كيف اختارالحزب الوطني مرشحيه؟

في الطريق إلي البرلمان الجديد عقبات ومشكلات كثيرة تواجهها الأحزاب والقوي المختلفة في بيئة سياسية تغيرت كثيرا, وتحمل ملامح عديدة للتغيير في المستقبل. وتختلف هذه المشكلات باختلاف حجم الأحزاب وتباين قدراتها في توجيه النشاط السياسي العام في المجتمع. وخلال الأسبوع الماضي واجه الحزب الوطني الذي تنتشر كوادره في طول البلاد وعرضها أولي هذه المشكلات.
فاختيار المرشحين, الذي يواجه مشكلة الندرة في الأحزاب, واجه مشكلة الوفرة في الحزب الوطني. وإذا كانت هذه المشكلة قد تم تجاوزها من خلال سياسات واضحة معلنة للحزب تحظي بالإجماع داخل صفوفه, إلا أن هذا التحدي الذي واجهه الحزب أخيرا يستحق نظرة تحليلية متأنية. فالحياة السياسية المصرية طوال العقود الثلاثة الأخيرة تتمحور حول هذا الحزب, تتأثر هي بما يجري داخله, ولا يتأثر هو بما يجري فيها بسبب ضعف الشركاء السياسيين. ولذلك ارتبطت حيوية الحياة السياسية المصرية وفاعليتها بأنشطة الحزب الوطني صعودا وهبوطا.
ومن هنا يظل الحفاظ علي الحراك السياسي العام الذي جاءت به الانتخابات الرئاسية الأخيرة مرتبطا بالحراك السياسي داخل الحزب, واستجابته للمتغيرات الكثيرة التي حدثت في مصر, فهو يمثل التيار السائد في المجتمع, ويحظي بأغلبية مقاعد البرلمان في كل انتخابات يخوضها, بل إن أنشطته اليوم هي المؤشر الأقوي لما سوف يكون عليه الوضع في المستقبل.
أزمة الاختيار واختيار الأزمة
لقد كان اختيار مرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية المقبلة أزمة عابرة في مساعي تجديد آليات العمل والفرز والاختيار داخل الحزب الوطني. ومن الطبيعي أن تواجه الأفكار والآليات الجديدة شيئا من المقاومة, خاصة من جانب الذين لم تتحقق مصالحهم في ظل سياسات الاختيار الجديدة للمرشحين. ومن المؤكد أن قيادات الحزب كانت علي وعي بما سوف تأتي به هذه السياسات المستحدثة, ولكنها آثرت خوض التجربة الجديدة بكل ما تحمله من تأثيرات إيجابية علي مستقبل الحزب والحياة السياسية, علي الرغم من الأزمة التي يمكن أن تنتج عنها. فمشكلة انشقاق البعض علي اختيارات مرشحي الحزب كانت ثمنا زهيدا لتجربة فريدة وجديدة في تاريخ الحزب الوطني, الذي لم يعبأ بهذه الأزمة العابرة في سبيل إقرار آلية غير مسبوقة لاختيار مرشحيه وهي الآلية التي يكشف بها عن حيويته واستجابته للمتغيرات التي ظهرت علي الساحة السياسية المصرية.
إن الأمر الذي لاشك فيه هو أن اختيار المرشحين مشكلة تواجه الأحزاب الكبيرة. فمن ناحية هناك مرشحون يفوق عددهم عشرة أضعاف العدد المطلوب, ومن ناحية ثانية هناك شارع يتساءل عن خصائص وأهلية هؤلاء المرشحين, ويريد أن يعرف ماهي المعايير التي تم اختيارهم بناء عليها. ومن ناحية ثالثة هناك مسئوليات ومهام وواجبات تنتظرهم في حالة فوزهم بثقة ناخبيهم أمام الحزب وأمام دوائرهم.
ولقد تمخضت تجربة الحزب الجديدة ـ في اختيار مرشحيه ـ عن تغيير130 نائبا سابقا والدفع بنحو146 وجها سياسيا جديدا إلي معترك الانتخابات. وإذا كانت نسبة التغيير قد تجاوزت35%, فإن ذلك لم يكن سهلا بل كان قرارا صعبا. فالانتخابات البرلمانية في اي مكان من العالم لاتخضع لتغييرات كبيرة ومفاجئة في المرشحين, وليس من حق أحد أن يمنع مواطنا من ترشيح نفسه. وفي الطريق إلي اختيار المرشحين استخدم الحزب اسلوبا حديثا لجمع البيانات عنهم. وفي202 دائرة تم استطلاع رأي المواطنين والنخب الحزبية والمجموعة السياسية في كل دائرة, بالإضافة إلي الدوائر الصحراوية التي كان لها أسلوب مختلف في الاستقصاء.
ولم يكن الاستطلاع بهدف اختيار مرشح ما, بقدر ما كان أسلوبا عمليا وعلميا في تقويم المرشحين والكشف عن الشعور العام في كل دائرة نحو كل مرشح. وقد اسفرت عمليات التقويم عن اختيار سبعة مرشحين في كل دائرة تم إخضاعهم لتقويم آخر من جانب المجمعات الانتخابية علي اساس السن والكفاءة والسمعة والقدرة علي العمل الجماعي داخل صفوف الحزب, والحقيقة أنها عملية شاقة أمام ضرورة الاختيار بين كفاءات متماثلة, كنا نود أن يكونوا جميعا مرشحين. لكنه مقعد واحد.. ومن الضروري أن تختار ولو علي حساب الآخر الذي فضل الانشقاق علي الانتماء الحزبي. ولذلك حين تساوي التقويم بين مرشحين كان الاختيار يذهب للنائب الحالي ثم الأصغر سنا ثم التغطية الجغرافية المتوازنة. وقد اسفرت عمليات الاختيار عن40 ألف استمارة تم إدخالها إلي الحاسب الآلي وبها120 مدخلا للبيانات. وهكذا تمت أكبر عملية لاختيار المرشحين من كثرة عددية هائلة راغبة في الترشيح.
الخروج علي الحزب
ما إن اعلنت ترشيحات الحزب حتي بدأ البعض في الخروج والإعلان عن ترشيح أنفسهم منافسين للمرشحين الذين أفرزتهم آلية الاختيار الجديدة. ولم يعبأ هؤلاء بالدعم الذي قدمه لهم الحزب من قبل, وربما لم يفكر البعض أيضا فيما سوف يقولونه للناخبين عن سياسات الحزب وبرامجه التي عملوا تحت رايتها زمنا طويلا وهم في معترك المنافسة مع مرشحيه. ومهما يكن من أمر هؤلاء فإن قضية الخروج علي الحزب تدفعنا إلي الحديث باتجاه عدد من القضايا المهمة علي النحو التالي:
أولا: إن الوقت الفاصل بين انتخابات الرئاسة وعملية اختيار المرشحين كان قصيرا جدا. ولم يتح للحزب من الوقت ما يكفي لغرس مفاهيم الاختيار الجديدة في نفوس الراغبين في الترشيح وبالتالي تقبل نتائجها في إطار الالتزام الحزبي. فالاختيار المتدرج عبر فترة زمنية أطول كان كفيلا بالإقلال من حجم ظاهرة الخروج علي الحزب. ومن الضروري أن تخضع فكرة المجمع الانتخابي لتقييم متأن ربما يدفع الحزب نحو الانتخابات التمهيدية داخل صفوفه في الانتخابات القادمة. فالاختيار الموضوعي المستند إلي اسس واضحة ومعلنة سلفا تصرف جديد لم تعرفه حياتنا الحزبية من قبل, ومن الطبيعي أن يلقي اعتراضا من البعض أو تحفظا عليه. ولكن الإصرار علي هذا النهج سوف يرسخ مفهوم الالتزام الحزبي في الاختيارات المقبلة. وأحسب أن الحزب الوطني قد خرج من هذه التجربة بدروس ونتائج إيجابية سوف تنعكس بالضرورة فيما سوف يحققه الحزب في الانتخابات المقبلة.
ثانيا: ضرورة تفعيل دور المجالس المحلية في حياتنا السياسية بحيث يصبح لها دور رقابي حقيقي, وبالتالي تمثل منفذا مهما للمشاركة السياسية الفاعلة تخفف الضغط علي الانتخابات البرلمانية وتتيح لقيادات كثيرة مكانا في محافظاتها. وقد أعطي تعديل المادة76 من الدستور المجالس المحلية دورا بارزا في اختيار مرشحي الرئاسة ولكن ذلك يستلزم تطوير قانون الإدارة المحلية والبحث في كل ما من شأنه أن يساعد هذه المجالس في القيام بدور اساسي علي مستوي المراكز والمحافظات. وبالطبع فإن هذا الإجراء سوف يوفر مجالا أوسع لها لاختبار قدرات النشطاء السياسيين في مواقعهم مما يسهل عمليات اختيار المرشحين للانتخابات البرلمانية فيما بعد.
ثالثا: إن البداية الحقيقية لممارسة سياسية نشيطة وملموسة هي أن تختفي شخصية المرشح وراء شخصية الحزب وبرامجه. ومثل هذه الممارسة كفيلة بترشيد سلوك الناخب أمام صناديق الاقتراع. فحياتنا السياسية في حاجة إلي مرشح يحمل هموم الوطن إلي جانب هموم دائرته في إطار برنامج الحزب المطروح. والحزب الوطني يخوض الانتخابات وفقا للبرنامج الذي طرحه الرئيس حسني مبارك في انتخابات الرئاسة وهو برنامج يحمل آمالا كبيرة وطموحات هائلة تمس هموم الوطن والمواطن في كل دائرة انتخابية. فلقد منح المصريون ثقتهم الهائلة للرئيس مبارك ويعي كل منهم أن تنفيذ برنامج الرئيس مرهون ببرلمان قوي قادر علي دعم الجهود اللازمة لتنفيذه, ومن هذا المنطلق يتوقع الناخبون أن يترجم الحزب هذا البرنامج إلي واقع يلامس احتياجات الدوائر الانتخابية المختلفة بما يدعم مرشحي الحزب ولايطغي بوعود المرشح علي برنامج الحزب وتعهداته الكبري.
لابد أن يشعر الناخب بأن برنامج الحزب يستجيب لاحتياجاته ويعمل من أجل مصالحه وأحسب أن المرشحين يتحملون مسئولية كبري في دعم وجود الحزب وبرنامجه في الوجدان العام. فليس هناك مرشح يستطيع منفردا ان يواجه مشكلات دائرته واحتياجات ابنائها التي هي في معظمها مشكلات عامة واحتياجات شائعة عبر الدوائر المختلفة. ومشكلة التداخل بين شخصية المرشح وشخصية الأحزاب في التجربة السياسية المصرية ترجع إلي ضعف فاعلية القواعد الحزبية من ناحية والوقوع في أسر العلاقات الشخصية من جانب الناخبين من ناحية أخري. وهذه المشكلة ليس من السهل التخلص منها سريعا ولكنها مشكلة تقوض أسس المنافسة الحزبية في الشارع السياسي. فالمصالح الضيقة للناخبين تحجب المصالح العامة وتذهب بكل جهد حزبي في سبيل برنامج وطني شامل.
فالتاريخ الطويل للانتخابات البرلمانية يحصر قرار الناخب في المرشح الذي يستطيع أن يقدم الخدمات الشخصية بما فيها ارتياد سرادقات العزاء خاصة في الريف. وربما تعاني الأحزاب الأخري هذه المشكلة أكثر من الحزب الوطني الذي تمكنه قدراته الراهنة من الربط بين مصالح الدوائر الانتخابية وبرنامجه الانتخابي وسياساته العامة.
ومن جانب المرشحين فإنه يتعين عليهم العمل وفق برامج الحزب وسياساته في الأساس وأن يسعوا إلي خدمة أبناء دوائرهم في ظل ما تمليه هذه البرامج وتلك السياسات. ومن الضروري أن يدخل هؤلاء المرشحون الانتخابات ولديهم شعور بأنهم جزء من كيان كبير يمثل غالبية المجتمع, ويحمل رسالة يدعمه فيها هذا الكيان الكبير بقدراته التنظيمية الهائلة. ولابد أيضا أن يدعم الحزب مرشحيه بحملة عامة مكثفة ترسخ مبادئه وبرنامجه في الأذهان وتشجع الناخبين علي المشاركة في الانتخابات.
رابعا: إن البعض ممن خرجوا علي الالتزام الحزبي حين طرحتهم جانبا عمليات اختيار موضوعية, يراهنون اليوم علي ميراث ثقافي تسبب طويلا في تعطيل تنمية الوعي الانتخابي في مصر. ففي طول البلاد وعرضها اليوم لافتات وشعارات وخطب تقول ما لاتستطيع الوفاء به, تداعب خيال البسطاء, وتلهب حماس الشباب. وهناك النخبة العازفة عن المشاركة في صناعة مستقبل هذا الوطن أو حتي ترشيد الوعي الانتخابي للذين لم ينالوا حظا من المعرفة اللازمة. فلقد عزلت النخبة نفسها عن التطورات التي تجري اليوم في حياتنا السياسية واختارت أن تنأي بنفسها عما كان لابد من الالتحام به. وبدلا من أن تدفع الوعي والحركة السياسية خطوات إلي الأمام وقف الكثيرون ممن ينتمون لهذه النخبة موقفا معوقا لهذا التطور.
والحقيقة أن الحراك السياسي لا يمكن أن يتحقق خارج الحياة الحزبية الصحيحة. فالأحزاب وحدها هي القادرة علي تنشيط الحياة السياسية والدفع بها نحو تحقيق مصالح الوطن والمواطن. ونحن بحاجة إلي تنمية وعي عام بمسئوليات أعضاء البرلمان خاصة التي ترتبط بالمصالح العليا للوطن, وبحاجة أيضا إلي تنمية الوعي بأهمية الأطر الحزبية للمرشحين في تنفيذ الوعود الانتخابية.
البرلمان المقبل..
وأخيرا أقول إن البرلمان المقبل يجب أن يتحمل مسئوليته في تغيير النظام الانتخابي بحيث يعمق التجربة الحزبية وينقل الإصلاح السياسي نقلة متطورة إلي الأمام. وعلينا الآن أن نجرب عمليات الإصلاح من خلال الانتخابات وندعو كل ناخب لكي يفكر ويدرس ويختار مرشحه وعلي النخب السياسية أن تلتحم بالشارع وتقود المواطنين إلي الأمام, وأن تحثهم علي المشاركة الإيجابية في كل أمور حياتهم. فهذا هو لب الإصلاح السياسي ونقطته المركزية.
في الطريق إلي البرلمان الجديد عقبات ومشكلات كثيرة تواجهها الأحزاب والقوي المختلفة في بيئة سياسية تغيرت كثيرا, وتحمل ملامح عديدة للتغيير في المستقبل. وتختلف هذه المشكلات باختلاف حجم الأحزاب وتباين قدراتها في توجيه النشاط السياسي العام في المجتمع. وخلال الأسبوع الماضي واجه الحزب الوطني الذي تنتشر كوادره في طول البلاد وعرضها أولي هذه المشكلات. فاختيار المرشحين, الذي يواجه مشكلة الندرة في الأحزاب, واجه مشكلة الوفرة في الحزب الوطني. وإذا كانت هذه المشكلة قد تم تجاوزها من خلال سياسات واضحة معلنة للحزب تحظي بالإجماع داخل صفوفه, إلا أن هذا التحدي الذي واجهه الحزب أخيرا يستحق نظرة تحليلية متأنية. فالحياة السياسية المصرية طوال العقود الثلاثة الأخيرة تتمحور حول هذا الحزب, تتأثر هي بما يجري داخله, ولا يتأثر هو بما يجري فيها بسبب ضعف الشركاء السياسيين. ولذلك ارتبطت حيوية الحياة السياسية المصرية وفاعليتها بأنشطة الحزب الوطني صعودا وهبوطا. ومن هنا يظل الحفاظ علي الحراك السياسي العام الذي جاءت به الانتخابات الرئاسية الأخيرة مرتبطا بالحراك السياسي داخل الحزب, واستجابته للمتغيرات الكثيرة التي حدثت في مصر, فهو يمثل التيار السائد في المجتمع, ويحظي بأغلبية مقاعد البرلمان في كل انتخابات يخوضها, بل إن أنشطته اليوم هي المؤشر الأقوي لما سوف يكون عليه الوضع في المستقبل. أزمة الاختيار واختيار الأزمة إن الأمر الذي لاشك فيه هو أن اختيار المرشحين مشكلة تواجه الأحزاب الكبيرة. فمن ناحية هناك مرشحون يفوق عددهم عشرة أضعاف العدد المطلوب, ومن ناحية ثانية هناك شارع يتساءل عن خصائص وأهلية هؤلاء المرشحين, ويريد أن يعرف ماهي المعايير التي تم اختيارهم بناء عليها. ومن ناحية ثالثة هناك مسئوليات ومهام وواجبات تنتظرهم في حالة فوزهم بثقة ناخبيهم أمام الحزب وأمام دوائرهم. ولقد تمخضت تجربة الحزب الجديدة ـ في اختيار مرشحيه ـ عن تغيير130 نائبا سابقا والدفع بنحو146 وجها سياسيا جديدا إلي معترك الانتخابات. وإذا كانت نسبة التغيير قد تجاوزت35%, فإن ذلك لم يكن سهلا بل كان قرارا صعبا. فالانتخابات البرلمانية في اي مكان من العالم لاتخضع لتغييرات كبيرة ومفاجئة في المرشحين, وليس من حق أحد أن يمنع مواطنا من ترشيح نفسه. وفي الطريق إلي اختيار المرشحين استخدم الحزب اسلوبا حديثا لجمع البيانات عنهم. وفي202 دائرة تم استطلاع رأي المواطنين والنخب الحزبية والمجموعة السياسية في كل دائرة, بالإضافة إلي الدوائر الصحراوية التي كان لها أسلوب مختلف في الاستقصاء. ولم يكن الاستطلاع بهدف اختيار مرشح ما, بقدر ما كان أسلوبا عمليا وعلميا في تقويم المرشحين والكشف عن الشعور العام في كل دائرة نحو كل مرشح. وقد اسفرت عمليات التقويم عن اختيار سبعة مرشحين في كل دائرة تم إخضاعهم لتقويم آخر من جانب المجمعات الانتخابية علي اساس السن والكفاءة والسمعة والقدرة علي العمل الجماعي داخل صفوف الحزب, والحقيقة أنها عملية شاقة أمام ضرورة الاختيار بين كفاءات متماثلة, كنا نود أن يكونوا جميعا مرشحين. لكنه مقعد واحد.. ومن الضروري أن تختار ولو علي حساب الآخر الذي فضل الانشقاق علي الانتماء الحزبي. ولذلك حين تساوي التقويم بين مرشحين كان الاختيار يذهب للنائب الحالي ثم الأصغر سنا ثم التغطية الجغرافية المتوازنة. وقد اسفرت عمليات الاختيار عن40 ألف استمارة تم إدخالها إلي الحاسب الآلي وبها120 مدخلا للبيانات. وهكذا تمت أكبر عملية لاختيار المرشحين من كثرة عددية هائلة راغبة في الترشيح. الخروج علي الحزب أولا: إن الوقت الفاصل بين انتخابات الرئاسة وعملية اختيار المرشحين كان قصيرا جدا. ولم يتح للحزب من الوقت ما يكفي لغرس مفاهيم الاختيار الجديدة في نفوس الراغبين في الترشيح وبالتالي تقبل نتائجها في إطار الالتزام الحزبي. فالاختيار المتدرج عبر فترة زمنية أطول كان كفيلا بالإقلال من حجم ظاهرة الخروج علي الحزب. ومن الضروري أن تخضع فكرة المجمع الانتخابي لتقييم متأن ربما يدفع الحزب نحو الانتخابات التمهيدية داخل صفوفه في الانتخابات القادمة. فالاختيار الموضوعي المستند إلي اسس واضحة ومعلنة سلفا تصرف جديد لم تعرفه حياتنا الحزبية من قبل, ومن الطبيعي أن يلقي اعتراضا من البعض أو تحفظا عليه. ولكن الإصرار علي هذا النهج سوف يرسخ مفهوم الالتزام الحزبي في الاختيارات المقبلة. وأحسب أن الحزب الوطني قد خرج من هذه التجربة بدروس ونتائج إيجابية سوف تنعكس بالضرورة فيما سوف يحققه الحزب في الانتخابات المقبلة. ثانيا: ضرورة تفعيل دور المجالس المحلية في حياتنا السياسية بحيث يصبح لها دور رقابي حقيقي, وبالتالي تمثل منفذا مهما للمشاركة السياسية الفاعلة تخفف الضغط علي الانتخابات البرلمانية وتتيح لقيادات كثيرة مكانا في محافظاتها. وقد أعطي تعديل المادة76 من الدستور المجالس المحلية دورا بارزا في اختيار مرشحي الرئاسة ولكن ذلك يستلزم تطوير قانون الإدارة المحلية والبحث في كل ما من شأنه أن يساعد هذه المجالس في القيام بدور اساسي علي مستوي المراكز والمحافظات. وبالطبع فإن هذا الإجراء سوف يوفر مجالا أوسع لها لاختبار قدرات النشطاء السياسيين في مواقعهم مما يسهل عمليات اختيار المرشحين للانتخابات البرلمانية فيما بعد. ثالثا: إن البداية الحقيقية لممارسة سياسية نشيطة وملموسة هي أن تختفي شخصية المرشح وراء شخصية الحزب وبرامجه. ومثل هذه الممارسة كفيلة بترشيد سلوك الناخب أمام صناديق الاقتراع. فحياتنا السياسية في حاجة إلي مرشح يحمل هموم الوطن إلي جانب هموم دائرته في إطار برنامج الحزب المطروح. والحزب الوطني يخوض الانتخابات وفقا للبرنامج الذي طرحه الرئيس حسني مبارك في انتخابات الرئاسة وهو برنامج يحمل آمالا كبيرة وطموحات هائلة تمس هموم الوطن والمواطن في كل دائرة انتخابية. فلقد منح المصريون ثقتهم الهائلة للرئيس مبارك ويعي كل منهم أن تنفيذ برنامج الرئيس مرهون ببرلمان قوي قادر علي دعم الجهود اللازمة لتنفيذه, ومن هذا المنطلق يتوقع الناخبون أن يترجم الحزب هذا البرنامج إلي واقع يلامس احتياجات الدوائر الانتخابية المختلفة بما يدعم مرشحي الحزب ولايطغي بوعود المرشح علي برنامج الحزب وتعهداته الكبري. لابد أن يشعر الناخب بأن برنامج الحزب يستجيب لاحتياجاته ويعمل من أجل مصالحه وأحسب أن المرشحين يتحملون مسئولية كبري في دعم وجود الحزب وبرنامجه في الوجدان العام. فليس هناك مرشح يستطيع منفردا ان يواجه مشكلات دائرته واحتياجات ابنائها التي هي في معظمها مشكلات عامة واحتياجات شائعة عبر الدوائر المختلفة. ومشكلة التداخل بين شخصية المرشح وشخصية الأحزاب في التجربة السياسية المصرية ترجع إلي ضعف فاعلية القواعد الحزبية من ناحية والوقوع في أسر العلاقات الشخصية من جانب الناخبين من ناحية أخري. وهذه المشكلة ليس من السهل التخلص منها سريعا ولكنها مشكلة تقوض أسس المنافسة الحزبية في الشارع السياسي. فالمصالح الضيقة للناخبين تحجب المصالح العامة وتذهب بكل جهد حزبي في سبيل برنامج وطني شامل. فالتاريخ الطويل للانتخابات البرلمانية يحصر قرار الناخب في المرشح الذي يستطيع أن يقدم الخدمات الشخصية بما فيها ارتياد سرادقات العزاء خاصة في الريف. وربما تعاني الأحزاب الأخري هذه المشكلة أكثر من الحزب الوطني الذي تمكنه قدراته الراهنة من الربط بين مصالح الدوائر الانتخابية وبرنامجه الانتخابي وسياساته العامة. ومن جانب المرشحين فإنه يتعين عليهم العمل وفق برامج الحزب وسياساته في الأساس وأن يسعوا إلي خدمة أبناء دوائرهم في ظل ما تمليه هذه البرامج وتلك السياسات. ومن الضروري أن يدخل هؤلاء المرشحون الانتخابات ولديهم شعور بأنهم جزء من كيان كبير يمثل غالبية المجتمع, ويحمل رسالة يدعمه فيها هذا الكيان الكبير بقدراته التنظيمية الهائلة. ولابد أيضا أن يدعم الحزب مرشحيه بحملة عامة مكثفة ترسخ مبادئه وبرنامجه في الأذهان وتشجع الناخبين علي المشاركة في الانتخابات. رابعا: إن البعض ممن خرجوا علي الالتزام الحزبي حين طرحتهم جانبا عمليات اختيار موضوعية, يراهنون اليوم علي ميراث ثقافي تسبب طويلا في تعطيل تنمية الوعي الانتخابي في مصر. ففي طول البلاد وعرضها اليوم لافتات وشعارات وخطب تقول ما لاتستطيع الوفاء به, تداعب خيال البسطاء, وتلهب حماس الشباب. وهناك النخبة العازفة عن المشاركة في صناعة مستقبل هذا الوطن أو حتي ترشيد الوعي الانتخابي للذين لم ينالوا حظا من المعرفة اللازمة. فلقد عزلت النخبة نفسها عن التطورات التي تجري اليوم في حياتنا السياسية واختارت أن تنأي بنفسها عما كان لابد من الالتحام به. وبدلا من أن تدفع الوعي والحركة السياسية خطوات إلي الأمام وقف الكثيرون ممن ينتمون لهذه النخبة موقفا معوقا لهذا التطور. والحقيقة أن الحراك السياسي لا يمكن أن يتحقق خارج الحياة الحزبية الصحيحة. فالأحزاب وحدها هي القادرة علي تنشيط الحياة السياسية والدفع بها نحو تحقيق مصالح الوطن والمواطن. ونحن بحاجة إلي تنمية وعي عام بمسئوليات أعضاء البرلمان خاصة التي ترتبط بالمصالح العليا للوطن, وبحاجة أيضا إلي تنمية الوعي بأهمية الأطر الحزبية للمرشحين في تنفيذ الوعود الانتخابية. البرلمان المقبل.. |