«نيوم» حقيقة أم حلم؟

منذ أن أطلق الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى مشروع «نيوم» على ساحل البحر الأحمر، مخصصا مساحة معتبرة من الأراضى (26,5 ألف كم)، وبصندوق خصص نصف بليون دولار، وفى أراض سعودية ومصرية وأردنية، ووضع تسعة قطاعات استثمارية سماها مستقبل الحضارة الإنسانية، كلها تمثل قطاعات الإبداع الثقافى والتكنولوجى، ساعتها أدركت أن العرب بدأوا يتطلعون للمستقبل، وأنهم قرروا بناء مناطق جديدة وبلغة مختلفة تخاطب العصر.
لم يكن هذا أول مشروع مشترك عربى يلفت النظر، ويدعونى للتوقف، فكان الأول، وللأمانة المشروع السياسى الكبير الذى أعلنته 4 دول عربية هى: مصر وثلاث دول خليجية، السعودية والإمارات والبحرين لإيقاف العبث القطرى فى المنطقة العربية، وتحجيم تطلعاتها الخبيثة لنشر الفتنة والاضطراب، مستخدمة التيارات الدينية، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم، كحصان طروادة لتقويض المستقبل العربى!
وكان القرار الخليجى أو السعودى الإماراتى بدخول هذه المعركة مفاجئاً بالنسبة لى، لطبيعة التشابكات والعلاقات الخليجية، فهم بطبيعتهم متحفظون، لا يريدون أن يخرجوا الغسيل الخليجى السلبى إلى العلن.
فقد تصورت أن أساليب المعالجة للفتن القطرية لن تكون علنية، وبها الكثير من المكاشفة، لوقف الاستهتار والعبثية الفوضوية التى صنعتها قطر فى الخليج وفى المنطقة العربية، الذى صب كله فى صالح الإيرانيين والتيارات الفوضوية التى تدّعى الإسلامية!
وساعة إعلان هذا التحالف، وبالقوة التى أعلن بها أدركت أن العرب تغيروا وقرروا أن يلحقوا بالعصر قبل أن يهرب منهم، ويذهب بعيداً، ولا يعود، بل إنهم قرروا أن يدخلوا العصر الجديد بكل تحدياته، وكان قبلها قد قرروا بناء تحالف لمواجهة العبث الإيرانى فى حزام الخليج والسعودية على أرض اليمن الشقيق.
لم يهب العرب الحرب وتحدياتها وتكلفتها الباهظة، ولم يكن هناك بديل عن خوضها إلا بالتسليم بأن يصبح اليمن رهينة لإيران، تحت وصاية الحوثيين وميليشيات صالح، أى بواقى الجيش اليمنى..
كان تحليلى أن اليمن سوف يصبح لبنان الثانى أو العراق الثانى، حيث إن لبنان فقد الكثير من استقلاله، وأصبحت جميع الطوائف، بمن فيها السنة والمسيحيون، بل الجيش اللبنانى والرئاسة تحت وصاية مؤقتة لحزب الله، كذلك العراق تحت وصاية إيرانية وحماية ميليشيات شعبية مدعومة من قاسم سليمانى مسئول الحرس الثورى الإيرانى، وأن كفاح الطوائف الأخرى رهينة بتحركات وقدرات وحسابات إيران لتحركاتها المحسوبة فى سوريا، وفى المنطقة خصوصا فى العراق، وأن حسابات المنطقة أصبحت كلها متداخلة ودقيقة، وهكذا ما يحدث فى سوريا، الكارثة العربية المفزعة أو الثانية بعد فلسطين وضياعها.
أعود إلى «نيوم» وأتمنى أن ينجح، فهو مشروع سعودى لكسب الشباب فى كل المنطقة العربية، لكى يبدعوا ويعملوا لصالح منطقتهم قبل أن يهربوا للخارج، أو تستقطبهم تيارات دينية متطرفة، ويفقدوا ولاءهم للمنطقة والعروبة.
إن مشروع “نيوم” تحد سعودى وخليجى، يستفيد من الطاقات الاقتصادية، وعائدات أموال البترول، ويجعل لها قيمة فى المستقبل، ويجذب الشباب العربى من كل المنطقة بديلاً عن الهروب أوالضياع، وأن يصب مجهودهم وعلمهم لصالح بلادهم ومنطقتهم.
تتطلع أن تصب المبادرات الخلاقة لدولة الإمارات فى أبوظبى، وأبناء زايد الرائعين، ومحمد بن راشد المكتوم فى دبى فى صالح كل المنطقة، وإذا حدث ذلك، فإن حزاماً أو تحالفاً قوياً لحماية الشعوب والمنطقة سيكون قد ظهر للوجود.
ساعتها سنتطلع جميعاً للمستقبل بثقة ويقين، ونقول إن الأحداث التى جرت فى المنطقة، رغم قسوتها، وحروب الخليج الأولى والثانية، قد أثمرت وعياً عربياً بالمستقبل، وسيتجاوز العرب معاً التحديات التى ظهرت لطمس وجودهم وتحجيم دورهم، سواء من الدول الكبرى فى العالم من أمريكا وروسيا أو من الدول الإقليمية الكبرى التى تجاورنا، سواء كانت إسرائيلية أو فارسية أو تركية، فقد ظهرت من الجميع أطماع لا حد لها فى أراضى وثروات العرب، وكلهم أرادوا، بل سعوا، ليس للتدخل فى شئوننا فقط، بل لاحتلالنا من جديد، وسلب إرادتنا، ووجدوا بيننا من يساعدهم سواء بوعى أو جهل أوعدم إدراك.