رسالة غزة إلي الأمة؟

ما تريده إسرائيل من الفلسطينيين في غزة لن يتحقق, وما تريده حماس من إسرائيل أيضا لن يتحقق. والنتيجة دراما عبثية يدفع الفلسطينيون, أطفالا ونساء, شبابا وشيوخا ـ ثمنها باهظا كل يوم, في الوقت الذي تتبدد فيه آمال الجميع شيئا فشيئا, ليس في سلام عادل ودائم, وإنما في فسحة من الزمن يخضع فيها الجميع لقانون الحياة الطبيعي. وتتطور فيها حياة الفلسطيني من الطفولة إلي الصبا فالشباب ثم الرجولة وأخيرا الشيخوخة, بحيث تصبح حياة يواري فيها الابناء أجساد آبائهم التراب في نهاية العمر, لا أن يصبح قدر الفلسطيني أن يتجرع مرارة وألم الذهاب بالأبناء إلي مثواهم الأخير. لقد ذهبت إسرائيل في عدوانها علي غزة إلي أبعد مدي, وفرضت علي الجميع شعورا عميقا بأن كلا منهم حي ينتظر الشهادة بقرار من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. أعادت إلي ذاكرة العالم أحداث العقاب الجماعي المروعة. لكنها لم تحقق سوي المزيد من الشك والخوف الذي يدفع الي المزيد من العنف والقتل وزيادة قائمة الضحايا وتعميق الشعور بالكراهية الذي ترتكبه إسرائيل في غزة, وماترتكبه اليوم نسخة من مذابح كثيرة ارتكبتها من قبل, وخرجت منها دون أن تحقق شيئا مما تريده أو تتوهمه. وليس أمام إسرائيل اليوم أو غدا أو بعد غد سوي أن تطرق أبواب السلام برغبة حقيقية ومطالب واقعية. فالمذابح التي ترتكبها تقوض فرص التفاوض, فلا يمكن الجمع بين المفاوضات وقتل الأطفال والنساء. كما أن تعليق المفاوضات يقوض فرص السلام ويفتح المجال واسعا أمام الصراع المسلح لتنشأ أجيال جديدة من الفلسطينيين ليس لديها سوي الكراهية والرغبة في الانتقام. ولم تعد حجج إسرائيل في عدوانها علي غزة تخضع لمنطق أو عقل. فالجميع يعلم أن الصواريخ التي تنطلق من قطاع غزة لاتمثل ذلك التهديد الذي تتحدث عنه إسرائيل للمستوطنات, ولاتبرر مذابحها المستمرة. وإذا افترضنا صحة الادعاءات الإسرائيلية, فإن من يطلقون الصواريخ لم يكونوا ليفعلوا ذلك لو أن عملية سلام جادة وواعدة كانت قد لاحت لهم في الأفق. | ||||||
فلقد فرضت الممارسات الإسرائيلية اليأس علي جميع الفلسطينيين, وقدمت للمغامرين السياسيين فرصة ذهبية لأن يجدوا الدعم لمزاعمهم بأنهم هم الذين سوف يحررون فلسطين بتلك الألعاب النارية التي تسميها إسرائيل الصواريخ. ولو أن حكومة أولمرت تعاملت بجدية مع مؤتمر أنابوليس أو حتي أبدت استعدادا مقنعا للبناء عليه لاختلف الوضع كثيرا, بحيث لايجد المغامرون فرصة للاستمرار في ترديد مزاعمهم بأن ألعابهم النارية هي الطريق إلي تحرير فلسطين. ولاشك أن الموقف الإسرائيلي من مؤتمر أنابوليس أضعف السلطة الفلسطينية الراغبة في التفاوض, وقدم الدعم القوي لموقف حماس, ويسر لها تكريس سيطرتها علي قطاع غزة, وكان بوسع إسرائيل أن تدرك أن حماس لاتملك شيئا تقدمه للفلسطينيين, وأنها تلجأ للتصعيد العسكري لتغطي فشلا ذريعا في السياسة والاقتصاد. فلقد استطاعت حماس بمكرمة إسرائيلية البقاء استنادا إلي مخزون الكراهية والإحباط واليأس الذي زرعته إسرائيل في نفوس الفلسطينيين بما ترتكبه من مذابح وحصار جبان, ولا تحتاج حماس لكثير من الجهد لإشعال مخزون الغضب في النفس الفلسطينية في ظل مشاهد الدم اليومية. فمن اشتعال الغضب في النفس الفلسطينية تتجمع سحب كثيفة, تحجب حقيقة ما تستطيع حماس أن تقدمه للفلسطينيين في جميع مجالات الحياة. ويجب أن تفيق حماس وتدرك أن وحدة الفلسطينيين هي الذراع الأولي لحمايتهم ودعم قضيتهم العادلة, وأن عدم قدرتها علي الحكم لا يعني نهايتهم. ولكنهم يستطيعون أن يكونوا ظهيرا حاميا للدولة الفلسطينية, وعليها أيضا ألا تقع فريسة الغواية الخارجية مهما تبلغ الإغراءات, لأن قضيتهم تمر بمرحلة فاصلة ودقيقة. أما إسرائيل فعليها أن تتوقف عن لعبتها القديمة بالاستفادة من إحباطات الشعب الفلسطيني وانقساماته, وأن تدرك بعمق أنها تنزلق إلي الفشل الكامل. فهي لا تستطيع بالقوة أن تحصل علي السلام والأمن, وهذه حقيقة بسيطة كررناها طويلا, ولكنها تظل الحقيقة الباقية, خاصة أنهم ينزلقون بالمنطقة إلي هاوية سحيقة تخدم أهداف الإرهاب والتطرف بكل أشكاله وتسخر الشرق الأوسط له. وساعتها لن يسامحهم أحد في كل مكان من العالم, فهم يقدمون أهم وأغلي منطقة في عالمنا المعاصر وجبة سهلة بل ساخنة للإرهابيين والمتطرفين بكل أشكالهم, ويدفعونها للفوضي الشاملة والحروب المتصلة. وعلي العقلاء في منطقتنا, خاصة شعبنا الطيب في مصر, أن يتسلح بكل قيم الصبر والفهم والقدرة علي المواجهة برغم صعوبة الموقف ودقته, ولكي نكشف المتطرفين في إسرائيل وأمريكا والطغاة في عالمنا من الإرهابيين والمتطرفين ومن يتسلحون بالابتزاز والسرقة فيخطفون القضايا العادلة ويرفعون الرايات سواء فلسطينية أو إسلامية ليوظفوا قضايانا لخدمة الغير, أو يدفعوننا في المسارات الخاطئة. وهنا أقول لهم إن الموقف أصبح لا يحتمل المزيد من إراقة الدم الفلسطيني والعربي في مصر وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق والأردن. فأوقفوا إراقة الدم, ولا تجعلوا قضايانا لعبة بين أقدام أمريكا وإسرائيل وإيران, فهؤلاء يستفيدون علي حسابنا وحساب أبنائنا وشهدائنا. | ||||||