قراءة في وثائق بريطانية لحرب تحرير الكويت (2-2)

أعود إلى الوثائق البريطانية التي كانت السبب في هذه الزيارة للتاريخ على أهميتها في كل الأحوال والتطورات، تتحدث الوثائق عن زيارة وزير الخارجية البريطانية في ذلك الوقت دوجلاس هبرد ولقاءاته مع عدد من الزعماء العرب خلال جولة في المنطقة ما بين 31 أغسطس و5 سبتمبر 1990، فهي تكشف الدول التي تحركت لحماية النظام العربي ولم تأبه لضغوط أو رشاوى حاكم العراق المغرور والجاهل صدام خلال تلك الفترة.
في الكويت هناك وضوح للرؤية لدى الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت حينها، والشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت الحالي – وزير الخارجية وقتها- الذي خطط لادارة هذا الصراع الاستراتيجي بنجاح وكان له دور كبير في جهود تحرير البلاد حيث ان صدام حسين لن ينسحب من الكويت الا مرغما، ثم تحليله للمواقف العربية بدقة والاختلافات في الرؤى خاصة في البلدين «الأردن واليمن» اللذين كانا حليفين لصدام، وهذا ما تحقق بالضبط وعكس القراءة الصحيحة للأحداث، وكذلك ادراك أمير الكويت للدور الذي تلعبه الدول المترددة في الإعلان صراحة عن رفضها للعدوان الصدامي، كما حدث من الرئيس اليمني في ذلك الوقت علي عبدالله صالح، الذي كرس سياسته للتبرير والتخفيف من الحدث والتخويف من الردع، وكذلك الرؤية الصائبة للادارة الكويتية للتفريق بين الرئيس صالح ودوره المشبوه وبين موقف اليمنيين جميعهم سواء في الجنوب وكثير من القبائل الشمالية الذين يختلفون مع موقف صالح، وكذلك القراءة بين موقف الملك حسين عاهل الأردن وولي عهده الأمير حسن، وكيف كان موقف الأول متأثرا بصدام وطموحاته، وهو الموقف الذي ظل لغزا محيرا لدى الكثيرين في ذلك الوقت الصعب والدقيق في التاريخ العربي.
وكانت المعرفة الاستراتيجية لدولة الكويت والسعودية وراء حقيقة تلخصت في الوثائق البريطانية التي كشف عنها، كما قال سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الراحل إن الحل غير المشروط واعادة الحكومة الشرعية إلى الكويت ورفض الحديث بأنه يجب أن يكون هناك حل عربي، وهذا الأمر جرب من قبل وأن دول الخليج والسعودية خاب أملهم بأقلية من الدول العربية أراحت الصداميين.
أما الدور المصري فقد كشفت عنه الوثائق في سرعة رد الفعل لدى الرئيس مبارك والحكومة المصرية في رفض العدوان والتصميم على انسحاب صدام، وكشفت الوثائق البريطانية مداولات صدام مع مبارك ومحاولة اغرائه بالمشاركة في العدوان عبر اسقاط الديون وكيف كان الدور المشبوه الذي لعبه علي عبدالله صالح الذي وصفه مبارك بأنه عميل لدى صدام، استخدمه لرشوة مبارك ومصر عبر ترك مبالغ مالية للرئيس والحكومة، وكشفت الوثائق أن العدوان لم يكن له هدف الا سرقة ثروة الكويت وشعبها، كما قال صدام لمبارك عندما رفض مبالغ الرشوة التي طرحها قائلا له: هذه الأموال ستحتاجها لاطعام شعبك، وأبلغ مبارك صدام باستعادة المبالغ التي تركها ولكنه أصر على تركها، قائلا انه سيكون لديهم الكثير من المال قريبا في اشارة صريحة إلى توقع صدام أنه سيجني أموالا ضخمة نتيجة اجتياحه الكويت وسيطرته على ثرواتها.
وكشفت الوثائق أن مبارك شن هجوما لاذعا على صدام قائلا ان الرئيس العراقي يكذب وانه أرسل جنوده لاحتلال الكويت بعد تأكيده أن جيشه بعيد أكثر من 70 كم عن حدود الكويت.
وهنا يجب الاشارة إلى أن الوثائق أعلنت أن موقف مصر لم يكن موقفا من الرئيس مبارك وحده، ولكنه كان موقفا مبدئيا من الشعب لرفض العدوان وحماية النظام العربي، ولم تكن تلك هي المرة الأولى، فقد كان هناك موقف سابق في الستينيات عندما لوحت حكومات العراق بالعدوان على الكويت بالرفض المصري القاطع والتدخل الصريح لحماية الكويت من أي تغول عراقي، وهو ما كشف عنه الدور الذي لعبته في قمة القاهرة بتشكيل تحالف عربي أولا شاركت فيه مصر وسوريا ودول الخليج العربي كلها لمواجهة العدوان، وكان هذا التحالف النواة للتحالف الدولي لاعادة الاستقرار الاقليمي بعد عدوان صدامي غير أخلاقي وليس له أي تبرير الا العدوان والعبثية، والزيارة للتاريخ مفيدة لنعيد قراءة الواقع العربي وهو يخوض حربا جديدة اقليمية صعبة ضد التطرف والإرهاب الداخلي والتدخلات الاقليمية المعيبة في الشأن العربي.