكن لأحد الانفكاك منها, وهي فلسطين وشعبها الذي يعاني منذ55 عاما, ويعيش تحت الضرب والطرد, لأن إسرائيل ومن خلفها القوي الكبري سرقت أرضه وطردته إلي المخيمات والشتات, ورفضت الاعتراف بحقوقه أو تقرير مصيره, رغم كل التنازلات, التي قدمها الشعب الفلسطيني للحصول علي بعض حقوقه, فمازال يهان ويضطهد, وبالرغم من اعترافنا بأن الأمريكيين قد أحسنوا التعامل في السنوات الأخيرة من عمر الصراع مع قضية الفلسطينيين, واعترفوا أخيرا بحقهم في قيام دولة, فإن حكمة القول أو العقل, لدي المثقف أو رجل الشارع العادي, لن تصدق أن أمريكا, بما تملك من قوة عالمية علي الجميع لا تستطيع أن تستخدمها لدي شريكها الأول إسرائيل, لوقف أكبر عملية اضطهاد عنصرية, وصلت في السنوات الأخيرة إلي ما نستطيع أن نسميه استئصال شعب, بعمليات عسكرية لأكبر قوة مدججة إقليميا ضد شعب أعزل, لم يجد وسيلة للمقاومة, إلا الانتحار, وشاء سوء حظه أن يستفيد عدوه المستأسد والفاقد للضمير الإنساني, والمتحصن بحماية دولية وأمريكية لا تخطئه إلا في الحدود غير الموثرة, من هذه العمليات ليحولها في الضمير العالمي المغيب, بقوة وسائل الإعلام إلي وسيلة ضغط, شيوع عمليات الإرهاب الدولي, التي طمست قوة المقاومة وبسالة الشعب الفلسطيني, في غباء هذا الإرهاب وتعصبه, في أكبر عملية مغالطة تاريخية, تعطي للعدوان والاحتلال وبطش القوة حصانة, فاتهم المقاوم الباسل بما ليس فيه, وحدث ذلك, فقلنا نحن العقلاء يجب أن نتحصن بالحكمة ولا نعطي الطغيان سلاحا.
وصارت هذه المنطقة الصعبة التي تموج فيها الأفكار وظهرت فيها الأديان وكأن القوة الكبري أمريكا, تسلمها سواء بإرادتها, أم بغير إرادتها, علي طبق من فضة إلي المتعصبين والمتطرفين.
وسط كل ذلك تتقدم أمريكا بمبادرات متلاحقة للتغيير الشامل في الشرق الأوسط تحت مسميات متعددة وتشخيصات عديدة من الديمقراطية إلي الشراكة الكاملة أو الشرق الأوسط الكبير, مستخدمة لغات عديدة ووسائل مختلفة من الإقناع إلي القمع, ومن الحصار إلي التهميش, وصولا إلي التهديد والعقاب, بل استخدام كل الوسائل والمؤسسات المشروعة وغير المشروعة, فهي القوة المهيمنة, التي خاضت حربين متسارعتين لم تتوقفا إلي الآن في منطقتنا بعد أحداث11 سبتمبر2001 مباشرة في أفغانستان والعراق, ضاربة عرض الحائط, بحقوق الشعوب, فاستعدت عليها الجميع, وبعيدا عن صحة هذه السياسات أو خطئها, فإن الشعوب في المنطقة تمر بمراحل قد تصل فيها إلي حالة تنامي العداء للسياسات الأمريكية.
كما يدرك كثير من العقلاء أن السياسة الأمريكية الراهنة, لا تستطيع الاستمرار وحدها, بسبب أوضاعها المتفاقمة, لأن تكلفتها تفوق الطاقة والإمكانات, بل قدرة الشعب الأمريكي علي التحمل, حتي إن كثيرين يرون أن رد الفعل المقبل علي اتساع نطاق حرب الإرهاب سيكون إلي الداخل الأمريكي مرة أخري وبقوة, وسيكون تأثيره أخطر مما حدث بعد حرب فيتنام, وهنا سيدرك الجميع أن السياسة الأمريكية ذهبت بعيدا, وأنها كانت عنصرا, ليس لتغيير شعوب الشرق الأوسط, وجعلها أكثر ديمقراطية, ولكن إلي مزيد من الفوضي والاضطراب والشعور بالكراهية والخوف من الراهن والمستقبل.
لكننا نقول إن حال الشرق الأوسط, سيكون مختلفا عن الحالات السابقة عليه, التي تدخلت فيها أمريكا بقوة, مثل أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية, عندما وضعت أمريكا نفسها في المجال الحيوي لتغيير شامل في البلدان الأوروبية التي تضررت من حرب مريرة, عبر مشروع مارشال, أو بعد اتفاقية هلسنكي التي وقعتها35 دولة بقيادة أمريكية لتسهيل الإصلاحات في الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية في عام1975.
فالشرق الأوسط هو الأصعب, والأشق, وأمريكا لا يمكن أن تنجح في السيطرة عليه منفردة بسياسات محورها القوة لفرض الديمقراطية, لأن المنطقة الجغرافية التي تحتاج إلي تعاون دولي واسع, والأهم مشاركة شعوب المنطقة, والتي تدرك أن مخاطر انتصار القوة كبيرة, كما أن مخاطر التوقف والتراجع والفشل, هي الأخري فادحة, ولا يمكن أن يتحملها أحد.
فهل يدرك صانع القرار الأمريكي حكمة الاعتدال, قبل فوات الأوان, وانفجار الأوضاع, وهل يستطيع العقلاء من حكماء اليهود في العالم أن يلجموا شهوة القوة الإسرائيلية قبل أن تدمر المنطقة, وهل يدرك العرب مخاطر الانقسام والتشتت, وهل يخرج ما تبقي من قوي كامنة في المنطقة مثل إيران وتركيا من نظرتها الضيقة لدورها وإمكاناتها؟
ببساطة.. هل تفهم الشعوب القديمة بكل تراثها ومواردها, روح العصر ورغبة الأجيال الجديدة؟ سؤال صعب بلا إجابة.