الرئيس كاتشينسكي في حواره مع الأهرام: زيارة مبارك لبولندا حافز لتعزيز العلاقات الثنائية نأمل في مزيد من التعاون في مجالات الطاقة والسياحة ومكافحة الإرهاب
بولندا تؤيد وجود منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط

أجري الحوار: أســـــــامة ســــــرايا | |||||
الحوار مع الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي يصعب أن يكون حوار عاديا أو تقليديا, وبالضرورة يكتسب أهمية خاصة, لأسباب تتعلق بالدولة والرئيس معا بولندا ليست مجرد دولة في وسط أوروبا, وإنما كانت دوما عنصرا فاعلا في كتابة تاريخ العالم في القرن العشرين, فكما كانت رأس حربة في المقاومة التي أدت إلي هزيمة المشروع النازي في الحرب العالمية الثانية, كأنت رأس الحربة أيضا في انهيار المشروع الشيوعي قبل أن ينهزم الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ويخرج منها مفككا. أما الدكتور ليخ كاتشينسكي فهو ليس مجرد الرئيس الرابع لجمهورية بولندا الثالثة, وهي الجمهورية التي ولدت قبل أن يسقط الاتحاد السوفيتي ويتفكك, وإنما هو احد النشطاء الكبار الذين واجهوا الشيوعية في عز قوتها في السبعينيات من القرن الماضي, قبل أن تولد حركة’ التضامن’ التي قادت مطالب العمال في مدينة’ جدانسك’, ثم أصبح مستشار زعيم الحركة’ ليخ فاونسا’ في الفترة الفاصلة التي غيرت تاريخ بولندا وأوروبا والعالم. والأن وبعد أن غيرت بولندا من جلدها وخلعت ثياب الشيوعية كأول دولة أعلنت العصيان علي التبعية لموسكو وصنعت قدرا كبيرا من الإصلاحات السياسية وأصبحت عضوا في الاتحاد الأوروبي في مايو2004 ودخلت في نهاية العام الماضي في اتفاقية الشينجن لفتح الحدود الأوروبية, وتزامن مع ذلك تزايد تشابك علاقاتها السياسية والاقتصادية مع مصر بشكل ملحوظ, خاصة في العامين الماضيين فتضاعفت وتنمو بمعدل30% حاليا. الأسئلة مهمة.. والتجربة مهمة.. ومن هنا يصعب أن يكون حوارنا مع الرئيس البولندي الدكتور ليخ كاتشينسكي عاديا أو تقليديا.. وبالطبع لا بد أن تكون التجربة هي أول سطر في حوار يفتح كثيرا من الملفات الساخنة في أورويا والشرق الأوسط كالإرهاب وحرب العراق والقضية الفلسطينية وإعلان برشلونة واستقلال كوسوفو والعلاقات الثنائية بين بولندا ومصر, خاصة أن الرئيس حسني مبارك يبدأ زيارة رسمية لها من اليوم.. التطورات في بولندا لا تتوقف منذ حقبتين, وقد بدأت مرحلة جديدة بعضويتها في الاتحاد الأوروبي في مايو2004, أي بعد أقل من خمس سنوات من انضمامها إلي حلف شمال الأطلنطي’ الناتو’ وبعد15 عاما من انتهاء نظام الحكم الشيوعي.. كيف تري هذه الأعوام؟ ما الإنجازات التي تحققت؟ وما الصعوبات التي تواجهها بولندا الآن؟ نحن ندرك كم المكاسب التي حققناها من خلال كوننا عضوا في هذه المنظمات, فعبر حلف الناتو والاتحاد الأوروبي, تمكننا من تعزيز مساحة الديمقراطية والاستقرار, كما أننا نؤيد بقوة الطموحات الأوروبية- الأطلنطية لأوكرانيا وجورجيا ومولدوفا مصر شريك سياسي واقتصادي نحن نرحب بموقع القاهرة المتميز في العلاقات الدولية, خاصة فيما يتعلق بمنع النزاعات وتقديم حلول للصراعات في أفريقيا والشرق الأوسط, هدفنا المشترك هو إنشاء مساحة للسلام والأمن في المنطقة, وبولندا نشيطة جدا في تحقيق هذا الهدف بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي, وآفاق تقوية التعاون بيننا تدعو إلي التفاؤل. إنني مقتنع بأن زيارة الرئيس حسني مبارك لبولندا ستكون محفزا مهما لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في كافة المجالات, إن التعاون الاقتصادي يلعب دورا مهما في تعزيز العلاقات الثنائية, ونحن نأمل في مزيد من التعاون في هذا القطاع, خاصة في مجالات الطاقة والسياحة, نحن مهتمون بتطوير تعاوننا في مجال مكافحة الإرهاب, إن البلدين: بولندا ومصر, توليان الكثير من الاهتمام لفكرة تقوية التبادل الثقافي وحوار الأديان. اهتمام خاص بعلاقاتنا الثنائية وبالطبع, فالمسائل الثقافية والتعليمية لا يمكن إغفالها, فنحن نسعي إلي أن يكون هناك المزيد من الطلبة المصريين المهتمين بعروضنا التعليمية, كما سيكون هناك اهتمام خاص بالعلاقات التقليدية التي تربط بين البلدين في مجال الآثار القديمة, فلقد احتفلنا في العام الماضي بذكري مرور70 عاما علي وجود علماء الآثار البولنديين في مصر, كما سنتبادل الأفكار حول عدد من القضايا الدولية والإقليمية. إجراءات التحول مؤلمة وخلال فترة التحول, واجه الاقتصاد البولندي صعوبات بسبب تشوهات السوق مثل: ارتفاع معدلات التضخم, وتأرجح معدل البطالة فوق حد الـ19% من السكان, وانخفاض تراكم رأس المال بين المواطنين البولنديين, وضعف الاستهلاك. كل هذه العوامل جعلت مستوي الناتج المحلي الإجمالي متواضعا جدا, ولم تسمح بمسار تنمية مرض لاقتصادنا الوطني. إن مواجهة هذه التأثيرات السلبية الناتجة عن إصلاحات لم يتم تنفيذها في السابق كان عملا معقدا وتطلب تنفيذ مجموعة من الإجراءات الصعبة, كان أحدها تبني سياسة نقدية مقيدة, تتضمن زيادة أسعار الفائدة وتهدئة أسواق المال من خلال خفض المعروض النقدي, وتؤدي إلي إعادة الاحترام للعملة البولندية’ الزلوتي’ في أسواق الصرف, هذه السياسة نجحت في خفض معدل التضخم وخلق حالة من الاستقرار النسبي للنظام النقدي في بولندا في بداية العقد الحالي, ومع ذلك, حققت الشركات البولندية أرباحا من فرصة الطلب المتزايد وغامرت باستخدام رأس مال مكلف نسبيا لتنمية نشاطاتها. وفي الوقت الحاضر, ينتج القطاع الخاص حتي الآن الغالبية العظمي من الناتج المحلي الإجمالي البولندي, وأصبح الاقتصاد الوطني يتمتع بقدرة أكبر علي التنافس حتي في مجالات مثل التكنولوجيا وخدمات المعلومات. ووفقا لآخر تقديرات المفوضية الأوروبية لأكبر14 اقتصادا في الاتحاد الأوروبي فقد تم تصنيف بولندا علي أنها خامس أكبر الاقتصاديات التنافسية العام الماضي, وأشادت المفوضية بكل تقدير بزيادة القدرة الإنتاجية للشركات البولندية والديناميكية العالية لنمو الناتج المحلي الإجمالي. أنا مقتنع بأن التجربة البولندية في عملية التحول يمكن أن تشكل اهتماما كبيرا لصناع السياسة المصريين, خاصة السياسات النقدية وخصخصة القطاع العام, وفي المقابل, يمكن أن يشاركنا نظراؤنا المصريون بخبراتهم في قطاعات إدارة البترول والسياحة, وهما فرعان عانيا من الإهمال النسبي في بولندا خلال الـ15 عاما الماضية. الرئيس مبارك دعا إلي عقد مؤتمر دولي يناقش التعاون في مجال مكافحة الإرهاب, كيف تري هذا الاقتراح؟ لقد خلقت استراتيجيات الأمم المتحدة لمواجهة الإرهاب عالميا التي تبنتها الدول الأعضاء في8 سبتمبر2006 وسيلة جديدة وقاعدة للتعاون في هذا المجال, وفي هذا السياق, تقدر بولندا المبادرات السياسية المصرية, إضافة إلي جهودها العملية لمنع ومواجهة الإرهاب, وإحدي أكثر المبادرات المميزة كانت دعوة الرئيس مبارك لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب, وأنا أعتقد أن كل هذه الجهود ستعزز من التعاون الدولي والتنسيق لمكافحة الإرهاب, وستساعد في إيجاد رد الفعل المناسب والمنظم للإرهاب الذي سيظل الخطر الأساسي علي الأمن العالمي. نؤيد إزالة أسلحة الدمار الشامل علي الرغم من أن بولندا تعد من الدول الكبيرة في أوروبا وتتمتع بثقل كبير فيها, وعلي الرغم من أنها من كبريات الدول التي يهاجر منها اليهود إلي إسرائيل منذ إنشاء الدولة الإسرائيلية, إلا أنها- من وجهة النظر السياسية- تلعب دورا محدودا في الشرق الوسط, وهو دور لا يتماشي مع الأهمية التي يوليها الاتحاد الأوروبي لهذه المنطقة المهمة من العالم, فلماذا هذا الغياب من بولندا؟ وهل لديكم أي اقتراحات حول إمكانية إبرام اتفاق دائم للسلام في الشرق الأوسط, سواء في إطار الاتحاد الأوروبي أو خارجه؟ ولهذا, فإننا نسعي إلي أن نتشارك مع الإسرائيليين والفلسطينيين في تلك الخبرة, فالأوقات الأليمة والصعبة من تاريخ بولندا هي التي تجعلنا نتعاطف مع الفلسطينيين وكفاحهم من أجل الحرية, كما تجعلنا نتفهم أيضا سعي الدولة اليهودية إلي ضمان الأمن وتوفير الظروف الملائمة لتقدم مجتمعها. وأنا لا أتفق معك في أن بولندا تتجاهل التحديات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط بل إننا نؤيد كل الجهود التي تسعي إلي تحقيق السلام الدائم وإلي تسوية النزاع في منطقة الشرق الأوسط, لقد شاركنا منذ سنوات في جهود حفظ السلام والاستقرار في المنطقة, في لبنان والجولان والعراق, ووصل عدد جنودنا الذين شاركوا في تلك المهمات منذ السبعينيات إلي نحو ثلاثين ألف جندي, كما تساعد بولندا الشعب الفلسطيني في الحصول علي احتياجاته الإنسانية, مع العمل في الوقت نفسه علي تعزيز علاقاتنا بإسرائيل, وتأتي أنشطتنا هذه في إطار السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي, وتعد في إطار مبادرة استراتيجية الاتحاد الأوروبي للمنطقة, وقد كنا متواجدين في مؤتمر أنابوليس, وتعهدت بولندا بتقديم مساعدات خلال مؤتمر المانحين في مؤتمر باريس عام2007, ولا أصف تلك المشاركات بانها محدودة. ونحن نعيش حالة من عدم الثقة والمخاوف من العنف السائد في منطقة الشرق الأوسط, والتي تؤدي الي معوقات وعقبات في طرق تحقيق تسوية دائمة وشاملة للنزاع في منطقة الشرق الأوسط. وتأمل بولندا في أن تؤدي جهود الأطراف الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط إلي تغيير مناخ المواجهة الي مناخ يسوده التعاون في شرق أوسط جديد, ولابد أن يتحدث الاتحاد الأوروبي, بصفته عضوا في اللجنة الرباعية الدولية, بشكل موحد في سبيل مواجهة هذه التحديات. وموقف بولندا والاتحاد الأوروبي في هذا الصدد يتمثل في ضرورة التزام جميع الأطراف بالتفاوض في الإطار الذي تم الاتفاق عليه في أنابوليس من أجل إمكانية تحقيق اتفاق سلام دائم. الفشل أو النجاح مرهون بشروط وفي الحقيقة, فإن بولندا ليست متحمسة لفكرة إنشاء اتحاد متوسطي, ولا أي دولة أوروبية أخري تقع في شمال القارة الأوروبية تبدي حماسا لذلك, وأعتقد أنه لابد من إحياء عملية برشلونة مجددا. إن بولندا واحدة من الدول التي اختارت بقاء طويلا في العراق في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة هناك, وتواجه القوات البولندية حاليا صعوبات, فلماذا شاركت بولندا في ذلك التحالف؟ هل لتقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة والحصول علي ثقتها؟ أو أن هناك أسبابا أخري؟ وكيف تقوم التجربة البولندية في العراق؟ وتضطلع القوات البولندية منذ الوهلة الأولي في العراق بمهمة تعزيز الأمن والاستقرار هناك, وقد بدأت ثمار تلك الجهود تؤتي أكلها, وأعلن أنه بحلول أكتوبر المقبل سوف تسحب بولندا قواتها من منطقة القادسية وتسلمها إلي القوات العراقية, ونري أن وجودنا في العراق كان ناجحا وأننا أدينا دورنا, ولكن ذلك لم يتم دون تضحيات, فقد خسرنا22 جنديا. لقد أعطي الاتحاد الأوروبي للدول الأعضاء فيه حرية الاعتراف باستقلال كوسوفا, إلا أن بولندا, رغم علاقاتها القوية مع صربيا والتاريخية مع موسكو, اختارت الاعتراف باستقلال كوسوفا, فلماذا اخترتم هذا الموقف؟ وحول قرارنا بالاعتراف باستقلال كوسوفا فقد جاء بناء علي تقييمنا المنطقي للوضع في منطقة البلقان, فقد رأت بولندا أن قرار الاعتراف بكوسوفا سيساعد علي تعزيز الاستقرار في منطقة البلقان ويجعل دول تلك المنطقة تركز بشكل أكبر علي حل مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية, وأريد أن أشدد علي أن اعترافنا باستقلال كوسوفا ليس خطوة ضد صربيا, وأعتقد أن الحل طويل الأمد لمشكلات تلك المنطقة يتمثل في حصول دول البلقان علي عضوية الاتحاد الأوروبي. حقوق الإنسان والمعايير المزدوجة الرئيس: إن بولندا تعتبر الدرع الصاروخية مشروعا في غاية الأهمية ولا يمكن أن نتجاهل التهديد الذي تمثله الصواريخ الباليستية, وفي عام1972 كانت هناك نحو تسع دول تمتلك تلك الصواريخ, والآن توجد نحو26 دولة تمتلك تلك الأسلحة, وبعض من هذه الدول تحاول السعي إلي امتلاك أسلحة نووية وتستخدمها كأداة سياسية ولا يمكن أن نقبل بذلك وفي المحادثات الجارية حاليا مع الولايات المتحدة توجد مساحة للتشاور والبحث عن اتفاق مع الدول التي تعارض خطط الولايات المتحدة لنشر النظام الصاروخي في وسط أوروبا, ونسعي إلي دعم الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا الذي يهدف إلي إيجاد مناخ من الثقة, كما أننا نتحاور مع روسيا ونؤمن بأن هذا التحاور سيثمر عن نتائج ويعطينا فرصة لإظهار نياتنا الحقيقية. لا توجد دولة مثالية في العالم والحقيقة أن انتهاكات حقوق الإنسان تؤدي إلي نزاعات وتوترات اجتماعية, ولهذا أريد أن أشدد علي اهتمام بولندا باحترام حقوق الإنسان في العالم, واعتبر أن ازدواجية المعايير في مسألة حقوق الإنسان أمر يستحق الشجب ويجب معاملة جميع الدول بغض النظر عن موقعها السياسي والجغرافي بشكل موحد, ولا توجد دولة مثالية في العالم في مسألة حقوق الإنسان, ولا توجد دولة في العالم خالية تماما من انتهاكات حقوق الإنسان, وفي هذا السياق لابد أن نشير إلي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهذا الإعلان يتضمن خطوطا إرشادية أساسية لحقوق الإنسان, وتتحمل جميع الدول دون استثناء مسئولية احترام هذه الحقوق, ولابد عند ممارسة هذه الحقوق ألا ننسي الظروف الثقافية والسياسية, وكذلك ألا تتعارض تلك الممارسة مع الحقوق الأساسية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. |