مقالات الأهرام اليومى

قلوبنا مع لبنان وتويني

ها هو الإرهاب يواصل جرائمه في قلب العاصمة اللبنانية بيروت‏,‏ ويرتكب جريمة جديدة بحجم جريمة اغتيال رفيق الحريري‏,‏ رئيس وزراء لبنان الأسبق‏,‏ فلقد امتدت يد الإرهاب الآثمة إلي الصحفي والنائب جبران تويني في اللحظة التي ارتفعت فيها قامته وتحول إلي رمز‏,‏ يعبر عن وحدة المسلمين والمسيحيين في لبنان‏,‏ ورغبتهم في العيش في حرية وسلام ومساواة وكرامة‏.‏

وفي هذه اللحظة الحزينة فإن قلبي مع لبنان وأهله‏,‏ ودعائي له بأن يظل قويا متماسكا ومتحدا‏,‏ وقلبي مع والده غسان تويني‏,‏ القلعة الصحفية الشامخة‏,‏ الذي فقد ابنه الوحيد‏,‏ ولم يتبق له في شيخوخته إلا العيش مع دار النهار ومع أحفاده‏.‏

وليكن عزاؤنا له أن ابنه شهيد للحرية‏,‏ وأن تأثيره السياسي الكبير في الأشهر الأخيرة قد صنع منه رمزا سياسيا‏,‏ وجعل من داره بيتا للحرية‏,‏ وتلك معادلة صعبة يعجز عن تحقيقها شخص عادي‏.‏

فالشهادة تنير النهار مهما ترتكب أيدي الأشرار من تخريب وقتل‏.‏ ونرسل له بدعواتنا وعزائنا‏,‏ فنحن ندرك حجم الخسارة‏,‏ وقد كابدنا معا الآم الإرهاب والتطرف شعبا وأفرادا‏.‏

لقد عرفت الأب والابن‏,‏ وأدركت معني الاستمرار والتعاقب بين الأجيال‏,‏ كان غسان تويني يتحدث دائما عن أبيه مؤسس النهار‏,‏ وعن أبنائه الذين رحلوا الواحد تلو الآخر‏,‏ ويتحدث ابنه جبران عن أبيه وجده الذي يحمل اسمه‏.‏ ووسط هذا التواصل النادر كنت أكتشف الدور‏,‏ وألمسه‏,‏ وأدرك وأعايش حجم الكارثة في لبنان الذي خرج من حرب أهلية دامية‏,‏ ولم يتعاف منها بعد‏,‏ ليشهد من جديد حرب السيارات المفخخة‏,‏ وكوارث الاغتيال التي صارت مسلسلا داميا في بيروت منذ مقتل الحريري‏.‏

إن الجريمة الجديدة سوف تفجر براكين من الكراهية‏,‏ كنا ومازلنا‏,‏ نتمني خمودها‏,‏ لكن أصحاب ماكينة القتل ليس لهم عنوان لنحذرهم أو نمنعهم من الوقوع في براثنها‏,‏ فلقد صنعتهم عقول بلا ضمائر‏,‏ وغذتهم علي مدي سنوات طويلة‏,‏ حتي أصبحوا آلة شيطانية خارجة عن السيطرة‏,‏ يريدون الموت لأنفسهم وللآخرين‏,‏ ليكون الموت بالجملة‏!.‏

وعلي الرغم من كل شيء فإن علينا أن نحتكم إلي العقل والحكمة‏,‏ حتي لا نجعل من منطقتنا مقبرة جماعية‏,‏ تختلط فيها كل أنواع القتل والتطرف‏,‏ إن هناك من يقتل باسم الدين‏,‏ وهناك من يتخذ من القومية مبررا لفعلته الشنعاء وإذا تركنا الأمور تسير علي هذا النحو‏,‏ فإننا بذلك سوف نفتح المجال لاستباحة أوطاننا أمام كل أنواع التدخل الخارجي‏,‏ والقوي الباحثة عن دور لتتحكم فينا‏,‏ وتفرض علينا أجندتها أو مؤامراتها الكبري‏.‏

لقد زادت الجريمة الأخيرة الموقف تعقيدا فيما يتعلق بالملف السوري ـ اللبناني‏,‏ المرتبك أساسا‏,‏ والذي تتداخل فيه قوي دولية عديدة‏,‏ أمريكا وفرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة‏,‏ ولجان التحقيق الدولية المحكومة بقرارات دولية متعددة‏,‏ وهو مايدفعنا إلي دعوة الأطراف كلها إلي تحكيم العقل وضبط النفس‏,‏ وأن تلتزم الأمم المتحدة بأقصي درجات العقلانية والحيدة‏,‏ وإلي دعوة الجامعة العربية أيضا إلي التدخل‏,‏ وأن تكون شريكا فاعلا ومؤثرا‏,‏ وألا تترك هذه القضية الحيوية بالنسبة لنا لمعالجة المجتمع الدولي وحده‏.‏

إن القضايا المتشابكة والمعقدة هي التي تحكم منطقة الشرق الأوسط الآن‏.‏ وقد أصبحت كلها متداخلة ومترابطة‏,‏ من القضية الفلسطينية التي تقف علي حافة بركان‏,‏ إلي العراق الذي أصبح تجمعا للإرهاب والتطرف‏,‏ في ظل الاحتلال الأمريكي الذي أصبحت حياة العراقيين معه مستحيلة‏,‏ ثم حروب الإرهاب والتطرف التي تصنع يوميا المخاوف بين الشرق والغرب‏,‏ وهذه القضايا أصبحت ثقيلة علي منطقتنا بأكثر مما تحتمل‏,‏ الأمر الذي يوجب علينا ألا نخلق مناطق جديدة للتوتر والحروب‏,‏ بل ويدفعنا إلي الإسراع في معالجة الاختلالات مهما تكن صعوباتها‏,‏ وتصحيح أوضاعنا الداخلية لكي يزداد التلاحم بين شعوبنا ودول منطقتنا‏.‏

فلنغسل أيدينا جميعا من القتلة‏,‏ ولنساعد علي كشفهم‏,‏ وإتاحة كل الفرص أمام التحقيق الدولي المحايد لمحاكمتهم‏,‏ علي أمل تحقيق الاستقرار ليس في سوريا ولبنان وحدهما‏,‏ بل وفي المنطقة كلها‏.‏ ولندرك أن استمرار القاتل طليقا والفاعل مجهولا سوف يجعل الجميع مهددين‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى