غــزة مفتـاح الدولـة

من حق الفلسطينيين أن يفرحوا, ويفرح معهم المصريون, فبعد38 عاما لم يعد قطاع غزة وشمال الضفة الغربية تحت الاحتلال, ولأول مرة ينسحب الإسرائيليون من أراض فلسطينية, ويفككون مستعمراتهم التي أقاموها فيها.
والمصريون يدركون أنهم تجاوزوا ـ عمليا ـ أحد آثار هزيمة1967, لأن قطاع غزة كان في عهدتهم, أما الفلسطينيون فيعرفون أن عملية الحرس الأخير الإسرائيلية أدت إلي ارتفاع العلم الفلسطيني علي أول الأجزاء المحررة, وأن هذه الخطوة هي الأولي, وستعقبها خطوات أخري, وأن المسيرة التي بدأت لا يمكن أن تتوقف إلا بقيام الدولة, واستكمال التحرير, فالمجتمع الدولي أصبح معهم, والأهم قوة الحق, وتبقي قدرتهم علي التنظيم والتعاون وإدارة معاركهم السياسية في الداخل,
ومع الطرف المحتل لأراضيهم, بمساعدة أشقائهم العرب. وعليهم أن يستفيدوا من مناخ إقليمي ودولي يتحرك ويتغير مناصرا وداعما لحقهم التاريخي في الاستقلال وقيام الدولة.
ونحن في الأهرام كنا مع أشقائنا الفلسطينيين نشاركهم فرحتهم, وبرغم أحداثنا الداخلية المهمة, فإن فرحة الاستقلال كانت بـ المانشيت الأحمر, وكنا هناك علي المعابر, نشاهد لم شمل الأسر الفلسطينية والمصرية.
وكتب لنا أحمد قريع رئيس الوزراء الفلسطيني, منذ أيام, عن البعد الآخر للخروج الإسرائيلي, وانتقل فيه من حق الفرح إلي التشخيص الدقيق, بأن تبقي عقولنا متيقظة, لمواجهة أي مشروعات تنتقص من حقوقنا, أو تشوه وجودنا, وصورتنا, بتعزيز وحدتنا الوطنية, وكتابة استراتيجيتنا, ونسج علاقتنا, والتحرك السياسي, واليقظة ضد الخديعة.
ويجب أن نشير هنا إلي القدرة المصرية السياسية واستمرارها في العمل مع الفلسطينيين يدا بيد, لنجعل من الانسحاب الإسرائيلي مكسبا حقيقيا, بتوفير مقومات ممارسة السيادة, بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ولنجعل منها أيضا عامل قوة في مراحل التفاوض اللاحقة وصولا إلي الحل الشامل, ولا ننسي أن مصر قد دعت إلي عقد مؤتمر قمة عربي استثنائي, وعينها علي التطورات الفلسطينية المتلاحقة,
وأحداث العراق الدموية, بحثا عن تصور عملي يزيل الصعوبات علي الجبهتين, ويساعد المشروع الفلسطيني نحو الدولة, بإنعاش الاقتصاد, وتقليل معاناة الحياة اليومية, وتوفير الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين.
ووسط هذا الجو المفعم بالمتغيرات يجب أن ندرك أنه من حق الفلسطينيين أن يتطلعوا إلي المستقبل بثقة, فلقد انتصروا علي واحدة من أعتي القوي العسكرية المدعومة دوليا, بالتضحيات الكبري, والدماء, والأسري والمفاوضات, كما أن الإسرائيليين يجب أن يساعدوهم بجعل الانسحاب من غزة مقدمة لوقف الاستعمار في كل الأراضي الفلسطينية, وليس بنقله إلي الضفة الغربية أو منطقة الأغوار المحاذية لنهر الأردن, أو حول مدينة القدس, وبوقف عملية بناء الجدار العازل,
والأهم بدء المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين حول الحل الشامل, والسير سياسيا علي مسار خريطة الطريق, لإعطاء أفق سياسي للانسحاب, وليس هروبا من الالتزامات والأزمات.
ولتبدأ إسرائيل فورا بتطبيق ما التزمت به في قمة شرم الشيخ الأخيرة لبناء الثقة بينها وبين الفلسطينيين, بإطلاق سراح الأسري, والمحتجزين, والمطرودين, والمسجونين, وفتح المعابر والحدود للحركة أمام الفلسطينيين, والسماح لهم باستخدام المطار والميناء في غزة, ورد الحقوق والأموال الفلسطينية, والسماح للعمال الفلسطينيين بالحركة, فتكون رسالة ثقة تنمو وتتولد بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي من ناحية, وبين إسرائيل وشعوب المنطقة من ناحية أخري.
وبالرغم من أن الوقت الراهن هو لحظة للاحتفال والتأمل, فإنه أيضا ساعات وأيام للعمل الجاد المستمر, ليس ببناء جدران عازلة, بل ببناء أساس للسلام والتعايش الإقليمي الذي طال انتظاره.
أما المجتمع الدولي, الذي عاني ويلات الحروب والإرهاب أخيرا, فلديه فرصة لكي يجعل من الشعار الذي أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية بقيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية في عام2002 حقيقة علي أرض الواقع, وذلك بتحرك دولي تقوده اللجنة الرباعية الدولية( أمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة), حتي لا تضيع الفرص الثمينة للاستقرار الإقليمي والعالمي,
فالحل العادل سوف يجفف منابع الإرهاب والتطرف, ويفتح أبواب الحياة للشعوب المظلومة والمضطهدة, وفي مقدمتها الفلسطينيون. فأوقفوا الحروب والظلم واضطهاد الشعوب, وتكفينا عبرة الدماء التي تسيل أنهارا الآن في العراق, ولتتحرك العقول الخاملة قبل أن ينفجر الشرق الأوسط, برميل بترول العالم.