عبور مصر الديمقراطي

وهذا الاختيار يتم بين مرشحين متنافسين يمثلون عشرة أحزاب سياسية مصرية, بينها الأحزاب الكبيرة والصغيرة, وقد اجتازوا معا, وسط مناخ سياسي مفتوح, وحرية إعلامية وصلت إلي الذروة, سباقا لم يتوقعه أحد لمصر في أول انتخابات رئاسية بهذا الأسلوب الجديد.
لكننا كنا نتوقعه, فمصر مختلفة, والمواطن فيها يتمتع بمخزون كبير من القيم والخبرات والقدرات والضمير, وهو يعبر عن نفسه, عندما تتاح له الفرصة, فيظهر في أول تجربة, وكأنه قد خبرها من قبل, ويملك فيها رصيدا من الوعي والقدرة يبهر به الآخرين, ويخطف أبصارهم, ويشد انتباههم, معلنا ميلاد حدث وتطور سياسي عميق التأثير في مجمل حياته, بل وفي منطقته وعالمه.
فالمصريون لايختارون اليوم رئيسا يفوضونه عبر أصواتهم للانتقال بهم إلي المستقبل فقط, ولكنهم يدشنون نظام حياة, وأسلوب حكم, وشرعية مختلفة, تقوم لأول مرة علي احترام الناخب, ليدخل المواطن المصري البوابة الذهبية للديمقراطية التي تحترم الفرد, وحق المواطن, وتجعله السيد… تدور في فلكه الحكومة ومؤسساتها, ويعمل الجميع لمصلحته, فهو الذي يختار رئيسه, ومنه يستمد الرئيس الشرعية, والمكانة, والقوة.
ولذلك ذهب كل المرشحين إلي الناخب, وطافوا جميع المحافظات, وقابلوا المواطن: الفلاح, والعامل, والموظف, والمهني, ووضعوا أمامه برامجهم الانتخابية في أسلوب ديمقراطي يليق بمصر العريقة, وهي بدورها تنتظر المشاركة الواسعة من الجميع, التي تعد روح الديمقراطية, وبها يكتمل العرس, ليرسخ في الضمير العام أن مصر ـ منذ26 فبراير2005, عندما أطلق الرئيس مبارك مبادرته بتعديل المادة76 من الدستور, ليصبح اختيار الرئيس بالانتخاب بديلا عن الاستفتاء ـ قد دخلت مرحلة تاريخية جديدة, وأنها أصبحت علي المستوي السياسي مختلفة عن مصر قبل هذا التعديل, فالتشريعات, والحراك السياسي, وحمي المشاركة السياسية لدي جماعات كبيرة, والحوار الوطني الجاد الذي أعقب ذلك, وتحرك الكتل الصامتة في المجتمع, ومشاركتها في الحملة الرئاسية للانتخابات, هي جميعا خطوات علي الطريق الصحيح نحو إيجاد تفاعل إيجابي, ومستقبلي في بناء حياة ديمقراطية سليمة, وسوف تكون لهذا التفاعل أبعاد كبري مستمرة, خاصة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
إن خروج الأحزاب من جمودها الذي استمر منذ انطلاق التعدد الحزبي عام1976, حتي تعديل المادة76 من الدستور, هو فرصة حقيقية لتحقيق الإصلاح والتطور, وتمكين للقوة الاجتماعية والسياسية من أداء دورها الرئيسي في صنع القرار, ودفعها نحو اقتناع لايقبل المزايدة, بأنها بالفعل تشهد عصرا جديدا, وأنها العنصر الأهم في تشكيله.
ولنكن علي يقين من أن الإصلاحات السياسية والتطور الاقتصادي والاجتماعي, والبرامج المقدمة خلال الحملة الرئاسية قد جاءت جميعا, احتراما لأكثر من75 مليون مصري, ودعوة مفتوحة لهم للمشاركة في صنع القرار, والتعبير عن مخاوفهم, وغضبهم, ومطالبهم بالإصلاح دون قيد أو شرط.
وإعلانا لاحترامهم فإننا سوف نتخلص من كل القوانين الاستثنائية والطوارئ, ونتيح لهم تداولا سلميا للسلطة, ومحاسبة المسئولين, ومراقبتهم, واختيارهم بدقة, أما الوعي الشعبي المتزايد, والمشاركة في صنع القرارات فهما بالتأكيد القوة التي فرضت نفسها علي الساحة السياسية, والتي تحررت من الخوف والأزمات, وأتيح لها أن تناقش كل القضايا علي أرض من الشفافية والحرية غير المسبوقة في ظل عملية إصلاحية تدريجية تنضج عاما بعد عام. وسوف نحميها بأصواتنا, فالذين يصوتون ويشاركون اليوم في الانتخاب هم من لهم الحق في الديمقراطية في وطننا, والذين يسعون إلي إنقاذها من المزايدين والمتربصين, ومن تتجه أعينهم إلي الخارج, وأصحاب المصالح الذاتية الذين يستغلون المراحل الانتقالية والدقيقة في حياة الشعوب.
إن علينا حماية هذا العبور الآمن نحو المستقبل, ومصر تستحق أن يكون كل أبنائها معها في هذا اليوم التاريخي.