السعودية ومتغيراتها ومستقبل المنطقة!

التطورات المتسارعة فى السعودية أربكت كل المراقبين الذين يتطلعون إلى استقرار المنطقة، والبعد عن الحروب، لأن بداية تحقيق هذا الهدف هو قدرة الدول المحورية، وفى مقدمتها السعودية على تحقيق الاستقرار لدولتها والمنطقة ككل.
ثلاثة تطورات مهمة، وقف أمامها الكثير من المتابعين بالتعليق والمتابعة، والذين يعرفون السعودية أدركوا أنها تصب فى منطق المواجهة، وهو المنطق الذى يبرر التجاوز، ويعنى تغييرا فى سياستها التى التزمت بها بمنع الحروب، ولكن أن تقع حرب جديدة بين إيران والسعودية، فهى حرب تهدد الشرق الأوسط ككل، وعلى المجتمع الدولى والدول العربية، التحرك السياسى والدبلوماسى لوقف التدخلات الإيرانية فى شئون الدول العربية المختلفة حتى يتحقق الاستقرار الإقليمى، ولا تدخل المنطقة حرباً جديدة تزيد من الضحايا وأعداد المهاجرين وضياع اقتصادات الدول العربية، والعقل يحتم التحرك لأن المنطقة لا تتحمل مزيداً من الخسائر والحروب.
ولعلنا نتذكر حين تزايدت التداخلات الإيرانية فى البحرين تحركت السعودية وحركت قوات درع الجزيرة، فى رسالة مباشرة إلى إيران بأن السعودية ودول الخليج لن تسمح لها وفريقها بتغيير النظام السياسى فى البحرين، أو دفعها إلى مصير مجهول، وكان هذا التدخل العسكرى السريع طريقاً لاستقرار البحرين، وبالتالى كل دول الخليج العربى.
وعندما تدخلت السعودية فى اليمن لوقف الحوثيين من السيطرة على اليمن، وحكم أقلية للدولة اليمنية لصالح إيران ضد اليمن وشعبها، وضد منطقتها، وفرضت الحرب على السعودية وحلفائها من العرب لإنقاذ اليمن، خرج الجميع يهاجمون متصورين خطأ القرار، ولو لم تتدخل السعودية لإنقاذ اليمن، لكانت المقدمة لغزو كل دول الخليج وبداية الانهيار الكبير، صحيح أن الحرب لها تبعات ضخمة، ومنذ تلك الفترة الحساسة والمنطقة لا تزال تعيش حالة الحرب وسقوط الضحايا، واستغلت إيران الحوثيين، لاستنزاف السعودية والمنطقة وشعوبها وتهديدها مقابل مقايضات تبحث عنها إيران فى سوريا وفى العراق وفى اليمن!! وهو ما لا يمكن للدول العربية أن تقبله على الإطلاق، يجب إذن كف يد إيران عن التدخل فى شئون الدول العربية ككل.
وجاء الصاروخ الإيرانى، الذى أطلقه الحوثيون على مطار الملك خالد فى الرياض، الموجود فى ترسانة حزب الله اللبنانى العسكرية، إشارة حرب إيرانية جديدة بل كان صاروخ حرب مقبلة من إيران عبر حزب الله الشريك فى الحكومة اللبنانية، والقبول بهذا التدخل يعنى الرضوخ للسيطرة الإيرانية على لبنان والعبث الإيرانى فى اليمن والخليج.
وكان قرار رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريرى من الرياض بالاستقالة، تعبيراً سياسياً من حقه أن يستخدمه ويعنى أنه يرفض أن تعبث إيران بالحكومات وبالدول العربية وبمنطقة الخليج، ولعلى هنا أشيد بقرار الحريرى الذى شكل صدمة وزلزالا سياسيا فى بيروت، وكان استقبال الرئيس اللبنانى عون لهذا القرار حكيماً، فلو انتهز فرصة الاستقالة، وأعلن قبولها لكان رضوخا لإرادة حزب الله وإيران المتطلعين إلى التخلص من الرئيس الحريرى، حتى تكتمل لهما السيطرة على لبنان، وأن يكون الحكم بشكل مباشر من إيران عبر حزب الله مع التخلص من المكون العربى السنى، وضرب دستور لبنان المحكوم بعلاقات متوازنة بين الطوائف، وبالتالى تصبح بقية الطوائف، وفى مقدمتها المسيحيون أسرى لحزب الله، وتابعة لولاية الفقيه وإيران.
فكانت الاستقالة، ورفضها من الرئاسة اللبنانية، والتحركات العربية والدولية لتلافى الآثار الناجمة عنها، وإنقاذ لبنان والمنطقة من التداخلات الإيرانية، بما أثبت نجاعة القرار والتحرك، وأعتقد أن لبنان سيخرج من الأزمة وأن إيران سوف تستقبل هذه التطورات بالكثير من الفهم والإدراك، ولأن حزب الله يحتاج إلى الحكومة اللبنانية لإنقاذه من براثن إسرائيل التى تترقب الأحداث فى المنطقة، سرعان ما ستتدخل لتحقيق مصالحها، وإنقاذا للمنطقة ولبنان، يعنى أن تلجأ إيران وحزبها فى بيروت إلى العقل ولا يتجهان إلى فتح صراعات وحروب لا يقدران عليها.
أوقفوا تدخلاتكم فى لبنان، فهو ليس أرضا رخوة بل هو ترمومتر المنطقة وبه نقيس التحركات المقبلة وبدايات ونهايات الحروب.
أما ثالث الأحداث، فهو قرار الملك سلمان بمجابهة الفساد ومحاكمة أمراء ووزراء، راح الكل يتدخل فى شأن سعودى داخلى، مع غياب المعلومات والمعرفة بالدولة السعودية، والذين يعرفون يدركون أنه قرار سعودى خالص لا يتخذه إلا الملك سلمان لصالح بلاده، وكذلك لصالح أسرته ولصالح المملكة السعودية، فالدولة السعودية لم ولن يتغير جلدها، لكنها تتجدد وتتكيف مع العصر.
إنها المرة الأولى التى تنتقل فيه محاكمة الأمراء من نطاق الأسرة إلى النيابة العامة، والعارفون يدركون أن الذى اتخذ القرار هو نفسه الملك سلمان، وليس ابنه محمد ولى العهد، ولكن الملك سلمان له مهمة رسمية يعرفها السعوديون والأمراء كلهم، فهو مُعيّن من والده عبد العزيز وأشقائه الملوك المتتابعين، فيصل وخالد وفهد وعبدالله، لتأديب أى أمير يخرج على القانون، والأمراء مثل غيرهم بشر يخطئون ويصيبون، بل يرتكبون جرائم، ومن حق الملك المعين محاكمة أبنائه قبل أشقائه، وأن يختار إحالتهم إلى النيابة، وهذا يعنى أن المملكة استقرت وانتقلت إلى عصر جديد، وأنها تتغير وتتكيف مع العصر، وتستكمل مؤسساتها الدستورية والقانونية بالمعايير العالمية، وهذا يفرحنى ويطمئننى على مستقبل السعودية فى عالم المتغيرات.