مرة أخري.. عباس العقاد ومدينة نصر إلي أين؟

توقعت, بعد حادث انهيار عمارة شارع عباس العقاد في مدينة نصر أنه سوف تحدث تطورات كبيرة لفرض القانون والانضباط وإحياء روح الشفافية ومواجهة الفساد والمفسدين في كل نواحي حياتنا, خاصة في الشارع القاهري, الذي يشهد فوضي في كل جوانبه, وزحاما وتكدسا غير عاديين, أصبحا يشكلان خطرا علي الأمن والسلامة سوف يصيب الجميع بلا تمييز.
فالعمارة التي وقعت, لم تقع علي رءوس سكانها فقط, ولكن كان أول ضحاياها ضباط وعساكر الشرطة والدفاع المدني, وهم الضحايا المباشرون, أما الضحايا غير المباشرين فهم كثيرون ومنتشرون في كل أنحاء مصر, ويرصدون حجم الإهمال والفساد العام, خاصة سكان مدينة نصر, الذين عرفوا العمارة أو الذين كانوا يشاهدونها يوميا, فقد صاروا يضعون أيديهم علي قلوبهم وفوق رءوسهم, فالجميع يتوقع أن يكون الحادث القادم في بيته أو في شارعه.
فقد حدث علي المستوي العام, تحرك إيجابي وعاجل, كان أبرزه قرارات مجلس الوزراء الرامية إلي تعديل قانون البناء, وتخصيص دوائر قضائية للفصل السريع في مخالفاته, وإنشاء إدارات أخري متخصصة لإزالة المباني المخالفة, والحث علي صدور قانون اتحاد الشاغلين المتضمن طرق الصيانة الدورية.
وحدث أن أعلنت وزارة الإسكان والتعمير عن الاتجاه إلي إنشاء كوبري كبير علي مستوي عال, وبتكلفة أكثر من300 مليون جنيه لمساعدة سكان مدينة نصر علي الخروج منها, والدخول إليها, بعد أن تكدست شوارعها من كل الاتجاهات, ولكنني, توقعت وبعض التوقع ظن أو خطأ, أن أول التغيير أو التطوير سيكون في مدينة نصر, أو تحديدا في شارع عباس العقاد, وبما أنني من سكان المنطقة, فإنني أقول للجميع إنه لم يحدث أي تغيير, وإن الإهمال والتسيب عادا إلي هذا الشارع كما أن الحياة عادت إلي سيرتها الأولي بلا حركة أو حتي بوجود أمني في هذا الشارع المكدس بكل المنشآت, والعمارات الكبري المخالفة, وفتحت كل عمارة وبقيت المقاهي والمحلات والمطاعم بكل زينتها ودعواتها لزبائنها مع غياب كامل لأي جراج أو مراكز خدمات لخدمة هذا العدد الكبير من السكان والمنشآت, فقد ظل الإهمال مستمرا بل ومتزايدا حتي إن مدخل الشارع الذي شاهد الكارثة عاد إلي حالة غريبة من الإهمال المتزايد والمتفاقم, حيث تحول بواسطة واضعي اليد من بلطجية سائقي الميكروباص, إلي موقف لهذا النوع من السيارات, وهذا النوع من المركبات يشير في حد ذاته إلي الجريمة المتحركة في شوارع القاهرة, في إشارة إلي الغياب الأمني الكامل لمعاقبة هؤلاء المعتدين والذين حولوا مدخله إلي هذه المهزلة الناطقة بغياب الأمن والرقابة علي هذا الشارع الحيوي, وكان من الممكن في حالة المراجعة البسيطة لأجهزة الأمن لمداخل ومخارج هذا الشارع أن تحميه من المعتدين, سواء الذين حصلوا علي تراخيص مخالفة لإقامة أكشاك أو مقاه أو مطاعم, تزيد من حالة التكدس, وتشير إلي غياب القانون ومنفذيه, ولكن كل هذا لم يحدث, وتفرغ المسئولون في الأحياء وفي أجهزة الشرطة لتبرير الكارثة.
وقد تلقيت رسائل كثيرة عقب نشر مقال الأسبوع الماضي, حول هذه الكارثة, ولكنني اختار هذه الرسالة التي أنشرها كاملة, لأن صاحبها متخصص وهي صادقة ومليئة بالمعلومات المهمة حول ما آل إليه حي مدينة نصر. تقول رسالة المهندس ــ هشام حسين علي.
1ــ إنني أوافقكم الرأي فيما ورد من غياب الشفافية في معظم الأحياء المسئولة عن التراخيص.
2ــ لدي سؤال بسيط, هل سبق لكم زيارة شركة مدينة نصر وتحديدا السيد رئيس مجلس إدارتها, أي رئيس لمجلس إدارتها, فلو أنكم ذهبتم لمقابلته لوجدتم أن مكتبه في الطابق الثامن.
3ــ هل تطلعتم إلي عمارات رابعة العدوية, القائمة في نهاية شارع النزهة, وعمارات مايو, بجوار الجامعة العمالية, وبنايات الشرطة خلف قسم أول شرطة مدينة نصر, وكذلك العمارات الرئيسية في تقاطع رابعة العدوية, إنها جميعا, ورغم أنها منشأة من خلال أجهزة تحترم القانون تتكون من أكثر من ثمانية طوابق.
4ــ هل رأيتم عمارات مشروع اسمه777 تابع للقوات المسلحة, ومشروع ميلسيا التابع للقوات المسلحة إنها أيضا أكثر من ثمانية طوابق.
5ــ هل مررتم علي الشارع خلف الحديقة الدولية, من جهة بنايات تابعة للقوات المسلحة, ورأيتم كيف تحول الشارع إلي مواقف للسيارات بمظلات ثابتة داخل عرض الشارع, بل وأنشأت بالمباني وحدة كنتين بعرض الشارع ذاته, وكذلك مظلات لمداخل هذه البنايات من الخرسانة وتحول عرض الشارع من16 مترا إلي أقل من8 أمتار.
إن هذه النماذج توضح بجلاء لمن يسعي بحق للضرب علي التسيب والإهمال, إن الحي له العديد من الجهات التي تطبق ما تراه هي من القوانين, وتبعا لمصالحها ومتطلباتها, وإلا لماذا الشركة عماراتها أكثر من ثمانية طوابق, والآخرون محرم عليهم ذلك, هل العمارات التي تقام من خلال جهات مثل الشرطة والقوات المسلحة, لها قوانين خارج سلطة الأحياء؟ وإذا كان فلماذا وهي أراض كانت أساسا معسكرات ولم تبع لهم باعتبارها ذات مواصفات خاصة في الارتفاعات, هل من حق الشركة المسئولة عن الحي بكامله والمالكة الحكومية الأساسية للأرض بها أن تسن للأراضي التي ستقام عليها مشاريعها قوانين وقرارات تخدم مصالحها فقط؟, هل الشارع أصبح له أكثر من جهة تحكمه وتقرر قوانينه؟
الخلاصة إنها منظومة ضائعة, ليس فقط محليات وجهات إشرافية, وليست فقط جهات مسئولة عن سن وتطبيق القوانين, ولكنها المنظومة بكاملها ولن تنصلح الأمور بالضرب في الحلقة الضعيفة, والمخطئة أيضا, مع ترك كل الحلقات والنقاط الأخري دون علاج فقط لأنها قوية أو ذات سيادة خاصة.
أوافق صاحب هذه الرسالة علي كل كلمة كتبها, وأؤكد وأدعو معه, إلي منظومة كاملة وصحيحة تطبق علي الجميع, حتي نحمي بلادنا من التشتت والضياع.