الضمير اليقظ والسجال المثير!

ضمير مصر يقظ، وما أقصده هنا، تحديدا، هو شعبها، فقد تصور بعضنا عندما غضبنا بلا مبرر، أو سلمنا مقاليد الأمور إلى جماعة متطرفة، أن الضمير اهتز وانتهى، لكن هذا التصور لم يستمر طويلا، فقد عاد هذا الضمير بقوة بعد فترة وجيزة، ليزيح المتطرفين، أو أنصار الدولة الدينية، ومن يومها والوطن يواجه إعصار هذا الفريق المتطرف العنيد، على قلتهم، بما يملكون من أموال خارجية ضخمة، ودعم أجنبى مفرط متجدد، وتنظيم داخلى محكم الهدف، هو زعزعة ما تحقق من استقرار. ومستقبل مصر يتطلب وضوحا للرؤية، وترتيبا للأولويات، بمشاركة كل أبنائها، خاصة البسطاء والفقراء والضعفاء، فهم الأكثر احتياجا لوطن يحتضنهم، ويتيح لهم الفرص، ويسهل لهم سبل الحياة، فهؤلاء البسطاء والفقراء كثيرا ما وقعوا كفريسة بين أيدى هذه الجماعات أو الجماعة الأكبر بهدف تغييب الوعى، فى استغلال واضح لظروفهم المعيشية.
إن الطبقات الاجتماعية الشعبوية المتعددة، والفئات الدينية المتطرفة، والجماعات العدائية ضد الأجانب اهتزت بعنف، عندما رأت الوطن يقف على قدميه مرة أخرى، فى أكبر ورشة بناء للتنمية جرت فى أى بلد آخر، وأيضا عندما اتضحت أولويات الوطن الصحيحة، خافت كل هذه الجماعات على مستقبلها، وتطلعاتها للحكم، ومحاولة تغيير هوية الشعب والوطن.
ولكن أكثر ما أخشاه، هذه الأيام، هو أن تتغير أولوياتنا الصحيحة، ونقع فريسة للمخاوف، بسبب ما يطرحونه علينا من أفكار قادمة من الخارج، أو مستلهمة من أفكار المتطرفين، فتغيب أولويات مصر الحقيقية. وقد شهدت السجال القوى الذى دخل سجل الخالدين، دفاعا عن مستقبل البلاد، ورفضا لاحتلالها بأفكار قادمة من الخارج، حتى ولو تسلحت، أو جاءت بمسوح، أو مثاليات حقوق الإنسان، أو بما يطرحه المدونون. وقد جاء هذا السجال الكبير خلال زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى القاهرة يناير 2019، وقد تصور أنه وريث الأمريكيين فى الشرق الأوسط! وأنه سينصّب زعيما بديلا عن أوباما، أو غيره من القادة الغربيين الذين خلطوا بين حقوق شعوبنا وبين أولوياتهم هم، وصبغوها برؤيتهم الغربية، فتصوروا أنهم عندما يسمحون لأنفسهم بالتدخل الخبيث فى شئوننا الداخلية، سوف يكسبون بعض النقاط لدى جماهيرهم وناخبيهم، على حسابنا، أو يخصمون من مستقبل هذه البلاد. فجاءهم الرد القوى على لسان رئيسنا السيسى، الفدائى الذى خلصنا من الاضطرابات والجماعات المتطرفة من كل لون، ووضع لمصر أجندة الأولويات، وسار فيها بقوة وهو لا يبالى بالأصوات الزاعقة والمخزية، وأعاد من جديد تكريس وترسيخ مفهوم السلطة فى مجتمعات فقيرة مثل مصر، لها أولويات، وحقوق إنسان مختلفة. وأهم هذه الحقوق هى انتظام الحياة فى بر مصر، ومقاومة الفقر، وتداعياته المخيفة، ووضع الوطن فى ظروف أفضل مما كان عليه، والحفاظ على تطلعاتنا بمستقبل آمن لكل المواطنين، وليس لفريق على حساب آخر.
لكنهم يستكثرون علينا أن نستقر، أو هم يخططون لشيء آخر بعد سنوات الاحتلال البغيض، والتداخلات الخارجية فى شئوننا، أو هم يتمنون ألا نعود مستقلين متطلعين للمستقبل الذى ننشده بأنفسنا، فإذا بهم يجندون المتطرفين، ويحشدون المدونين لتغييب الوعى، وإخافتنا من جديد، والأخطر أنهم يريدونهم دولة دينية مكسورة الجناح، خاضعة للضغوط، والتحكمات الغربية.
الرد القوى أراحنى بعض الشيء، وأزاح عن نفسى الخوف من التردد، أو نفاق هذه التيارات من جديد، حتى ولو جاء على لسان رئيس فرنسى، يمر بظروف صعبة فى بلاده. لكننى أنتظر سرعة الرد فى الداخل، لإحداث تغييرات واجبة فى الدستور المصرى، ليحافظ على استقرار الوطن، ويصحح الأوضاع غير المنطقية التى لحقت بهذا الدستور 2014، بهدف إبقاء أمور الوطن تحت الضغط أو التهديد، بحيث لا يتمكن المصريون من امتلاك الفرصة لبناء بنية أساسية، واقتصادية، وسياسية، لا تسمح بعودة الأمور الفوضوية، أو الاضطرابات، كما حدثت بعد 2011، أو عودة الدولة الدينية من جديد، ولنعلم بوضوح أن الدساتير صناعة بشرية، وليست كتبا مقدسة، خاصة أن الدستور الذى بين أيدينا ولد فى ظروف غير طبيعية أو ضاغطة على من كتبوه أو صاغوه!.
كما أن مصر يجب أن تبتعد عن الصراعات السياسية أو الدموية إلى أن تستكمل بناء مؤسساتها الدستورية، بناء اقتصاديا قويا، يسمح بتحقيق طموحات، وأحلام أبنائها، ولا يسمح مرة أخرى باستخدام الديمقراطية أو التصويت مجالا للتدخل الخارجى فى شئوننا الداخلية، أو أن تكون مصر وشعبها فى وضع يسمح لمن يرصد أموالا فى الخارج بشراء الأصوات أو حشد الجامعات، والتليفزيونات، لإثارة الفوضى والشغب والقتل، أو تمويل المتمولين الذين يطوفون على أبواب السفارات، أو يرسلون النداءات للتدخل فى شئوننا الداخلية، والسطو على حكم البلد.
دستورنا يجب أن يعلى من شأن مؤسساتنا، وأبناء وطننا، ليكون الحكم قويا وقادرا على الدفاع عن مستقبل الشعب ضد الضغوط، والتدخلات الخارجية. لا تسمحوا لأحد بأن يغير أولويات المصريين التى فجروها فى يونيو 2013، خاصة أن كل تغيير أو تحديث فى هذا الدستور له مرجعية صادقة واعية، وهى الشعب المصرى، ذو الضمير اليقظ، كما بدأت كلامى..