الرجل المريض لن يموت

أعترف بأن حال العرب فى وضع صعب، وكل دولهم فى خطر، الغنى منها والفقير، والصورة تشير إلى أن هذا الرجل المريض لسنوات طويلة تم نقله إلى غرفة الإنعاش مستعدا للنزع الأخير!
ولننظر إلى الحالة الماثلة فى المشرق والمغرب والخليج.
ففى العراق كوارث مفزعة، والأكراد يستعدون لإنشاء دولة، وهذا يعنى التقسيم الفعلى، وأيضا بعد انتهاء الإطار النظرى للدواعش، وانسحابهم كتنظيم، فإنهم ما زالوا موجودين كفكرة مستوطِّنة، يتحركون فى الإقليم بين سوريا والعراق مثل الجوالة بين المدن، وغير ذلك، فإن البلدين العزيزين (سوريا والعراق) يعانيان من مخاض حروب أهلية وطائفية مفزعة، هدمت المدن، وهجرت السكان.
وهكذا فى لبنان، فهو لا يستطيع الهروب من مصير البلدين والجارين والطوائف الممتدة التى تعبث بمستقبله، وهكذا مصر تواجه ظروفا مختلفة، ومخاض جماعات متطرفة إسلامية وسلفية وإخوانية، تمارس الإرهاب، وتريد كسر هيبة الدولة فى الداخل، ونحاربها فى سيناء.
أما فلسطين المرتقبة، الدولة التى تعيش فى علم الغيب، فلم تظهر للوجود بعد، ولا يزال أهلها يعبثون بمستقبلها، وقد انقسموا بين (ضفة وغزة)، وبين (جهاد وحماس وفتح)، وهكذا دواليك، سرعان ما يتفقون ثم يختلفون! وتناسوا أنهم تحت احتلال إسرائيلى استيطانى مخيف ومفزع معاً، فهم يراوحون فى أماكنهم بين أن يكونوا معاصرين وسلفيين وإسلاميين، ولم يصلوا بعد رحلة كفاح طويلة إلى إستراتيجية يهزمون بها إسرائيل!!
ونأتى إلى المغرب العربى، فهو الأكثر غموضا، وله ظروف صعبة تجعله كامنا، ولكن ذلك لا يمنع التيارات الأصولية الجوالة من التحرك والتهديد، كانت هذه التيارات قد خاضت حربا طويلة حطمت فيها الجزائر التى لا تزال تتطلع إلى المستقبل، والخروج من كارثة هذه الحرب الطويلة!
وفى تونس أطلت هذه التيارات برأسها، لكنها تخوفت من خروج السكان عليها، وهؤلاء السكان يعيشون على السياحة، فخشيت هذه الجماعات أن يقتلوهم، وتنهار تجربتهم، فراهنوا على الحكم والمهادنة!
أما المغرب،البلد، فَمَلَكَية قديمة، تتسم بالحكمة، تعالج الوضع الشائك بحصافة تحسد عليها، لعلها تستمر إلى أن يحدث التغيير الشعبى والوطنى فى كل العالم العربى، أما ليبيا، فحدث ولا حرج، وكل الدولة فى عالم الغيب!
وإذا ذهبنا إلى الخليج العربى الغنى بالبترول والثروات المالية الطائلة، فسنجد أن الأزمة قد اشتعلت فى قلبه وعلى أطرافه، ففى اليمن حرب أهلية مخيفة، اشتركت فيها كل الطوائف، ودخلت إيران إلى ساحتها، وفى البحرين، اشتغلت فيها الثورة الطائفية أيضا، ودخلت فيها إيران أيضا، ثم قطر الجارة الشقيقة، لتنتقم من تطلع البحرين إلى التحكيم الدولى، والحصول على جزيرة «حوار»، أما قطر نفسها فقد استوطنت فيها التيارات الأصولية والإخوانية، ووقعت فريسة لطموحاتها ورغباتها غير المشروعة، واستولى على مقاديرها المغامرون والنصابون الدوليون، وكل الجماعات المتطرفة من إخوانية وغيرها، حتى تجعل من الإمارة الصغيرة الغنية حصان طروادة، تسخدمه هذه الجماعات للسيطرة على الخليج العربى كله.
اجتمع المغامرون من الشرق والغرب، وتكالبوا على جثمان الرجل المريض.
ولكن مع اعترافى بأننا نعيش حالة صعبة، فإن وصف الرجل المريض قد لا ينطبق على العرب، فهم لم يكونوا إمبراطورية قط، بل كانوا دولا فرادى، تعيش فى تقسيم (سايكس ـ بيكو) الإنجليزى الفرنسى بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية التى أطلق عليها الرجل المريض بحق، وقد لفظت أنفاسها أوائل القرن العشرين، وورث دويلاتها الإنجليز والفرنسيون، فى حقبة استعمارية طويلة، يبدو أنها قاربت على الانتهاء.
وهناك إشارة إلى أن التحالف الرباعى (الذى أصبحت فيه مصر مع السعودية والإمارات والبحرين فى مواجهة الحالة القطرية التى هددت استقرار ومستقبل الإقليم) هو نواة تحالف إقليمى لإنقاذ المنطقة ككل.
وادعوا معى أن يكون ذلك حقيقة، فلا مستقبل للعرب بدون أن يظهر لهم جناح قوى ناضج وعاقل، يواجه الكوارث المفزعة التى تعيشها الدول العربية والإنسان العربى الآن.