قلوبنا مع لبنان وتويني

وفي هذه اللحظة الحزينة فإن قلبي مع لبنان وأهله, ودعائي له بأن يظل قويا متماسكا ومتحدا, وقلبي مع والده غسان تويني, القلعة الصحفية الشامخة, الذي فقد ابنه الوحيد, ولم يتبق له في شيخوخته إلا العيش مع دار النهار ومع أحفاده.
وليكن عزاؤنا له أن ابنه شهيد للحرية, وأن تأثيره السياسي الكبير في الأشهر الأخيرة قد صنع منه رمزا سياسيا, وجعل من داره بيتا للحرية, وتلك معادلة صعبة يعجز عن تحقيقها شخص عادي.
فالشهادة تنير النهار مهما ترتكب أيدي الأشرار من تخريب وقتل. ونرسل له بدعواتنا وعزائنا, فنحن ندرك حجم الخسارة, وقد كابدنا معا الآم الإرهاب والتطرف شعبا وأفرادا.
لقد عرفت الأب والابن, وأدركت معني الاستمرار والتعاقب بين الأجيال, كان غسان تويني يتحدث دائما عن أبيه مؤسس النهار, وعن أبنائه الذين رحلوا الواحد تلو الآخر, ويتحدث ابنه جبران عن أبيه وجده الذي يحمل اسمه. ووسط هذا التواصل النادر كنت أكتشف الدور, وألمسه, وأدرك وأعايش حجم الكارثة في لبنان الذي خرج من حرب أهلية دامية, ولم يتعاف منها بعد, ليشهد من جديد حرب السيارات المفخخة, وكوارث الاغتيال التي صارت مسلسلا داميا في بيروت منذ مقتل الحريري.
إن الجريمة الجديدة سوف تفجر براكين من الكراهية, كنا ومازلنا, نتمني خمودها, لكن أصحاب ماكينة القتل ليس لهم عنوان لنحذرهم أو نمنعهم من الوقوع في براثنها, فلقد صنعتهم عقول بلا ضمائر, وغذتهم علي مدي سنوات طويلة, حتي أصبحوا آلة شيطانية خارجة عن السيطرة, يريدون الموت لأنفسهم وللآخرين, ليكون الموت بالجملة!.
وعلي الرغم من كل شيء فإن علينا أن نحتكم إلي العقل والحكمة, حتي لا نجعل من منطقتنا مقبرة جماعية, تختلط فيها كل أنواع القتل والتطرف, إن هناك من يقتل باسم الدين, وهناك من يتخذ من القومية مبررا لفعلته الشنعاء وإذا تركنا الأمور تسير علي هذا النحو, فإننا بذلك سوف نفتح المجال لاستباحة أوطاننا أمام كل أنواع التدخل الخارجي, والقوي الباحثة عن دور لتتحكم فينا, وتفرض علينا أجندتها أو مؤامراتها الكبري.
لقد زادت الجريمة الأخيرة الموقف تعقيدا فيما يتعلق بالملف السوري ـ اللبناني, المرتبك أساسا, والذي تتداخل فيه قوي دولية عديدة, أمريكا وفرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة, ولجان التحقيق الدولية المحكومة بقرارات دولية متعددة, وهو مايدفعنا إلي دعوة الأطراف كلها إلي تحكيم العقل وضبط النفس, وأن تلتزم الأمم المتحدة بأقصي درجات العقلانية والحيدة, وإلي دعوة الجامعة العربية أيضا إلي التدخل, وأن تكون شريكا فاعلا ومؤثرا, وألا تترك هذه القضية الحيوية بالنسبة لنا لمعالجة المجتمع الدولي وحده.
إن القضايا المتشابكة والمعقدة هي التي تحكم منطقة الشرق الأوسط الآن. وقد أصبحت كلها متداخلة ومترابطة, من القضية الفلسطينية التي تقف علي حافة بركان, إلي العراق الذي أصبح تجمعا للإرهاب والتطرف, في ظل الاحتلال الأمريكي الذي أصبحت حياة العراقيين معه مستحيلة, ثم حروب الإرهاب والتطرف التي تصنع يوميا المخاوف بين الشرق والغرب, وهذه القضايا أصبحت ثقيلة علي منطقتنا بأكثر مما تحتمل, الأمر الذي يوجب علينا ألا نخلق مناطق جديدة للتوتر والحروب, بل ويدفعنا إلي الإسراع في معالجة الاختلالات مهما تكن صعوباتها, وتصحيح أوضاعنا الداخلية لكي يزداد التلاحم بين شعوبنا ودول منطقتنا.
فلنغسل أيدينا جميعا من القتلة, ولنساعد علي كشفهم, وإتاحة كل الفرص أمام التحقيق الدولي المحايد لمحاكمتهم, علي أمل تحقيق الاستقرار ليس في سوريا ولبنان وحدهما, بل وفي المنطقة كلها. ولندرك أن استمرار القاتل طليقا والفاعل مجهولا سوف يجعل الجميع مهددين.