مقالات الأهرام اليومى

مهندس أحلام الصحفيين.. طابع الصحف

ليست قصة حياة، أو قصة نجاح فحسب، بل هى حلقة إبداع وحب، يترجمها عمل متواصل، ومشروع متكامل، لأكثر من أربعة عقود، تجسدت فى مسيرة المهندس المصرى تيمور عبد الحسيب، وكشفت عن قدرة الحب، عندما تصاحب العمل، فيتحول إلى ابتكار، وتطور، وعلم، يتفوق فيه على الأجانب، ويصل فيه إلى التميز، والعالمية..

المهندس تيمور عبد الحسيب حفر لنفسه أسماء عديدة، وله قصص مختلفة مع كل من عمل معه فى مؤسسة الأهرام خاصة، أو فى الصحافة المصرية عامة، سواء أكان صحفيًا، أم كاتبًا، أم مهندسًا، أم إداريًا، أم عاملا فنيا، أم مهندسا فى الاتصالات، أم عاملا فى الطباعة، بل وصل إلى دارس علوم الصحافة والطباعة والاتصال والإنترنت، فأصبح طابع الصحف الأول، ومحقق آمال وطموحات الصحفيين. وهذه الجملة ليست من عندي، بل هى من ابتكار صاحب أطول فترة زمنية كنقيب للصحفيين فى مصر هو الأستاذ إبراهيم نافع، رئيس مجلس الإدارة والتحرير «الراحل» الذى كان يقدم المهندس المصرى بفخر للإعلاميين والصحفيين، ويقول لهم احلموا.. وتيمور المهندس سوف يحقق الأحلام، ماذا تريدون؟ طباعة جديدة؟ لغة عربية راقية بالكمبيوتر؟ اتصالات عالمية؟ صورا ملونة (جرافيكس)؟ تطبعون ملاحق رياضية وفنية ملحقة بالأهرام الصحيفة الأم؟ .. تيمور معكم .. يستطيع أن يحقق كل ذلك.

فتربينا على أن المهندس تيمور عبد الحسيب، يحقق الأحلام، أو هو قادر على ابتكار كل شيء فى عالم الصحافة، ولا يعرف المستحيل، يستطيع أن يأخذ الخبرة الأجنبية من موطنها، ويوطنها فى مصر، ويأخذ الخبرة باللغات الأجنبية، إنجليزية، أو ألمانية، ويمصّرها باللغة العربية، ويحول الحروف العربية الجميلة إلى جماليات جديدة على صفحات الصحف، تكتبها الميكنة أو الكمبيوتر.

إنها أحلام شاسعة، وأعمال جليلة، أبدعها تيمور فى الأهرام، واختراعات، كان يجب أن تُسجل باسمه فقط، لو كان بلدنا يحترم الملكية الفكرية. ولكن المهندس تيمور كان يفعلها بحب وتلقائية عجيبة، ولا يعيد التذكير بها، حتى ينساها الناس، أو أصحابها أنفسهم، أو ينسبونها لأنفسهم، وكأنها من مستلزمات العمل اليومي. كيف لهذا المهندس، النحيل الجسم، القليل الكلام، الكثير الخبرة والمعرفة، كل هذه الطاقة والقدرات الطامحة؟. إنه عمل لا يتوقف، وليس بنمطى أو مكرر، لكنه كان بإبداع ورؤية عميقة.

كان هذا من حظ الأهرام، فى مرحلة التحولات الكبرى فى عالم الطباعة والاتصالات، أن يكون فيها المهندس تيمور عبد الحسيب، لكى تلاحق التطور العالمى، بما جعلها تحتل المرتبة الأولى فى الصحافة العربية ريادة فى هذا الفن المقدس..

كيف تحولنا ببساطة فى الأهرام من عالم الطباعة بالرصاص إلى الجمع الآلي، ثم الإلكتروني؟

كانت الأهرام قد صممت الحروف العربية، حتى لا تضيع الخطوط الجميلة للغة المحفورة باليد فى عالم الميكنة والتنميط، لم نكن كلنا واحدا فى عالم التكنولوجيا، بل كنا متميزين فى هذا العالم، بما جعل الأهرام ومطبعتها تستحوذ على نصيب الأسد، بل كانت كل الصحف العربية، والمعارضة، والخاصة، تطبع فى الأهرام، وتنافس مطبعة الأهرام، أو مطبعة تيمور عبدالحسيب. كانت الأهرام تكسب من الطباعة أكثر من الإعلانات، فقلت له إن الأهرام صحيفة طابعة البنكنوت، كان أبناؤها يكتبونها ويعملون فيها، ليس بأقلامهم، ولكن بدمائهم، وبذلك تتجدد مع الأيام.

رحل تيمور عبد الحسيب (1944- 2019) عن عالمنا ـ وقد خلد سيرته وأعماله بنفسه ومجهوده، وأصبح علامة بارزة، وصاحب الإبداع للمشاريع الكبرى فى صحيفته الأهرام، وفى الصحف المصرية الأخرى.

وإذا أردنا أن نعرف، كيف تعود الصحف والطباعة إلى مكانتها الكبرى، تاجاً فوق الرءوس، وتقود، لكى تفكر وتبدع، فيجب أن ندرس تجربة المحبين والمبدعين معاً، وأن نرى أن تجديد شباب المهنة باستمرار هو فى خبرتها، هو فى عصارة رحيق الأيام، فلا تبددوها، بل يجب أن نخلط الجديد مع القديم، حتى نقدم للقارئ فكراً مبدعا ومختلفاً مع مرور الأيام، وننسج يوماً خالداً ممزوجا بقلوب وأقلام أحبت، وتعلمت، فأبدعت. وأتذكر أننى بكيت عليه ثلاث مرات، كانت الأولى عندما قسوت عليه فى الكلام، واختلفنا على شىء، تصورت فيه أنه يحابى الصحف التى تطبع فى الأهرام على حسابنا، فوجدته – يبكى كالطفل: أنا أحب الأهرام، وكل ما يطبع فى الأهرام هو لنا. ولم يسكت إلا عندما بكيت معه، قلت له: أصدقك، وأعرف كل قصص نجاحنا، وتحولاتنا المهنية، أنت الشريك الأول فيها، بل الأكثر تأثيراً، ولا تخرج هذه الصحف بهذه الجودة، وبهذا الجمال إلا بفكرك صدقني، لقد أخطأت. وكانت الثانية – ليس عليه – ولكن على الأهرام، فهو كان يحب أن يظل خالداً فى الصحيفة أو فى الصحف التى طبعها لنا وللأجيال المقبلة. أما الثالثة فكانت يوم رحيله، وأنا أودعه بينى وبين نفسي، وأقول له لقد أعطينا ما استبقينا شيئا.. ولله الأمر من قبل، ومن بعد.

رحم الله المهندس تيمور عبد الحسيب، مهندس أحلام الصحف المطبوعة والإلكترونية، وأستاذ الاتصالات المصرى والعالمى..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى