نحن وإفريقيا

عندما وقف الأفارقة فى نهاية قمتهم التي انتخبوا فيها مصر رئيسا لعام 2019، مرددين، محترمين شعارات القارة: هيا نتحد.. ونحتفل معا بالانتصارات المحققة لتحريرنا، يا أبناء وبنات إفريقيا، لنجعل قارتنا فردوس الحياة، أدركت دقة الاختبار الذى أصبحت مصر عليه، فالوقت يداهمنا، وعلينا أن نبني كل يوم، أو نتحرك كل ساعة، لنجعل من هذا العام نموذجا ملهما، أو علامة فارقة فى التاريخ للمصريين والأفارقة معا. إنها موجة جديدة، يجب أن نخوضها، ونحن مؤهلون لها تماما، لنؤكد، لكل إفريقي وإفريقية، حبنا لهم الذي هو نابع من إدراكنا العميق لهذا الانتماء، فنحن من نسيج واحد.
2019، عامنا الراهن، يجب أن يكون عاما للتعاون السياسي والاقتصادي، وعاما للمحبة والمعرفة والثقافة المتبادلة بين الأفارقة أيضا، وأن يكون عام محبة لكل شعوبهم وثقافاتهم ولغاتهم مع المصريين ولغتهم العربية، ويجب أن تكون ثقافتنا هى المقياس الذي نقيس به، كم إفريقيا زارنا؟ كيف تناولنا معه الحوار؟ وكم مرات التزاور بيننا؟ وهل تبادلنا معه المعلومات والأفكار، وهل قمنا بدعم الروح المشتركة بيننا وبينهم؟ وأولا وأخيرا، يجب أن نهزم الظلم الذى ألحق بالقارة عبر التاريخ فى هذا العالم، من إهمال للإنسانية، أو من عنصرية ظالمة، أو من أنانية دولية، نتيجة لغياب الوعي، أو الضعف التاريخي، أو النزوح نحو المصالح فقط. نعم لدينا مصالح كبيرة فى إفريقيا، وفى كل دولها، ونعيش فى شمال إفريقيا، حيث يوجد ثلثا العرب، يعيشون فيها، وعلى ضفاف نهر النيل، أطول أنهار العالم وأغزرها إنتاجا، حيث يمر بين 11 دولة افريقية، ونحن هبة النيل، وهو شريان الحياة للمصريين، وليس لنا بديل عنه للشرب أو الزراعة أو الحياة بصفة عامة. كما أن مصر، بموقعها الجغرافي الإستراتيجي، هى شمال شرق القارة، بما يجعلها بوابة إفريقية للتجارة والثقافة وتبادل الحضارات مع القارات الأخرى.
وهذا العام تتحمل فيه مصر المسئولية بتمثيل قارتها فى عالمها، بينما الدنيا تتكالب عليها، فهناك ظاهرة عالمية هى أن القوي العظمى القديمة والبازغة، أصبحت عيونها على إفريقيا، وكأنهم اكتشفوا أقدم القارات فى العالم فجأة!. يجب أن يكون التعاون متكافئا مع الجميع، ويحترم مصالح الجميع، وكفى استعمارا لإفريقيا، فشعبها أو شعوبها يتطلعون إلى التخلص من الصراعات الداخلية، وحالات الفقر والجهل الذى خلقها الاستعمار الأوروبي. الأفارقة يبحثون عن صيغة عصرية، تتناسب مع واقع مشكلات، صيغة مقبولة على المستوى العالمي..
كانت لحظة الصعود المصرى للرئاسة فى القمة الأخيرة متزامنا مع لحظة إفريقية، أو صحوة نادرة فى التاريخ، فالعقد الماضي شهد تقدما اقتصاديا يعد الأفضل خلال السنوات الخمسين الماضية. فالنمو لا يصنع الاستقرار، ولدينا تجربة مصرية خالصة، بل هي أدق تجاربنا السياسية التى استخلصناها من حقبة الفوضى، ما بعد الربيع العربي والثورات المتتابعة، فلن يحدث استقرار ما لم نعالج مشكلات الفقر والبطالة والجوع، خصوصا أن هناك مناطق إفريقية مهددة بالمجاعة فى شرق القارة، وفي القرن الإفريقي، وهي بمثابة إنذار مبكر للجميع، بأن تسارع القارة بالاهتمام بالزراعة والتصنيع الغذائي كما يجب، وإن كانت مصر مهددة بارتفاع معدلات السكان، وتردي النظام التعليمي، فإفريقيا تواجه المعضلتين معا بقوة، ولا فكاك من مواجهتهما مصريا وإفريقيًا، لمصلحة مستقبل بلادنا وقارتنا. وبعيدا عن قصص التاريخ والمحبة المشتركة بيننا وبين الأفارقة، فإن هناك مهام عاجلة، ويجب أن تكون فيها مصر قدوة، وتضع أجندة متكاملة للتحرك لعام 2019، وكيف تجعل منه عاما لإفريقيا بحق؟. فلنبدأ من الشهر القادم(مارس) بتصديق برلماني على اتفاقية التجارة الحرة، وهى المنوط بها تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول إفريقيا (شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا) بلا تفرقة، على أن نضع الاتفاقية موضع التنفيذ أمام القطاعات الحكومية والخاصة، بمعلومات وافية عن التجارة المشتركة، وعلى أن نتحرك مع الشركاء العالميين لتعزيز البنية التحتية الإفريقية، من أجل توفير التحويل المالي المناسب، وعملية البنية الأساسية هي عمليات كبرى ستؤثر فى مستقبل القارة، خاصة فى مجالات الطرق، والسكك الحديدية، والموانئ، والمطارات. ولعل ما يمكن أن تقدمه مصر، بشكل سريع، هو التحرك في مجال تعزيز القدرات الاقتصادية، والقدرات العسكرية المرتبطة بمكافحة الإرهاب والتطرف، ولعل هذا يساعد إلى حد كبير في عودة ليبيا التي ترأست هذا الاتحاد عام 2009 إلى حالتها الطبيعية.
إن مساعدة إفريقيا عسكريا بالتدريب والتسليح سيشكل حجر الزاوية، فهو سيجفف منابع الإرهاب والتطرف إقليميا وعالميا، ولعل هذا يدفعنا إلى تشجيع أفضل وأهم وزارة خارجية في الشرق الأوسط بل في العالم، وهي وزارة الخارجية المصرية، لكى تهتم بشمال إفريقيا والقرن الإفريقي والبحر الأحمر الذي يعاني التفكك والآثار السلبية الناجمة عما عرف باسم الربيع العربي، فقوة مصر فى هذه المنطقة ستصب في مصلحة العرب، وإفريقيا، والدور المصرى هو دور إيجابي على مختلف الأصعدة والمجالات.