الحزب الوطني.. والتحدي الجديد

دخلت إلي قاعة المؤتمرات بمدينة نصر, وجلست أراقب اعضاء الحزب الوطني وضيوفه في مؤتمره السنوي الثالث وقد تصورت أنه سيكون اجتماعا احتفاليا, لأن الحزب خرج لتوه من معركة انتخابية جديدة عليه.. وحقق فيها فوزا غاليا بذهاب أكثر من7 ملايين ناخب إلي صناديق الاقتراع, كما حقق خلالها استقلاله الكامل عن الحكومة وجهازها, وفاز مرشحه في أول انتخابات تنافسية للرئاسة بنسبة88,5% من أصوات الناخبين.
نعم تصورت ذلك, ولكني وجدت خلية نحل تعمل بهمة ونشاط.. صحيح أن شخصية الرئيس حسني مبارك وإنجازاته وفرت الكثير من الدعم لجهود الحزب التي بدت في أثناء الحملة الانتخابية منظمة ودقيقة وجادة, ولكننا بالفعل أمام حزب ينمو ويتطور وينظم صفوفه, ولاتأخذه الانتصارات والفوز بعيدا. وإنما تدفعه الي مزيد من الترابط وتنظيم الصفوف, وإعادة التقييم والدراسة من جديد.. روح مختلفة يجب أن تنتقل إلي كل الاحزاب بل والمؤسسات في مصر, فلقد حاول البعض شق الحزب وزرع التنافس بين صفوفه بالتصنيف بين الجديد والقديم.. لكن الجميع كانوا حريصين علي العمل المنظم والمتطور. ولم يكونوا حرسا قديما أو جديدا متنافسين مع بعضهم.. إنها لغة جديدة ولدها الفكر الجديد وخلال أسابيع قليلة سيجد الحزب نفسه في مواجهة انتخابات برلمانية تمثل التحدي الاكبر لقدراته السياسية والتنظيمية.
وسوف يذكر تاريخنا السياسي من قاموا بهذه الأعمال وتفانوا فيها حتي كانت لها تأثيراتها علي الحيوية التي ظهرت خلال الفترة الماضية, وطوال العقود الثلاثة الأخيرة تركزت الحياة السياسية في الحزب الوطني لأسباب تاريخية, ولضعف الشركاء السياسيين.. ومن هنا يظل الحفاظ علي الحراك السياسي الذي ولدته الانتخابات الرئاسية مرتبطا باستمرار الحيوية داخل الحزب.
وتشير المتغيرات الكثيرة التي نتجت عن خبرات الانتخابات الرئاسية لدي الأحزاب والناخبين إلي أننا سنشهد انتخابات برلمانية غير مسبوقة, وأن أساليب الأمس قد أصبحت من الماضي.
وتعد مسألة الاختيار هي القضية الأكثر أهمية, فقد شابت عملية اختيار المرشحين في الماضي شوائب كثيرة أوقعت الحزب بل والأحزاب الأخري والمستقلين في مشكلات عديدة حتي بعد فوز بعضهم في الانتخابات.. فلقد لاحقتهم تهم وجرائم كثيرة بدءا من نواب القروض إلي نواب الكيف وغيرهم, وبالتالي فإننا في حاجة إلي أن ننقي البرلمان القادم منهم.
إن الاختيار عملية صعبة فلم يتعود الكثيرون احترام التنظيم والتنافس الداخلي, وكان أسهل شئ هو الخروج علي الانضباط الحزبي والترشح للانتخابات باسم المستقلين, ومنافسة الاحزاب ثم العودة إلي الحزب بعد ذلك ليثبت المرشح الفرد, أنه اقوي من التنظيم الحزبي.
واليوم نحن امام تجربة جديدة للاختيار. وهي فتح باب الترشيح للراغبين من الحزب وعرضهم علي مجمع إنتخابي, يكون اعضاؤه من ذوي الخبرة والرأي, والبعد عن المجاملات الشخصية, وعلاقات المصالح, مستهدفين مرشحين أكفاء قادرين علي المزاوجة بين مصالح الدائرة و البرنامج العام للحزب.
وهذه الآلية الجديدة سوف يكون لها تأثيراتها القوية علي مسيرة الانتخابات البرلمانية, ولأن تجربة المجمع الانتخابي في اختيار مرشحي الحزب الوطني لاتزال في مراحلها الأولي, فهي بحاجة إلي ضمانات كثيرة حتي تنجح.
وأولي الضمانات هي معايير الاختيار وشفافيته أيضا, والحقيقة أن وضوح هذه المعايير كفيل بأن يجنب الحزب تحول البعض من مناصرين إلي خصوم.. وسوف تمثل قائمة مرشحي الحزب الوطني أول انطباع لدي الناخب حتي قبل أن تبدأ الدعاية, فالأسماء التي تحتويها سوف تكون إشارة أولية إلي تلك الرؤية الجديدة.
إن حركة الحزب الوطني في انتخابات الرئاسة ثم أسلوبه العلمي والعملي الفعال في مؤتمر اليوم وأمس, ثم اختيار المرشحين ـ تعد رسالة للأحزاب الأخري لكي تواكب هذا العمل وبنفس أسلوبه وقوته.. فهذا هو الطريق نحو تطوير الحياة السياسية, بل والإصلاح السياسي علي أرض الواقع.