مقالات الأهرام العربى

القدس.. والمقدسيون

لن أزيد كثيراً على الهبة العربية والعالمية التى قفزت فى وجه ترامب الرئيس الأمريكى، عقب قراره المشئوم فى 6 ديسمبر 2017 بنقل سفارة أمريكا إلى القدس دون أن يسمى حتى القدس الغربية، فى محاولة ليبدو أمام مواطنيه أو ناخبيه أنه الرئيس الشجاع الذى ينفذ ما يعتقد، وأنه يعطى الحق لأصحابه! فأثبت بذلك عكس ما أراد أن يفعل.
هذا القرار لم يكشف ضعف الرئيس نفسه، بل كشف أن القوة العظمى لا يمكن أن تكون عظمى، إلا عندما تعتمد الحق أو تحترم القانون، وأن الرئيس عندما يستخدم صلاحياته فى غير موضعها، فإنه يفقد ما تستحقه الدولة ويجعل الآخرين يحتلون مكانها بل يكشفون موقعها.

القدس لم يدافع أحد عنها برغم أن أوروبا والصين وروسيا وآسيا وإفريقيا سارعوا قبل العرب والمسلمين لكى يرفعوا لافتات القدس، بأنها ليست عاصمة لإسرائيل، ويطالبون باحترام القوانين وأن القدس أرض محتلة.

القدس دافعت عن نفسها، ولأنها بؤرة الأديان السماوية وموضع وأم الدين الإبراهيمى، فهى بوتقة العالم منها بزغ للنور شجرة الهداية للعالم كله: المسيح، وكنيسته القيامة، وهى مسرى رسوا الله محمد صلى الله عليه وسلم ومنها حصل الإسلام والمسلمون على طقوسهم وصلاتهم وعرفوا دينهم، وكانت أول قبلته إلى الله بعد بعث رسولهم الكريم، ولعلنا نتوقف طويلا أمام كلمات القرآن الكريم فى افتتاح سورة الإسراء لنرسلها إلى العالم كله، بل نرسلها إلى الإسرائيليين أنفسهم قبل غيرهم، ونقول لهم إن المسلمين هم من أعطوا اليهود حق البكاء أمام حائط المبكى، وأن الفاطميين المسلمين هم الذين رصوا حجارته لهم وسمحوا لهم بالعبادة هناك، ونحن المسلمين نصوم يوم عاشوراء تكريما لنبى الله موسى واحتراماً لبنى إسرائيل.
تدبروا آيات القرأن:”سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دونى وكيلا».. سورة الإسراء(1,2).

لا نريد أن نخاطب ترامب فهو هناك يعمل رئيسا لأمريكا بعيدا عنا، ولا يعرف ولن يستطيع أن يعرف، فهو يتعامل مع شعبه بالأساليب الانتخابية وباللغة الشعبوية التى ترضى الغرائز، ويتعامل مع العالم والعلاقات الدولية كأنها صفقة تجارية كيف يكسب منها، ترامب ليس نسيجاً مختلفاً عن الرؤساء الأمريكيين بل إنهم جميعا واحد صحيح، وأن ترامب وغيره من الرؤساء والكونجرس الأمريكى، هم الذين يعطون لإسرائيل القوة لكى تتحدى جيرانها بل تتحدى العالم وتريد أن تفرض بالقوة ما لا يفرض، صحيح أن أمريكا الضعيفة والمتهافتة والتى لا نعرفها هى التى تعطى المتطرفين فى العالم، وفى مقدمتهم الإسرائيليون أن يضربوا عرض الحائط بحقوق الآخرين ويفرضوا على الفلسطينيين والعرب باستخدام الأوضاع الراهنة، ما لايمكن قبوله ولا يستطيع أى حاكم فلسطينى أو عربى قبوله، لأنه لن يكون مرفوضاً من الشعوب فقط بل من الأرض ومن التاريخ من الجغرافيا ومن القيم ومن كل ما احترمه الناس من بدء الخليقة وإلى الآن.

لا نريد أن نخاطب الأمريكان من الآن، وخاطبوا الإسرائيليين مباشرة، خاطبوا اليهود فى كل مكان مباشرة لا تراهنوا على الأمريكان، فهم لحظة الجد سوف يتخلصون من الجميع، بل سوف يتخلصون من الإسرائيليين أنفسهم وسوف يحملونهم أخطاءهم وأوزارهم.

السلام مصلحة لمنطقة الشرق الأوسط، السلام مصلحة للعرب وللإسرائيليين وليس لأحدهم على حساب الآخر، إذا كنا جادين ومختلفين هذه المرة، فيجب أن تكون هبتنا ضد إسرائيل مباشرة، وأن نحملها مسئولية الأخطاء والتأخر فى عملية السلام، أما أمريكا فيجب أن تكون رسالتنا إليها أن تحترم العرب، ومثلما قدمت كل شىء لإسرائيل وأن، نفرض عليها، ومصالحنا معها كثيرة، أن تعترف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وأن تكون القدس ضميراً للأديان السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية، مدينة مقدسة عاصمة لفلسطين، الدولة التى تحترم الأديان الإبراهمية كلها، وليس تحت وصاية آخر، بأن تفرض عليهم أن يحترموا ويقتنعوا بمقدساتنا كما نحترم مقدساتهم.

الحرب على القدس ستكون طويلة وصعبة وشاقة، ويجب أن تتغير مجتمعاتنا وأساليب حياتنا وطرقنا فى الحياة لكى نهيأ بلادنا لهذا الصراع الطويل، لتكن مهمتنا العاجلة حماية المقدسيين العرب الذى يعيشون فى القدس 50 عاماً حتى الآن تحت الاحتلال بلا غطاء أو مساعدة اقتصادية إذا كانت القدس تهمنا، وهى قطعا مقدسة وعزيزة وغالية فإن المقدسيين العرب (400 ألف نسمة) يجب أن يكونوا فى عيوننا، وأن نرسل إليهم مساعدات مستمرة وننشئ صندوقاً عربيا تدعمه الشعوب قبل الحكومات لكى تحيا القدس عزيزة عربية غالية فى الوجدان. القدس عاصمة فلسطين، وفلسطين هى عروس عروبتنا، وعلينا أن نعمل أكثر من التظاهر أو الفوضى أو الرفض أو الشجب، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وتأبى القدس إلا يحررها أحد غير أبناؤها المؤمنون، حقيقة رسالة يجب أن نعرفها نحن العرب ونترجمها ونرسلها إلى العالم كله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى