2008 عام الأزمات العالمية

مثلما بدأ عام2008 بأزمة انتهي أيضا بأزمة أخري.. أزمتان عالميتان تنذران المجتمع الدولي وشعوب العالم أجمع بأخطار كثيرة, تهدد مابقي في العالم من استقرار. ولذلك استحق هذا العام أن يكون عام الأزمات الكبري, فلقد حملت بداياته أزمة غذاء شديدة الوطأة, وجاءت نهايته بأزمة مالية لايعلم أحد نهايتها ومدي تأثيرها. وحملت الأزمتان طابعا اقتصاديا يدين بشدة السياسات التجارية والاقتصادية والمالية السائدة في عالم اليوم, كما جاءتا محملتين بتبعات سياسات إدارة شئون العالم, وما فرضته من أعباء علي الاقتصاد العالمي, وهكذا تصاعدت وتوسعت الأزمات ذات الطابع الاقتصادي وأصبحت منافسة للأزمات السياسية والعسكرية والأمنية التي تعود العالم عليها. وقبل أن ينتهي عام الأزمات الكبري تواصلت جهود المواجهة التي تبدو حتي الآن غير كافية. وكان آخرها مؤتمر مراجعة تمويل التنمية في العاصمة القطرية. ففي هذا المؤتمر وضعت كلمة الرئيس حسني مبارك أبعاد الأزمة في موضعها الصحيح, حيث اختار لغة مختلفة عن تلك اللغة, التي اعتاد المشاركون في مثل هذه المؤتمرات استخدامها, وكان صريحا مباشرا وذكر العالم بأن المواجهة ودرء الأخطار يتطلبان شيئا مختلفا عما ألفناه واعتدناه, واختار أن يوجه كلمته للدول الكبري, التي أسهمت, دون غيرها, في صناعة الأزمتين العالميتين ليكتوي الجميع بنيرانهما, وإن تفاوتت المعاناة بين الدول الفقيرة والأخري الغنية. التي قدمت الكثير من الوعود والتعهدات التي مازال الكثير منها غائبا عن أرض الواقع. | |||||
وهذه الأبعاد العالمية التي جاءت بها أزمة الغذاء والأزمة المالية فرضت علي الجميع التحرك في كل الاتجاهات, ولم تعد تحركاتها مرهونة بقدرات الدول وإمكاناتها الاقتصادية بقدر ما أصبحت مرتبطة بقدرتها علي تقديم مقترحات وأفكار وتصورات للمساعدة في مواجهة الأزمات التي باتت تهدد اقتصاد العالم وأسواقه, وتنذر حياة الفئات الأقل دخلا بالكثير من الأخطار, وتكشف هذه الأزمات الخانقة عن حقيقة الخبرة وعمق الرؤية وقوة الفكرة والمبادرة في قيادات العالم التي ينبغي أن تتحمل مسئولية الإنقاذ وإيجاد الحلول. والحقيقة أنه في ظل مساعي البحث عن مخرج لأزمة الغذاء والأزمة المالية, اللتين جاء بهما عام2008, لم يكن العالم بحاجة إلي بلاغة لفظية تدغدغ عواطف المأخوذين بعنف الأزمة, فقد بات بحاجة إلي رؤية يمكن ترجمتها إلي واقع يخفف من حدة تلك الأزمات ويقلل من معاناة الشعوب. وسوف يسجل التاريخ للرئيس مبارك أنه كان قيادة استجابت منذ بدايات أزمة الغذاء لتحدياتها, إدراكا منه لحجمها وتأثيراتها المحلية والإقليمية والعالمية, وكان حضور مصر القوي في أكبر المنتديات العالمية, التي استقطبت عقول العالم بحثا عن مخرج من الأزمات, نتيجة حاسمة لتحرك دءوب قام به الرئيس في العالم العربي وفي آسيا وأوروبا, لضمان تمثيل قوي لمصر في مثل هذه المنتديات. وقد تحمل الرئيس في لقاءاته ومحادثاته مسئولية الدفاع عن مصالح الدول النامية, وهي الأكثر تضررا من أزمة الغذاء, واكتسب الوجود المصري قوة وفاعلية بالأفكار والرؤي التي طرحها الرئيس مبارك في أكثر من منتدي, وأكثر من لقاء إسهاما من مصر في الجهود الدولية للخروج من الأزمة, حتي إنه يمكن القول إن الرئيس مبارك طرح دليل عمل متكاملا لمواجهة أزمة الغذاء. …………………………………………………….. ولم يترك الرئيس مناسبة لم يحذر فيها من عاقبة أزمة الغذاء. ففي أوائل مايو دعا إلي حوار بين الجميع الفقراء والأغنياء من الدول لتأمين حاجات العالم من الغذاء, وطالب بإطلاق حوار بحثا عن حلول تؤمن حاجات العالم من الغذاء والطاقة. وفي منتدي دافوس بشرم الشيخ ركز الرئيس, أمام كبار الساسة وصناع القرار الاقتصادي في العالم, علي أزمة الغذاء وشرح أبعادها وطرح آليات للحلول, وفي أوائل يونيو عقد أرفع مؤتمرات العالم لمواجهة الأزمة تحت مظلة منظمة الأغذية والزراعة في روما, ووقف مبارك شامخا يعبر عن رؤية مصرية تدافع عن الشعوب الأكثر تضررا وطالب بإعادة تنظيم أسواق الغذاء العالمية وإعادة ترتيب العلاقات بين دول الشمال والجنوب, وحذر من تداعيات الاحتباس الحراري التي بددت وسوف تبدد مساحات هائلة من الأراضي المخصصة لإنتاج الغذاء بالفيضانات حينا وبالتصحر والجفاف حينا آخر, وانتقد مبارك استخدام غذاء الإنسان في إنتاج الوقود مهما تكن أسباب ذلك, وجاء الإعلان الختامي لهذا المؤتمر, الذي حضره نحو40 من قادة العالم محملا بكثير من الأفكار التي طرحها الرئيس تشخيصا للأزمة وخروجا منها, وكان ذلك اعترافا بحكمته وعمق رؤيته لتداعيات أزمة عالمية, أصابت مصر مثلما أصابت غيرها. وقد تجاوزت مصر أزمة الغذاء العالمية وحققت النجاح في جانبين: الأول: علي الصعيد المحلي بات مؤكدا أن الأزمة بأبعادها كانت اختبارا حقيقيا لقدراتها الاقتصادية والسياسية علي مواجهة أزمة بهذا الحجم, فقد أثبت الاقتصاد المصري وإدارته قدرة فائقة علي الإقلال من النتائج المترتبة علي أزمة الغذاء وتجاوزها.. وتجاوزنا الأزمة ونحن مدركون حقيقة ما تم من إصلاحات اقتصادية هيكلية زادت من قدراتنا وثقتنا بالمضي قدما نحو المزيد من الإصلاح. ثانيا: علي الصعيد الدولي أكدت مصر ريادتها, ومكانتها الحقيقية عالميا في مواجهة الأزمات بالرؤي والتصورات, وطرح آليات العمل والتعاون النشيط مع مختلف المؤسسات العالمية في مساعي البحث عن مخرج.. وهذه المكانة التي حققتها مصر في مواجهة أزمة الغذاء أكدت متانة سياساتها الخارجية وصلاحيتها لمكانة تستحقها بجدارة في المنظمات الدولية. وما كادت أزمة الغذاء تعلن عن انفراج نسبي حتي حمل عام2008 في نهايته بوادر أزمة أشد وطأة تهدد اقتصادات العالم, وتنذر برامج التنمية بكثير من الأخطار, حيث جاءت الأزمة المالية لتؤكد حقيقة أن النظام الاقتصادي العالمي بحاجة إلي كثير من المراجعة. وكان مبارك أيضا قد دعا إلي حوار موسع, يتناول وضع الاقتصاد العالمي ويكون تحت مظلة الأمم المتحدة, بما في ذلك قواعد التجارة الدولية والمؤسسات المالية, بحيث يولد نظام جديد يحمل شيئا من الإنصاف للدول النامية, بل إن الرئيس مبارك قد حدد مجالين لهذا الإنصاف: أولهما: أن تحصل الدول النامية علي تمثيل عادل في الحوار الدولي والمؤسسات الدولية التي سوف يتم تطويرها في ضوء نتائج هذا الحوار وفقا لمتطلبات التصحيح اللازم. ثانيهما: وضع جدول زمني محدد لوفاء الدول الكبري بتعهداتها للدول النامية في مجال التنمية, ومشاركتها في مواجهة أعباء الديون التي وصلت إلي حدود الخطر في إفريقيا. وإذا كانت الدول الكبري قد تباطأت في تنفيذ تعهداتها قبل الأزمة, فإن هناك مخاوف شديدة من أن تؤدي الأزمة إلي تأثيرات سلبية بشأن التعهدات التي قطعتها هذه الدول من قبل, سواء في إطار مشروع الألفية الذي تتبناه الأمم المتحدة, أو علي مستوي المعونات الاقتصادية. ديمقراطية العلاقات الدولية الجوانب الإنسانية للنشاط الاقتصادي الفقر والإرهاب ولم تغفل رؤية مبارك لأزمة الغذاء والأزمة المالية حقيقة العلاقة بين تلك الأزمات والخطر الأسود الذي يتهدد الجميع وهو الإرهاب. فانتشار الفقر والفاقة والعوز يوفر كثيرا من الظروف الملائمة لولادة جيل جديد من الإرهابيين الذين لن يفرقوا بين الأغنياء والفقراء.. لقد تجاوزنا أزمة الغذاء, ومازلنا في مواجهة الأزمة المالية الكبري التي لم تحدث منذ قرابة ثمانين عاما, وهي أزمة لن تستطيع دولة بمفردها أو تكتل اقتصادي وحده أن يواجهها فالأمر مرهون بتعاون جماعي يجمع المتضررين منها بحثا عن أسبابها وعملا من أجل تصحيح الاختلالات التي أدت إليها. إننا نعلم أننا لن نهرب من تأثيرات تلك الأزمة, ولكننا قادرون علي تجاوزها والإقلال من تأثيراتها علينا, ولكن ذلك لن يتم دون تضافر جهودنا معا, ودون التعاون مع الشركاء الدوليين في هذا المجال. | |||||