مقالات الأهرام اليومى

العراق ومهمة الإنقاذ العربية

لايخفي علي أحد أن الوضع في العراق قد أصبح معقدا جدا‏,‏ فالسياسيون العراقيون مختلفون في كل شئ‏,‏ والولايات المتحدة عاجزة عن مواجهة الموقف‏,‏ ووضع حد للتدهور الأمني وحمامات الدم المفتوحة هناك‏,‏ كما أن المجتمع الدولي ومنظمته الدولية غائبان عما يحدث في البلاد‏,‏ والاتحاد الأوروبي لم يستطع بعد تنسيق جهوده أو توحيدها‏,‏ وتحركات لجنة دول جوار العراق تقليدية‏,‏ وليست لها تأثيرات جوهرية فيما يحدث داخل العراق‏.‏

ووسط هذا المناخ الملبد بالغيوم حدث تحرك عربي أعطي بارقة أمل في إمكانية صياغة سياسة جديدة لإنقاذ العراق‏,‏ وهذا التحرك رعته مصر والسعودية عقب القمة التي عقدها الرئيس حسني مبارك والعاهل السعودي الملك عبدالله في جدة في بداية تحرك إقليمي فعال لاحتواء الأزمات المشتعلة في منطقتنا‏,‏ ثم اجتماع جدة للمجموعة العربية الذي ظهرت من خلاله مبادرة عربية جديدة للمصالحة الوطنية بين العراقيين‏,‏ فيما وصف بأنه التدخل الضروري الذي جاء في الوقت المناسب لوقف الاحتقان الأمني والطائفي في العراق‏,‏ وسوف تبدأ هذه المبادرة بزيارة للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي إلي العاصمة بغداد هي الأولي له منذ سقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق‏.‏

والحقيقة أن هذا التحرك يعد امتدادا طبيعيا للتحرك المصري في قمة شرم الشيخ التي عقدت يوم‏20‏ نوفمبر‏2004,‏ والتي أوصت بعقد مؤتمر مصالحة بين العراقيين‏,‏ وهي التوصية التي تأخرت طويلا لأن قوي عراقية مختلفة خططت لتحقيق مكاسب سياسية سريعة علي حساب الأوضاع في البلاد‏,‏ واستغلتها قوي إقليمية معينة لتقوية نفوذها في العراق ووجدت هوي لدي قوات الاحتلال هناك لتغيير الخريطة السياسية ومراكز الثقل‏.‏

ويعكس التحرك السياسي العربي استشعار المسئولية العربية تجاه العراق الذي أصبح علي شفا حرب أهلية نتيجة فشل كل سياسات الاحتلال وعجزه‏,‏ ولن تكون هذه المهمة سهلة‏,‏ فقد تفاقمت الأمور في العراق إلي حد الاستعصاء كما تقول الكثير من المؤشرات‏,‏ ولكن العواقب الوخيمة وتأثيراتها علي دول المنطقة‏,‏ وعلي العالم تستدعي الإسراع والاستمرار في المحاولات السياسية لإنقاذ العراق وشعبه من هذه المأساة‏

فلقد أصبح مفهوما الآن أن حل الأزمة العراقية لن يتحقق بعملية سياسية تنطلق في العراق‏,‏ أو بعملية الاقتراع علي الدستور الجديد مع نهاية هذا الشهر‏,‏ أو بانتخاب برلمان جديد في نهاية ديسمبر المقبل‏,‏ أو بافتعال أزمة وهمية بين السنة والشيعة أو بين العرب والأكراد‏,‏ وتخويف الجميع من بعث العراق الذي أنتهي وذاب بعد سقوط صدام‏,‏ أو بترك العراق فريسة للمتطرفين من كل جانب كل منهم يريد إختبار قوته واشعال حروب وفتن جديدة تنبعث من عقول ورثت ثقافات القرون الوسطي أو بهيمنة قوي إقليمية تري في الأخطاء الأمريكية في العراق مع ضعفه فرصة تاريخية للهيمنة والإخلال بالتوازن الإقليمي التقليدي بين إيران والعرب‏,‏ وهو التوازن الضروري لاستقرار تلك المنطقة المهمة للعالم‏.‏

إن الأزمة العراقية لن يخرج منها فريق منتصر وآخر مهزوم‏,‏ فهي النقطة الوحيدة في عالمنا المعاصر التي سيخرج منها الجميع مهزومين‏,‏ حتي القوي الكبري لن تستطيع أن تخرج من أزمتها أو الكارثة التي أحدثتها بالعراق بدون تعاون جدي وفعال من الدول العربية المؤثرة‏,‏ ومن كل دول العالم‏,‏ لتصحيح المعادلة السياسية‏.‏

والتحرك الجديد يجب أن يصحح المعادلات الخاطئة التي انبعثت من اختلالات القوي بين الطوائف العراقية المختلفة مع حفظ حق الجميع في عراق المستقبل‏,‏ ووضوح هويته العربية والإسلامية‏,‏ وليس التركيز علي طوائف وقوميات انصهرت في بوتقة العراق الموحد‏,‏ وتبعتها أخطاء الاحتلال وكوارثه‏,‏ مع إعادة العملية السياسية الشاملة إلي مسارها الصحيح‏,‏ وإعادة إعمار ما دمرته الحرب‏,‏ وقيام مقومات الدولة والعودة إلي التسوية السياسية حسب قرار مجلس الأمن رقم‏1546‏ الصادر في يوليو عام‏2004

بمعني وضع مراحل وتوقيتات للعملية السياسية‏,‏ وبناء الدولة وانسحاب قوات الاحتلال‏,‏ ومشاركة المجتمع الدولي بأكمله في حل الأزمة العراقية‏,‏ وعدم تركها في أيدي الأمريكيين وحدهم‏,‏ وأن يحدد التحرك الجديد احتياجات العراق المالية والأمنية وتوقيتات تنفيذها‏,‏ حتي ولو صدر قرار دولي جديد بحيث لانترك العراقيين فريسة لفكر المتطرفين والإرهابيين المرفوضين في منطقتنا‏,‏ أو لبعض الأفكار المتطرفة في واشنطن التي تفكر في تسليح كل الأطرف ليواجهوا التطرف فيحرقوا ما تبقي من العراق ويشعلوا المنطقة كلها‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى