محرقــة المســـرح.. واســـتقالة الوزيـر

كانت وجوه ضحايا مسرح بني سويف تطاردني أينما ذهبت, وتطالبني بأن أكتب عنهم.. فأنا أعرف أن الإهمال دخل حياتنا, وانتشر في مجالات كثيرة, حتي أصبح أكبر من أخطار الفساد.
وكلنا مطالبون الآن بوقفة حاسمة لمنع مثل هذه الكارثة الأنسانية وقد توقفنا بكثير من الحزن والفجيعة عندما احترق نخبة من المسرحيين والفنانين والصحفيين والجمهور. وتوقعنا أن تتحرك أجهزة الدولة, وفي مقدمتها رئيس مجلس الوزراء, ليشكل لجنة علي مستوي عال.. تقدم تقريرها عن الحادث, وعن أوضاع قصور الثقافة.. وهنا يجب أن يسأل المسئولون عن المحليات, وفي مقدمتهم محافظ بني سويف عن ماذا حدث؟.. وكيف وقعت الفجيعة؟..
الحادث ليس جريمة فقط, حتي يترك للمحققين وحدهم, وحتي لا تعلق المسئولية علي الخفير الجاهل الذي حبس الجمهور والمسرحيين, وأغلق الباب من الخارج بجنزير!! فجعل المحرقة بلا مهرب.. ليذهب إلي المقهي ليدخن الشيشة.. فمن الذي عين هذا الخفير وأعطاه تلك المسئولية الجسيمة, حتي ولو تم تقديم كل المسئولين عن قصر الثقافة إلي المحاكمة وهم مسئولون عن الكارثة..ولكنها أكبر منهم.
ومنذ أن أعلن وزير الثقافة فاروق حسني استقالته المدوية, بحكم مسئوليته السياسية عن هذا الحادث المفجع,. وحتي الآن لم تتحرك الأجهزة الوزارية, ليخرج التحقيق من نطاقه الضيق إلي النطاق الأوسع.. كي نكشف الإهمال الجسيم, وأوضاع قصور الثقافة المتردية, والمحليات والمحافظات العاجزة!
وحتي لا يذهب وزير له بصمات كبيرة في وزارة مهمة, يجب أن يكون التحقيق أولا, ليسمع ويعرف الناس. أين يكمن الخطأ الذي أوصلنا إلي الجريمة الفاجعة, ووقوع الضحايا الأبرياء شهداء المسرح؟!
ولأن المسرح يستحق ولكونه مدرسة عظيمة للثقافة والحياة, ويجب الاهتمام به, فإننا يجب أيضا أن نخلصه من الإهمال, حتي لا يتكرر في مدرسة أو جامعة أو حتي في أحد بيوت العبادة, وفي أي تجمعات بشرية..
استقالة الوزير اعتراف جيد بالمسئولية.. وهي تمثل شجاعة المواجهة والاعتراف, ولكن يجب أن يمتد السؤال لمعرفة الحقيقة, وموطن الإهمال والمسئولية, المعنوية والسياسية إلي المسئولين عن قصور الثقافة وعن المحليات ببني سويف, فالمسئولية في هذه الجريمة يجب ألا تكون جنائية أو إدارية فقط, ولكنها سياسية واجتماعية, حتي نحمي بلادنا من الأخطاء التي تصنع الكوارث الكبري, فضحايا هذه المرة من الأبرياء الذين أحبوا المسرح وذهبوا وراءه حتي قصر ثقافة بني سويف, واحترقوا هناك, ولم يجدوا مطافئ تنقذهم أو مستشفي رحيما يضمد الجراح..
والتحقيق, الذي نطلبه من رئيس مجلس الوزراء بعد أن فجر وزير الثقافة استقالته, يجب أن يشمل كل أبعاد الجريمة وتداعياتها قبل الحادث وبعده وأسبابه ودواعيه, يقوم به فنيون متخصصون متجردون.. حتي نشعر بأن دماء الضحايا لم تضع هدرا, ولكنها مهدت للتغيير, وقيام واقع جديد لايقبل بتكرار هذه المأساة مستقبلا.
ولأن الحادث كبير ووقع في مسرح, فله دوي عال لن يتوقف إلا بالتحقيق العادل وليس باستقالة وزير مهما بلغت مكانته.