خطيئة الإرهاب وخطأ الدولة الكبرى

أخافنى الحادث المروع والمدبر لانفجار سفارتى أمريكا فى كينيا وتنزانيا، وأعاد تركيزى على خطر الإرهاب الذى يحيط بشعوبنا ومنطقتنا، ويحدق فينا ويصوب نيرانه إلينا جميعا.. وبالرغم من أنه ليس حادثا جديدا، لكنه أعاد التأكيد والإعلان عن المرحلة التى نعيشها، فقد تكرر بأشكال مختلفة فى مصر و الخليج والشام والمغرب.
ومازالت النيران المتقطعة والمستمرة لها تأثير واضح على حياة جميع الشعوب العربية، ويكفى للتدليل على ذلك أن ننظر حولنا لنرى الجزائر تهلك، والخطر يحدق فى المغرب العربى، والحروب والفتن تأكل السودان، وتطحن شعبها، وآثار الإرهاب تسرى بدءا بالقتال وانتهاء بالمجاعة، وإبادة الحياة والبشر.
وإذا حللنا بالكثير من الموضوعية سنجد أن السياسة الأمريكية لها تأثير ودور واضحين فيما آلت إليه منطقتنا، فقد خططت لانهيارها، وساعدها فى هذه المهمة المتطرفون والجهلاء، وقد بدأت الحلقة تكتمل وتنتقل بسرعة من نقطة إلى أخرى.. فها هى العراق فى قلب بلاد العرب تهددها المجاعة والانهيار والتقسيم، والفلسطينيون خبا فيهم الأمل، وبدأ الصراع يدب بينهم، والقتال والفوضى تنتقل بسرعة العدوى، أما الشرارة التى تركناها مشتعلة فى أفغانستان، فتصورنا أنها بعيدة عنا.. حمل رايتها المتطرفون والجهلاء وتركناهم يتسلطون على شعبها بمساعدة بعضنا، وبتوجيه أمريكى، هذه الشرارة تنتقل الآن جغرافيا، وبسهولة ويسر فى أرجاء المنطقة التى تعيش حالة يائسة نتائجها سوف تطال الجميع، نتيجة لقصور فى التفكير وغياب الرؤية الجماعية للأنظمة القائمة، فتحليلها القاصد، أنه ما دامت النيران بعيدة، فإنها لن تطالهم، فى حين أنهم جميعا يرونها رأى العين تحيط بهم، ومن حولهم.. بل إنها تشتعل فى جميع الأطراف، تمهيدا لتأكل المركز بعد سقوط المحيط.
وسط هذا الاشتعال والخطر.. نجد أن السياسة الأمريكية وهى القوى الكبرى والحاكمة فى عالمنا المعاصر الآن، إما مترددة أو خائفة أو تمالىء التطرف فى إسرائيل وتسكت أو تشجع نيتانياهو على تجميد السلام، وتأجيج الصراع الدينى المشتعل فى المنطقة منذ ٠٥ عاما بعد قيام إسرائيل فى قلبها، واستيلائها على العاصمة الدينية الأولى للديانات السماوية الثلاث، وخطورة المرحلة الراهنة من الصراع العربى الإسرائيلى، أنها تجىء بعد السلام المفتعل، وتوقف الحروب العسكرية النظامية، وبداية حروب الفوضى والإرهاب، وخطرها الناجم من أنها تنتقل وتتغذى من القلوب الحزينة لغياب العدالة، وأكل الحقوق العربية فى فلسطين وسوريا ولبنان، ويصعب السيطرة عليها لغياب السياسات الحكيمة.
كما أن المنطقة تشهد بعدا آخر للخوف والخطورة، نجم بعد حربين طاحنتين فى الخليج العربى، أتتا على الثمار وأكلتا المدخرات، ونقلتا شعوب هذه المنطقة من موضع اقتصادى متميز إلى وضع مختلف، يتسم بالقصور فى الاقتصاديات والعجز فى الموازنات وقلة الاستثمارات، وبداية الشعور بالخوف من انعدام الأمان الاقتصادى، وتسلط القوى الأجنبية على الموارد الاقتصادية، بل على القرار الوطنى، وصاحب ذلك ضياع الثروة المدخرات اللتين مولتا الحربين العبثيتين عن طريق تدبير محكم للأغنياء والقوى الاجتماعية، لإنهاء أىة قوة، أو تأثير لسلعة النفط، رغم حيويتها لاقتصادياتها لشعوبنا، كذلك بعد انهيار أسعارها، وتهافت المنتجين على أسواق المستهلكين خوفا وطمعا.
هذه منطقتنا تعانى وتواجه نذر الخوف والإرهاب، والعالم القوى من حولها يسلط عليها عقوبات سياسية واقتصادية لا تطال الأنظمة المخطئة، لكنها تؤثر فى الشعوب، وتزيد من معاناتها، وتعمق من إحباطاتها وتعضد من نفوذ المتطرفين والإرهابيين والجهلاء والفاسدين، الذين يستغلون هذا المناخ، ويعيثون فى الأرض فسادا، ويتصورون أنهم بعملياتهم وقنابلهم الشاردة يقتلون الأنظمة الحاكمة والمستبدة فى النظام العالمى القائم، ويحصلون على جزء من حقوقهم، وفجأة يجدون هذه النيران ترتد إلى صدورهم، وتصيب الضعفاء أول ما تصيب، فالخطر يطال الجميع، ولن يفلت منه أحد، فالشرق الأوسط ليس جزيرة منعزلة أو نائية، فهو وسط العالم ويربط الشرق والغرب، والنيران المشتعلة فيه تهدد أوروبا وأمريكا وآسيا، كما تهدد شعوبنا.
إن هذا الحادث البشع والمدبر صدر من جماعات إرهابية وجدت طريقها للتعاون باستغلال الثغرات القائمة فى النظام العالمى الراهن، وبالاستفادة من التكنولوجية المتاحة فى الأسواق، وتتغذى على وقود تستغل من خلاله التناقضات والفوارق بين الشعوب والأنظمة، والأخطر أنها جماعات لم يشهد العالم نظيرا لتطرفها، لأن قوتها فى جهلها وتوجهها، وغياب السياسات العادلة والحكيمة للنظام العالمى الحاكم فى العالم وفى منطقتنا.