مقالات الأهرام العربى

من انتصر فى سوريا؟

هذا ليس سؤالا، ولكنه استهجان لكل من يحاول أن يصور أن فى سوريا منتصرا ومهزوما!!

ويجب ألا يجعلنا التشوق إلى أى نصر أن نسميه نصرا، فما جرى كان مزيفا، وصعد على جثث وأشلاء الضحايا فى سوريا، وكان كارثة عربية مفزعة ترقى إلى الكارثة الفلسطينية فى عام 1948، وقعت فى ست سنوات من حرب أهلية دامية، دمرت البلاد، وشردت الشعب، وفتحت باب جهنم لمستقبل سوريا!
إن تشخيص الوضع فى سوريا يجب أن يكون واضحا، فلا نستهين بأرواح الناس، ولا نسفه أوضاع المهاجرين.. فمحنة سوريا والسوريين ثقيلة، فقد تم تهجير نصف السكان إلى الداخل والخارج، وتم تدمير المدن، وتحول جيشها للدفاع عن النظام والطائفة، وترك الشعب وأغلبيته يقاسى صنوف العذاب.

وسوريا البلد الوحيد الذى لم يجد من يحنو عليه شعبا ودولة من كل صنوف العذاب والاضطهاد، فمن ينكر أن فى سوريا حربا طائفية ظالمة بعد ما يقترب من نصف مليون ضحية و 5 ملايين مهاجر!! ومن ينكر أن فى سوريا احتلالا فى كل ركن من أركان البلد فهو غير عاقل أو غير متزن أو متعصب.

فى سوريا جيوش وميليشيات احتلال، تتمركز فى كل جنبات البلد، بحجة أنها مناطق آمنة، وهى عملية تسكين، لجأ إليها أقوى جيش فى سوريا هو روسيا، ليبدو أنه مع الجميع، وفى إشارة أنه يريد أن يخرج سليما من المستنقع السورى الصعب! وإذا خرج، وهذا صعب جدا، فهل سيهرب من محكمة التاريخ، وإذا هرب منها أين ستضيع أصوات الضحايا من الأبرياء!
فى سوريا قامت روسيا، أقوى دولة فى العالم بعد الولايات المتحدة، بما يقرب من 28 ألف تحليق قتالى و90 ألف غارة على مواقع سميت بالمعارضة، معظمها مواقع مدنية، وفقا لتصريحات مسئولين روس، وليس أمريكيين أو أوروبيين، بل كان هذا اعترافا شارحا من رئيس غرفة العمليات وهيئة الأركان للقوات المسلحة الروسية!! وكان يشرح كيف تكبدت بلاده الأموال والمعدات دفاعا عن سوريا!

وهل حقا حين تقتل تسميه دفاعا عن سوريا؟

هى معايير لا أستطيع أن أسميها فى سوريا، وقد وافقت أمريكا وإسرائيل على رشوة روسيا بتسليم السلاح الكيماوى، وتركت الطرفين يطلقان غاز السارين على السوريين فى الغوطة، ويموت الأطفال والنساء والشيوخ على مسمع ومرأى من الجميع، بلا خوف من أن أى ضمير إنسانى أو حيوانى يصرخ من أجل الإنسان، وحقوق الإنسان، أى إنسان، ففى الشرق والغرب قالوا عن سوريا، إنهم لا يهتمون بالإنسان العربى، فليختر أى موت يريد، وبأى سلاح يقتل.

روسيا وأمريكا شريكتان، إيران وتركيا شريكتان، والطوائف الشيعية شريكة، وميليشيات حزب الله متهمة، ومسئولة أمام الضمير الإنسانى عن أرواح السوريين، والعرب مسئولون عن الأرواح التى سقطت، فقد دعموا جماعات، ووقفوا مع طوائف بالسلاح، وأنشأوا ميليشيات تقاتلت على الأرض، وضد الإنسان، ولم يكن مفهوما لماذا يتقاتلون، وعلى أى شىء، فماذا سيحقق المنتصرون على جثث الناس والوطن؟

حتى الأمم المتحدة ومبعوثوها المتتابعون، وصولا إلى المستر المبعوث الأممى ستيفانى دى ميستورا الذى يصف ما يجرى بالمعارضة، ولا نعرف عن أى معارضة يتكلم، كأن الشعب أصبح معارضة بالكامل، وكان مطالبا بأن يقاتل جيشا ودولة عظمى، ويحقق انتصارا، ألا تخجل الأمم المتحدة ومبعوثها من هذا التصريح العاجز على توصيف الوضع فى سوريا، و ما دور المنظمة الأممية فى حماية الشعب، ووضع حد للصراع الطائفى والأهلى الذى شمل سوريا بأكملها، وقسمها بالفعل إلى مناطق نفوذ مختلفة ( منطقة لروسيا) (مناطق لإيران وحزب الله)، و(مناطق للجيش والسلطة الحاكمة)، ومنطقة للدواعش، وأخرى بتصاريح يسيطر عليها(المتصارعون) و(منطقة فى الجنوب تحت رعاية المعارضة) «حماية الأردن» تحت مسمى (قوات جبهة الجنوب).

أيها الإخوة إن سوريا مهزومة بالكامل، ومن أن يحاول أن يصور أن الأسد منتصر فهو واهم، ومن يحاول أن يصدر أن الأسد منتصر فهو واهم، ومن يحاول أن يصور أن المعارضة مهزومة فهو أكثر وهما، ومن يحاول أن يصور أن الطائفة الشيعية وحزب الله وإيران انتصروا على الأغلبية السنية فهو جاهل وأعمى، ولا يرى إلا تحت قدميه.

فى سوريا قضية كبرى هى قضية شعب فى محنة، وكل القوى المتكالبة عليه عاجزة عن أى شىء، بل إن الأمم المتحدة هى الأخرى فاشلة وعاجزة، ولا تحمل أى رؤية لمستقبل هذا الشعب، لقد تخلى العالم عن سوريا، وترك روسيا وإيران لتتحملا بالقرار السورى، وبتسليم مقاليد البلد للسلطة بالقمع، هو قمة الفشل.

أقول هذا الكلام ولا أملك الإجابة، ولكنها صرخة عسى أن تجد صدى من العرب، ومن المجتمع الدولى، بشرقه وغربه، ومن الطوائف كى يحنوا على سوريا والسوريين، ويجلسوا على مائدة تفاوض، وفى نيتهم الحل، ومساعدة الشعب، وليس بحثا عن السلطة أو النفوذ تحت ظلال بلد يحترق، وشعب يموت، والبعض يصرخ أو يهذى بالانتصار، أو يشير إلى الهزيمة، وهى للكل!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى