أكتوبر ـ رمضان 2005

بعد32 عاما عاد أكتوبر الحرب والنصر معانقا رمضان(6 أكتوبر ـ10 رمضان1973), فاليوم ذكري انتصار غال خطط له العقل المصري, وصنعته إرادة وصلابة القوات المسلحة المصرية الباسلة التي غسلت عار هزيمة قاسية في لحظة امتحان قاسية لإرادة وقدرة شعب مصر علي الوجود والحياة.
لقد أثبت المصريون المعاصرون بهذا النصر جدارتهم بحمل تاريخ عريق ومكانة مستحقة ودور محوري في عالمهم المعاصر, لأنهم حللوا وعرفوا أسباب الهزيمة, وخرجوا منها سريعا بحرب استنزاف كانت إشارة لرفض احتلال الأرض, وعدم الاعتراف بالهزيمة وتداعياتها. ولم تمر6 سنوات ـ وهي في عمر الزمن برهة ـ إلا وكانت قواتنا قادرة علي عبور قناة السويس, وتدمير خط بارليف, وسحق الموانع الطبيعية والسدود المائية, وإسقاط الأوهام والأساطير عن الجيش الإسرائيلي والتي صنعتها وغذتها وسائل الدعاية لمختلف القوي الداخلية والخارجية مستغلة نصرا غير مستحق لها, وهزيمة مباغتة لنا.
وبين الهزيمة والنصر, ـ سقطت عقلية في الحكم والإدارة.. وتغير مناخ في الحركة والعمل. وعادت للمصريين حقوقهم الضائعة وحريتهم السياسية والاقتصادية, وتطورت الحياة في مصر.
وأصبح المصريون قادرين علي اتخاذ القرارات الصعبة, وتغيير مسارات بلادهم نحو الأفضل بكل ثقة واقتدار. فكانت المبادرات العملاقة التي غيرت المستقبل السياسي لمنطقة الشرق الأوسط, وكانت نتائجها واضحة لأن لغة إدارة صراع بعقلية القوة والنصر مختلفة تماما, فهي تثق بقدراتها وإمكانياتها, ولذلك تم توظيف التفاوض والمجتمع الدولي لفرض الحقوق العربية, وبدأت إسرائيل عصر الانسحابات والتسليم بحدودها في المنطقة, وصولا إلي انسحابها في عام2005 من قطاع غزة, وإخلاء مستوطناتها في أول اعتراف عملي بالشعب الفلسطيني كشريك حقيقي لها في الأرض, وفي بداية لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
إن ذكري أكتوبر ـ رمضان تحل علينا بعد دورة كاملة من الزمن, وتتواكب هذه الذكري مع بدء مرحلة جديدة من تطورنا السياسي, خطط لها وقادنا إليها قائد الضربة الجوية التي فتحت طريق النصر لباقي أفرع القوات المسلحة, وفي مقدمتهم المشاة أبطال العبور.
إننا نبدأ مرحلة جديدة مع الرئيس حسني مبارك في ولاية جديدة فاز بها بعد انتخابات حرة مباشرة, وسط عملية سياسية تنافسية أعطت للمصريين لأول مرة حق انتخاب الرئيس بشكل مباشر, بما اعتبره العالم والمراقبون عبورا سياسيا جديدا لمصر, يكرس حريتهم ويضمنها بشكل مؤسسي.
ولم يكتف الرئيس المنتخب بأدواره التاريخية وقيادته لمصر في فترة الحرب وصناعة النصر, ثم في بناء البنية الأساسية للنظامين السياسي والاقتصادي, التي كانت الركيزة التي بني عليها تحوله السياسي وعبوره الجديد, فقدم برنامجا طموحا للمستقبل, طاف من أجله ربوع محافظاتنا, ووضعه أمام شعبه, ثم سارع عقب انتخابه وأدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب بمتابعة تنفيذه بحيوية وقوة, وفي اليوم الثاني كان يحشد حزب الأغلبية الفائز في الانتخابات وراء تنفيذ البرنامج في مؤتمره السنوي الثالث, ثم يدفع مجلس وزرائه لوضع الجدول التنفيذي له. وكانت رسالة الرئيس للحكومة الحالية هي البدء الفوري في التنفيذ الآن وليس غدا, أو انتظارا للحكومة الجديدة عقب الانتخابات البرلمانية في نوفمبر المقبل, فليس لدينا وقت نضيعه, وسنمضي في تنفيذ ما وعدنا الشعب بالوفاء به, إننا نلمس علي ساحة العمل الداخلي.حيوية وحراكا وتطورا اقتصاديا وإصلاحا في كل المجالات, وتقول المؤشرات الأولية إن الاقتصاد المصري دخل مرحلة التعافي والنمو المستمر.
وعلي صعيد الإصلاح السياسي نجد أمامنا تجربة جديدة. هي انتخابات مجلس الشعب التي ثبت خلالها تطور نظامنا السياسي علي أرض الواقع, وعلي صعيد الدور الإقليمي, فإن الموقف العربي المشهود في الحفاظ علي القضية الفلسطينية وتعظيم الحوار بين الفلسطينيين, ودفع المفاوضات قدما لقيام الدولة الفلسطينية, مستمر. والحركة المصرية دؤوب لإنقاذ العراق وأهله, وحماية أشقائنا السودانيين, وصيانة عملية السلام بعد أطول حرب أهلية إقليمية.
إن حرب أكتوبر سوف تظل روحا ملهمة للمصريين والعرب, فيها إرادة التغيير وإرادة مصر العميقة التي تحقق ماتريد بالصدق والعزيمة والإصرار.