مقالات الأهرام اليومى

عبور مصر الديمقراطي

المصريون اليوم في اختبار غير مسبوق في تاريخهم‏..‏ حيث يتوجهون إلي صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم القادم الذي سيحكم مصر خلال الفترة من‏(2005‏ ــ‏2011)‏ عن طريق الانتخاب الحر المباشر‏.‏

وهذا الاختيار يتم بين مرشحين متنافسين يمثلون عشرة أحزاب سياسية مصرية‏,‏ بينها الأحزاب الكبيرة والصغيرة‏,‏ وقد اجتازوا معا‏,‏ وسط مناخ سياسي مفتوح‏,‏ وحرية إعلامية وصلت إلي الذروة‏,‏ سباقا لم يتوقعه أحد لمصر في أول انتخابات رئاسية بهذا الأسلوب الجديد‏.‏

لكننا كنا نتوقعه‏,‏ فمصر مختلفة‏,‏ والمواطن فيها يتمتع بمخزون كبير من القيم والخبرات والقدرات والضمير‏,‏ وهو يعبر عن نفسه‏,‏ عندما تتاح له الفرصة‏,‏ فيظهر في أول تجربة‏,‏ وكأنه قد خبرها من قبل‏,‏ ويملك فيها رصيدا من الوعي والقدرة يبهر به الآخرين‏,‏ ويخطف أبصارهم‏,‏ ويشد انتباههم‏,‏ معلنا ميلاد حدث وتطور سياسي عميق التأثير في مجمل حياته‏,‏ بل وفي منطقته وعالمه‏.‏

فالمصريون لايختارون اليوم رئيسا يفوضونه عبر أصواتهم للانتقال بهم إلي المستقبل فقط‏,‏ ولكنهم يدشنون نظام حياة‏,‏ وأسلوب حكم‏,‏ وشرعية مختلفة‏,‏ تقوم لأول مرة علي احترام الناخب‏,‏ ليدخل المواطن المصري البوابة الذهبية للديمقراطية التي تحترم الفرد‏,‏ وحق المواطن‏,‏ وتجعله السيد‏…‏ تدور في فلكه الحكومة ومؤسساتها‏,‏ ويعمل الجميع لمصلحته‏,‏ فهو الذي يختار رئيسه‏,‏ ومنه يستمد الرئيس الشرعية‏,‏ والمكانة‏,‏ والقوة‏.‏

ولذلك ذهب كل المرشحين إلي الناخب‏,‏ وطافوا جميع المحافظات‏,‏ وقابلوا المواطن‏:‏ الفلاح‏,‏ والعامل‏,‏ والموظف‏,‏ والمهني‏,‏ ووضعوا أمامه برامجهم الانتخابية في أسلوب ديمقراطي يليق بمصر العريقة‏,‏ وهي بدورها تنتظر المشاركة الواسعة من الجميع‏,‏ التي تعد روح الديمقراطية‏,‏ وبها يكتمل العرس‏,‏ ليرسخ في الضمير العام أن مصر ـ منذ‏26‏ فبراير‏2005,‏ عندما أطلق الرئيس مبارك مبادرته بتعديل المادة‏76‏ من الدستور‏,‏ ليصبح اختيار الرئيس بالانتخاب بديلا عن الاستفتاء ـ قد دخلت مرحلة تاريخية جديدة‏,‏ وأنها أصبحت علي المستوي السياسي مختلفة عن مصر قبل هذا التعديل‏,‏ فالتشريعات‏,‏ والحراك السياسي‏,‏ وحمي المشاركة السياسية لدي جماعات كبيرة‏,‏ والحوار الوطني الجاد الذي أعقب ذلك‏,‏ وتحرك الكتل الصامتة في المجتمع‏,‏ ومشاركتها في الحملة الرئاسية للانتخابات‏,‏ هي جميعا خطوات علي الطريق الصحيح نحو إيجاد تفاعل إيجابي‏,‏ ومستقبلي في بناء حياة ديمقراطية سليمة‏,‏ وسوف تكون لهذا التفاعل أبعاد كبري مستمرة‏,‏ خاصة في الانتخابات البرلمانية المقبلة‏.‏

إن خروج الأحزاب من جمودها الذي استمر منذ انطلاق التعدد الحزبي عام‏1976,‏ حتي تعديل المادة‏76‏ من الدستور‏,‏ هو فرصة حقيقية لتحقيق الإصلاح والتطور‏,‏ وتمكين للقوة الاجتماعية والسياسية من أداء دورها الرئيسي في صنع القرار‏,‏ ودفعها نحو اقتناع لايقبل المزايدة‏,‏ بأنها بالفعل تشهد عصرا جديدا‏,‏ وأنها العنصر الأهم في تشكيله‏.‏

ولنكن علي يقين من أن الإصلاحات السياسية والتطور الاقتصادي والاجتماعي‏,‏ والبرامج المقدمة خلال الحملة الرئاسية قد جاءت جميعا‏,‏ احتراما لأكثر من‏75‏ مليون مصري‏,‏ ودعوة مفتوحة لهم للمشاركة في صنع القرار‏,‏ والتعبير عن مخاوفهم‏,‏ وغضبهم‏,‏ ومطالبهم بالإصلاح دون قيد أو شرط‏.‏

وإعلانا لاحترامهم فإننا سوف نتخلص من كل القوانين الاستثنائية والطوارئ‏,‏ ونتيح لهم تداولا سلميا للسلطة‏,‏ ومحاسبة المسئولين‏,‏ ومراقبتهم‏,‏ واختيارهم بدقة‏,‏ أما الوعي الشعبي المتزايد‏,‏ والمشاركة في صنع القرارات فهما بالتأكيد القوة التي فرضت نفسها علي الساحة السياسية‏,‏ والتي تحررت من الخوف والأزمات‏,‏ وأتيح لها أن تناقش كل القضايا علي أرض من الشفافية والحرية غير المسبوقة في ظل عملية إصلاحية تدريجية تنضج عاما بعد عام‏.‏ وسوف نحميها بأصواتنا‏,‏ فالذين يصوتون ويشاركون اليوم في الانتخاب هم من لهم الحق في الديمقراطية في وطننا‏,‏ والذين يسعون إلي إنقاذها من المزايدين والمتربصين‏,‏ ومن تتجه أعينهم إلي الخارج‏,‏ وأصحاب المصالح الذاتية الذين يستغلون المراحل الانتقالية والدقيقة في حياة الشعوب‏.‏

إن علينا حماية هذا العبور الآمن نحو المستقبل‏,‏ ومصر تستحق أن يكون كل أبنائها معها في هذا اليوم التاريخي‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى