رسالة الأخوة الإنسانية

لحظة مفعمة بالسعادة، تلك التى شعر بها الجميع فى كل أرجاء المنطقة العربية، حين وقّع عالمان دينيان كبيران، ويحظيان بالمكانة العالمية الرفيعة، وهما (المتصوف الإسلامى أحمد الطيب شيخ الأزهر)، و(المتصوف المسيحى البابا فرانسيس)، رأس الكنيسة الكاثوليكية (بابا الفاتيكان)، وثيقة الأخوة الإنسانية، فى مدينة أبوظبى بدولة الإمارات العربية المتحدة (فبراير 2019 ).
والأخوة الإنسانية هى تجسيد لرسالة الأديان والأنبياء جميعا ضد الحروب، وسفك الدماء، وتعمل من أجل سلام البشرية، وإسقاط حجة صدام الأديان، كما أن الله واحد، خلق جميع البشر، وجعل الأديان لخيرهم ..وهذه الوثيقة جاءت كالحلم، وكثيرا ما راود خيال العلماء، والحكماء، وأهل الإنسانية فى كل زمان ومكان، وها هى تصدر والبشرية ومنطقتنا تعيش تحت وطأة الحروب والدماء تسيل فى المشرق، كما فى الخليج، ومعظم أبناء العرب مازالوا مهاجرين فى ربوع الأرض (غربا وشرقا)، فى فلسطين واليمن وليبيا وسوريا، والعراق، بلا وطن مطمئن، أو مستقر، ومهددين فى حياتهم وغربتهم. فوقعت هذه الوثيقة علينا بردا وسلاما، وأملا فى غدٍ أفضل، لمواجهة الضغوط والإرهاب والتطرف الذى يطل برأسه من حين لآخر، فى انتظار عودة الاستقرار إلى كل العالم، خاصة الإسلامي، فلا تزال إيران وتركيا تحركهما النوازع الدينية، ولا تزال إسرائيل تتسلط على الفلسطينيين، وترفض قيام واستقلال دولتهم، ولا تزال الدول الثلاث تجند طوائف دينية فى بلادنا، وتدفعها لحروب لا تتوقف، لتبقى المنطقة مشتعلة باستمرار ولا تزال العقوبات الاقتصادية سلاحا مسلطا على المنطقة وأهلها. وجاءت الوثيقة الجديدة لتستبق الخطر، وتعلن أن أكبر ديانتين فى العالم، تقفان جنبا إلى جنب لمنع كل أشكال الحروب، وفتح طريق للسلام والحياة أمام البشرية جمعاء، وهو ما يعنى فتح صفحة جديدة، يكتبها الحكماء، ورجال السلام. وهم يتطلعون إلى أن نقوم ونعمل على تنفيذها واقعيا، وتجسيدها بين الأجيال الراهنة والآتية، لتكون جزءا من تعليمنا وثقافتنا وإعلامنا، نقف بها أمام صفوف الأشرار الذين يوظفون الأديان لأغراضهم الخبيثة والإرهابية والمتطرفة والعدائية، ولذلك لم أتوقف كثيرا أمام الغبار الذى أثاره المتطرفون فى قطر، وإعلامهم الذى يصنع الفتنة، ويغذيها منذ أكثر من 20 عاما فى منطقتنا، وكان وراء نشر ثقافة بن لادن وطالبان، والآن يتبنى كل الجماعات الدينية من الإخوان إلى الجهاديين، والمتطرفين بكل أشكالهم وألوانهم، ودولهم، وقد أثاروا الزوابع حول رحلة البابا التاريخية إلى جزيرة العرب!. ولأن قطر الآن، كدولة هى الذراع الإعلامية، والحاضنة العربية للمتطرفين والإرهابيين، فقد اعتبرت زيارة البابا والحقيقة الجديدة تهديدا لكل ما تمثله، باعتبارها بؤرة ضد المنطقة واستقرارها، فقد استخدمت الآلة الإعلامية، وجزيرتها للهجوم على البابا، وعلى الزيارة، وعلى دولة الإمارات!!
وشخصيا أعتبر قطر مثلها مثل شغب الملاعب الطائش، أو كالمتطرف الذى وقف فى ملاعب لندن يهتف ضد اللاعب المصرى محمد صلاح، ناعتا إياه بالمسلم العربي، ولكن هذا المشجع المتطرف وجد ردا إنجليزيا من مشجعى الأندية الإنجليزية كلها، يرفض العنصرية فى الملاعب، واستخدام المدرجات لتشجيع العنصرية الدينية. مثل هذه التصرفات يجب أن تواجه بالقانون والردع فى كل عالمنا، حتى لا تنتشر، وكان يجب أن نرفع نحن العرب والمسلمين جميعا (فيتو) عما أثارته قطر وإعلامها، بأنه لا يعبر عنا، ويخرج عن جميع القيم والأديان!. ولكن ما يهم الآن هو توجيه التحية والتقدير إلى البابا فرانسيس، صانع المصالحات، ورجل السلام الذى حمل الآن صورة رائعة وجديدة فى الوقت نفسه، فى الوعى الجمعى لأمتنا العربية والإسلامية، وكانت رسالته تأكيدا للمتغيرات التى نحترمها جميعا، منذ اعتلائه كرسى البابوية الكاثوليكية، وتعبيره الملهم الذى يتخطى الهوية الدينية البحتة، إلى هوية إنسانية جامعة، تدافع عن الإنسان، أينما كان، من دون تمييز دينى أو عرقي. ونحن بالفعل نقدرك، ونقول لك، ومعك، طوبى للرحماء، فإنهم يرحمون، ونحترم ما تقوم به، ونقول لك: إنك لم تصنع تاريخا لكنيستك فقط، بل أصبحت الآن رمزا ومحلا للتقدير، سيدوم مع الأيام، ونتطلع إلى دور أكبر فى حشد أوروبا وأمريكا، بكل ما تمثله شخصيا من مركز روحى وما تمثله الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، الأكثر تأثيرا فى التاريخ، سواء دينيا أم إنسانيا، حتى تتوقف الحروب فى منطقتنا، والمساعدة فى قيام الدولة الفلسطينية، كرسالة من الغرب بإحلال السلام الإقليمي، ورسالة إلى المتطرفين بإنهاء دورهم فى عالمنا.
تحية إلى أرض الشيخ زايد، حكيم العرب، مؤسس الإمارات العربية التى احتضنت هذا الحدث التاريخى المؤثر، ليس للدول العربية وحدها، ولكن لكل شعوب العالم. إن رسالة أبوظبى والإمارات وصلت إلى المسلمين والمسيحيين، ووصلت إلى كل الربوع، فى الريف والحضر، للأطفال والشيوخ والنساء والرجال، لأن الأخوة الإنسانية هى أعلى المراتب التى تتفوق على الموارد بالعيش المشترك، لتجعل الأسرة البشرية بيتا دافئا لكل الأخوة والأخوات. رسالة المحبة والتسامح تشع علينا بكل أنوارها وجمالها من جزيرة العرب إلى كل العالم، لتكسر حالة نمطية تشكلت من صنع المتطرفين وأنصارهم عن الإسلام، ولتؤكد حقيقة المحبة المتسامحة من قلب جزيرة العرب، حيث ولد الإسلام، دين محبة وخير وسلام لكل البشرية، شرقا وغربا.