أبو الغيط يحدد ملامح التحرك المصري تجاه القضايا الدولية

أجري الحوار : أســامة ســـرايا | |||||
في كلمات محددة وواضحة تحدث السيد أحمد أبوالغيط وزير الخارجية عن ملامح التحرك المصري خلال الفترة المقبلة تجاه العديد من القضايا الدولية, وقال في حوار أجراه معه الأستاذ أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام قبيل سفره إلي نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة إن أجندة مصر حافلة بالقضايا والمقترحات الدولية, وإننا نسعي إلي إحراز تقدم في تفعيل مبادرة الرئيس حسني مبارك للأمن الغذائي والتجميد المؤقت لديون إفريقيا, وضرورة إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وإخضاع المنشآت الإسرائيلية للضمانات الدولية. وحول الآثار السلبية لظاهرة تغير المناخ قال أبوالغيط إننا نتمسك بضرورة توفير الدول المتقدمة تمويلا دوليا للبلاد النامية لمواجهة الآثار السلبية لهذه الظاهرة ونقل التكنولوجيات العالمية الجديدة إليها. وأضاف أن مصر ترحب بمساعي الأمم المتحدة الرامية إلي دعم الجهود الدولية لحفظ السلام خاصة في السودان والصومال ومنطقة البحيرات العظمي. وأكد وزير الخارجية أن موقفنا ثابت من قضايا حقوق الإنسان القائمة علي الحوار البناء واحترام قيم المجتمعات وعقائدها والبعد عن المواجهات السياسية, وأضاف اننا ندعو إلي ممارسة حرية التعبير بما لايمس حقوق وحريات الآخرين واحترام مقدسات الأقليات المسلمة في أوروبا, فالحوار بين الأديان يجب أن يدار باعتباره حوارا أخلاقيا لابراز المساحات الواسعة المشتركة بينها. وقال الوزير ان رئاسة مصر حركة عدم الانحياز تعظم دورها في الأمم المتحدة, وتساعدها علي التعبير عن مواقف وآراء دول الحركة. وفيما يلي تفاصيل الحوار: لماذا ركزت الجمعية العامة علي موضوعات تغير المناخ في هذه الدورة برغم وجود العديد من القضايا السياسية والاقتصادية الأخري التي لا تقل أهمية وإلحاحا علي جدول أولويات المجتمع الدولي؟ إن قضية تغير المناخ في هذا التوقيت بالذات مهمة جدا.. وهناك عدد من الاعتبارات المهمة.. فمن الناحية العملية سيعقد في ديسمبر المقبل اجتماع أساسي لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ, وهو مكلف بالتوصل إلي اتفاق دولي حول كيفية الحد من تفاقم ظاهرة تغير المناخ من خلال ضبط وتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تسبب ارتفاع حرارة الأرض, ويحل الآن موعد الاتفاق علي التخفيضات للفترة التالية لذلك… ولكن الأمر ليس بهذه السهولة حيث يثور حاليا جدل متصاعد بين الدول المتقدمة والدول النامية حول حجم وشكل التخفيضات المطلوبة. وأود هنا أن أوضح أن الدول النامية تري أنها لم تسهم أصلا في ظاهرة تغير المناخ, وأن تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في هذه المرحلة سيفرض قيودا علي فرصها في مواصلة النمو الاقتصادي, وكذلك علي الدول المتقدمة أن تتحمل مسئوليتها التاريخية عن ظاهرة تغير المناخ, فضلا عن ضرورة توفير التمويل الدولي اللازم للدول النامية لمواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ; ونقل التكنولوجيات الجديدة. ما موقف مصر من هذه الظاهرة تحديدا كما أظهرتها في الاجتماعات؟ أليست هذه مفارقة غريبة وظالمة لفرص إفريقيا في النمو والتقدم..؟ ما هو التنسيق الوطني بين الجهات الحكومية المصرية بشكل يعظم دورنا وإسهامنا في المفاوضات الجارية؟ وأن يكون من مصادر جديدة بخلاف مصادر المعونات التقليدية حتي لا يقتصر الأمر علي إعادة تسمية المساعدات الدولية القائمة تحت إطار تغير المناخ دون توفير تمويل إضافي, وأن يتم توجيهه لتنفيذ أولويات الدول النامية. كما نؤكد أننا نرحب بأي تمويل إضافي من القطاع الخاص علي أن يكون مكملا للتمويل الحكومي من الدول المتقدمة وليس بديلا عنه. وهنا أعلن صراحة.. أننا نتحمل مسئوليتنا كاملة.. حيث نعلن أننا علي استعداد من حيث المبدأ للمساهمة في جهود تخفيض الانبعاثات العالمية بشرط توفر التمويل الدولي ونقل التقنيات اللازمة للدول النامية حتي لا تتأثر جهود التنمية أو تنافسية المنتجات المصرية. ونتحفظ في هذا المجال علي أي إجراءات تتخذها بعض الدول من طرف واحد لفرض معايير لتخفيض الانبعاثات علي الدول النامية رغم أن حديثنا هنا كان عن قضايا البيئة إلا أنكم تطرقتم أكثر من مرة إلي جوانب العلاقات الاقتصادية الدولية, ودورنا كمصر وسط هذه التجمعات, بعدما شاركنا في القمة الأخيرة لمجموعة الثماني. ولكن هل للأمم المتحدة دور حقيقي في ظل تعدد الكيانات التنظيمية كمجموعة العشرين ومجموعة الثمانية وتواصلها مع الدول النامية البازغة كما حدث في قمة لاكويلا؟ ويأتي دور الأمم المتحدة الاقتصادي في إطار الإصلاح الشامل للمنظمة, وندرس المقترحات المماثلة بشكل متأن, ونعمل علي إثراء ومناقشة مثل هذه الأفكار ونطالب بدور موسع للأمم المتحدة في الشأن الاقتصادي. إذن ما هو تصوركم للشكل العام لهيكل الحوكمة الاقتصادية الدولية في ظل التطورات الجارية؟ أما توسيع الكيانات ذات الطابع السياسي كمجموعتي الثمانية والعشرين وانضمام عدد أكبر من الدول النامية خاصة من أفريقيا يظل هو الهدف الأصعب بالنسبة للمجتمع الدولي ولكننا نقدر أن توسيع مجموعة الثمانية لتصبح مجموعة الأربعة عشر بمشاركة مصر هو خطوة علي الطريق الصحيح.. في كل الأحوال يأتي التوسيع والتطوير في مقدمة أولوياتنا.. ونلاحظ كذلك حاجة المجتمع الدولي إلي تقنين بعض الأنشطة والتوجهات الاقتصادية والمالية الحديثة كأنشطة صناديق الثروة السيادية والاستثمار الزراعي الخارجي. تحدثتم علي مستوي عال جدا من التحليل حول المنظومة الاقتصادية العالمية وهيكلها وتوازناتها… هل لنا أن نستعرض قضية معينة تهمنا جميعا مثل الأمن الغذائي؟ ألاحظ هنا.. أن العالم يتجه إلي منهج متعدد الأطراف في إدارة قضاياه الإستراتيجية ومنها قضية الأمن الغذائي, والمبادرة المصرية تحظي بتأييد دولي واسع, وسنعيد التأكيد عليها خلال قمة الأمن الغذائي في نوفمبر المقبل.. وهناك لاحظنا اهتماما أمريكيا بموضوع الأمن الغذائي, وهناك دعوة موجهة إلي مصر لحضور اجتماع للمسئولين رفيعي المستوي للدول والمنظمات الدولية المعنية لمتابعة تنفيذ التزامات قمة لاكويلا تجاه قضية الأمن الغذائي والتنمية الزراعية.. سوف يحتل كل ذلك أهمية كبيرة لمشاركتنا في أعمال الجمعية العامة.. مثلا أنوي تلبية دعوة وزيرة الخارجية الأمريكية وسكرتير عام الأمم المتحدة لمشاركتي اليوم في الاجتماع المعنون’ المشاركة من أجل الأمن الغذائي’. وماذا عن مسألة تخفيف عبء الديون علي الدول النامية ؟ وندعم المبادرات الدولية في هذا الشأن مثل مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون( الهيبك) والمبادرة متعددة الأطراف لتخفيف عبء الديون( مدري), كما أن تخفيف عبء الديون أحد أهداف وثيقة الألفية الإنمائية تحت بند تطوير شراكة عالمية من أجل التنمية, ونهتم بهذه القضية بشكل خاص كونها قضية أفريقية من الدرجة الأولي حيث إن29 دولة من إجمالي دول الهيبك البالغ عددها35 دولة هي دول أفريقية. وقد طالب الرئيس في مداخلته بقمة لاكويلا حول التحديات التي تواجه القارة الأفريقية بالتجميد المؤقت للديون الأفريقية. وتفرض تكاليف خدمة الديون أعباء إضافية علي موازنات الدول النامية وهي بالطبع تلتهم جزءا من إيراداتها العامة وتؤثر كذلك علي تصنيف جدارتها الائتمانية مما يؤثر بدوره علي قدرتها علي الاقتراض ومدي جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية. هل تراجعت أولويات قضايا السلم والأمن الدوليين لدرجة أنها لم تعد تبحث علي مستوي القمة؟ ما هو مضمون رسالة مصر حول السلم الدولي؟ بالنسبة للأولويات المصرية, فلعل أهم تلك التطورات هو انعقاد اللجنة التحضيرية الثالثة لمؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية الذي سوف يعقد عام2010 بنيويورك. وقد قدمت مصر ورقة عمل مهمة خلال أعمال اللجنة التحضيرية تضمنت اقتراحاتها حول تفعيل قرار الشرق الأوسط لمؤتمر المراجعة والمد لعام1995 والخاص بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية, وتضمنت تلك الاقتراحات عقد مؤتمر دولي يضم جميع الأطراف المعنية بحلول عام2011 للبدء في التفاوض حول تلك المنطقة والتي يعد إنشاؤها من أهم الأولويات ماذا عن دورمصر في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ لا تزال إسرائيل ترفض الانضمام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية, فما هي السبل التي ترونها من أجل دفعها للانضمام للمعاهدة؟ وعلي هذا الأساس, تم عقد هذا المؤتمر في عام1995 وتم علي أساسه المد اللانهائي للمعاهدة…. ونجحت مصر والدول العربية في أن تتضمن صفقة المد قرارا أمريكيا- بريطانيا روسيا حول الشرق الأوسط ينص في صلبه علي ضرورة قيام جميع دول المنطقة بالانضمام إلي المعاهدة. أما بالنسبة للسبل التي من شأنها دفع إسرائيل للانضمام إلي المعاهدة, فإن مصر لا تألو جهدا لتحقيق هذا الهدف في مختلف المحافل الإقليمية والدولية وسنسعي لاستثمار هذه الرئاسة لإلقاء المزيد من الضوء علي الخطر الذي تمثله القدرات النووية الإسرائيلية ولحث كافة دول المجموعة علي التصدي لإسرائيل وحملها علي الانضمام للمعاهدة. دعني أختتم حديثنا عن نزع السلاح مشيرا إلي أن جهدنا في تناول موضوعات نزع السلاح علي صعيد الجمعية العامة للأمم المتحدة يقع في سياق أوسع لتناولنا لتلك الموضوعات في المنتديات الأخري ذات صلة ولعل أهمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي نتقدم فيها سنويا بالقرار المطالب بتنفيذ ضمانات الوكالة علي جميع المنشآت النووية بالشرق الأوسط, واهتمامنا لا يقتصر ولا يتوقف علي موضوعات منطقتا الإقليمية بل يمتد إلي جوانب وقضايا مبدئية… دعني أعطيك مثالا محددا فهناك مثلا ما يسمي بالمبادرات متعددة الأطراف لضمان إمداد الوقود النووي… وموقفنا واضح تجاهها, إن حق الدول في الاستخدام السلمي لجميع أوجه الطاقة النووية هو حق أصيل. ولكن هل يقتصر اهتمام وأجندة الجمعية العامة في مجال السلم والأمن الدوليين علي موضوعات نزع السلاح؟ لك أن تتصور مدي أهمية أن تشارك أفريقيا, وعلي رأسها منظمتها الإقليمية القارية وهي الاتحاد الأفريقي, في القرار الدولي ممثلا في قرارات مجلس الأمن. إذن, فالسؤال مهم للغاية بل يدفعني لتأكيد أهمية التعاون بين المنظمتين العالمية والإقليمية في صيانة السلم والأمن الدوليين, وهو ما دفعنا لطرح مبادرة مصرية ريادية حول توثيق العلاقة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي خاصة من خلال مجلسي الأمن التابعين للمنظمتين. الآن… فيما يتعلق بسؤالك بالتحديد, فبالتأكيد ترحب مصر بمساعي الأمم المتحدة الرامية لدعم الجهود الإقليمية لحفظ السلام بشكل عام, وفي إفريقيا بوجه خاص, خاصة في السودان والصومال ومنطقة البحيرات العظمي, ونقدر ذلك الاهتمام مع تأكيدنا ضرورة تحقيق ذلك في إطار التعاون والتنسيق التام بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والدولة المعنية بالنزاع كما ذكرت لك. ما دمنا نتحدث في قضايا الاهتمام التقليدي للأمم المتحدة… هل استقرت حقوق الإنسان ضمن تلك القضايا الرئيسية التي تعني بها الأمم المتحدة؟ وكل ذلك في إطار موقفنا الثابت من كافة موضوعات حقوق الإنسان القائم علي الحوار البناء, واحترام قيم المجتمعات وعقائدها, والبعد عن المواجهات السياسية… وقد أدت تلك الثوابت إلي أن يحظي الموقف المصري المبدئي بتأييد واسع من المجموعات الإسلامية والعربية والأفريقية, ودول حركة عدم الانحياز. ولكننا نلاحظ أن الدول الأوروبية عادة ما تتحجج بدعوي ممارسة حرية التعبير لكي لا تواجه حملات تشويه صورة المسلمين وخطابات الكراهية ضدهم, بل تقوم بعض الدول باستغلال محافل حقوق الإنسان لتحقيق أهداف سياسية, ومهاجمة الدول النامية فضلا عن محاولتها فرض عدد من المصطلحات المتناقضة مع القيم والمعتقدات الدينية…فكيف تتعامل الدبلوماسية المصرية مع كل ذلك؟ وأضرب لك مثالا آخر… ففيما يخص مسألة تسييس قضايا حقوق الإنسان, يتصدي وفدنا في الأمم المتحدة لأي محاولات لتسييس أعمال محافل حقوق الإنسان ولمنع استهداف دول نامية بعينها, وطرح قرارات تدين أوضاع حقوق الإنسان فيها لتحقيق أهداف السياسات الخارجية لدول غربية… كما يتعامل وفدنا بكل حسم مع سعي بعض الدول لإدراج مصطلحات تتناقض مع منظومتنا الدينية, وفرض مفاهيم خارج نطاق التوافق الدولي في قضايا حقوق الإنسان. وماذا عن مبادرة الحوار بين الأديان في ظل حركة عدم الانحياز؟ وما هي المقترحات المصرية في هذا الشأن؟ وماذا عن مبادرة تحالف الحضارات؟ سمعنا عن هذه المبادرة لفترة ثم اختفت تماما… لماذا؟ في معظم إجاباتكم أشرتم إلي الإسهامات الموضوعية لحركة عدم الانحياز… وتأتي مشاركتكم في أعمال الجمعية العامة هذا العام في ظل رئاسة مصر التي بدأت منذ أشهر؟ وقد أسندت حركة عدم الانحياز إلي مصر مهمة تنسيق أنشطة الدول الأعضاء في الحركة في مختلف المحافل الدولية. |