مقالات الأهرام اليومى

أوروبا والعرب فى شرم الشيخ

قمة ذات طبيعة خاصة، ورهان واضح، تبرز التطورات التى طرأت على عالمنا وعلى منطقتنا.. ومن لا يستطيع أن يرى عليه أن يتوارى.. مصر الفتية التى تكالبتم عليها منذ سنوات، وتصورتم أنها صيد سهل عادت شمسها الذهب.. وها هى تستقبل أهل منطقتها العرب، وجيرانها المتحضرين الأوروبيين معا فى شرم الشيخ.. الأوروبيون المأزومون، والمنطقة العربية التى مازالت تتحرك فيها رياح عاصفة… ولكن الكل يجمع على الاستقرار والتقدم، ووضوح الرؤية فى مصر وسياساتها. وهذا المؤتمر ليس امتنانا وتقديرا فقط، ولكنه تصفيق حاد لهذا الوطن مصر.. وشهادات متتالية على صحة مساره.. واتجاهاته على طريق المستقبل. كل الحسابات السياسية تغيرت وكلها وضعت رهانا على المستقبل لمصر الوطن والقيادة والشعب.

قبلها بساعات كانت مصر فى قمة ميونيخ بألمانيا فى قلب أوروبا، تبحث مستقبل السلام والحرب فى العالم، وكان رئيسها السيسى فى طليعة المتحدثين فى القاعة الرئيسية، متحدثا باسم بلاده، وباسم قارته معا التى انتخبته قبلها بساعات أخرى رئيسا لعام 2019 باسم قارة إفريقيا التى أدركت أن الشعب المصرى، عندما تحرك منذ سنوات كان يتحرك دفاعا عن مستقبله وحقه فى الحرية، واختيار قراره، دون تدخل إقليمى أو عالمى، كاشفا التيارات المتطرفة، وقوى الظلام، والقوى المدعومة عالميا وإقليميا، كانت معيبة وغير مبررة، فقد أرادت إعادة استعمار مصر، والتحكم فى قرارها، ووضع مستقبلها تحت إملاءات بغيضة، ورأت إفريقيا أن الاعتذار لا يكفى، بل يجب الانتخاب والتقدير الصريح للمكانة والدور، فحدث ما انتطره المصريون من أشقائهم الأفارقة.. ولكن الصورة مازالت تتحرك، وتبرز ما خفى، وها هم جميعا فى مدينة السلام فى شرم الشيخ، ليقولوا ويؤكدوا ويرسلوا من أرض السلام نفس الرسائل للعالم كله ..هذه المرة نحن فى مصر، نعرف قدرها، ونرى حضارتها، ودورها فى الماضى القريب، ودورها فى الماضى البعيد. رسالة عالمية يفوق معناها ودلالاتها المستقبلية حجم ما يخرج به هذا المؤتمر من أعمال، أو تطورات ، أو سياسات تنقذ قلب العالم (الشرق الأوسط وأوروبا) من أخطاء جسيمة، ارتكبت فى حقهم من القوى العظمى المختلفة من سوء تقدير وسياسات، كانت تسود ما بعد أحداث التطرف والإرهاب التى أعقبت 11سبتمبر2001 فى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، ومن تداعيات الصراعات العالمية بين الأمريكيين والروس والصينيين حول الدور ما بعد نهاية الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفيتى، وسور برلين. أجندة جديدة للعالم والمنطقة، صاغها اللقاء العربى -الأورويى، وقد جاءت هذه القمة ردا على المؤتمرات المتتابعة التى عقدت فى أوروبا، وخارج منطقتنا لعلاج الكوارث والاضطرابات التى نجمت عن الحروب المختلفة، خاصة فى منطقتنا العربية التى مازالت غائبة عن الحل، سواء فى الشام أو المغرب العربى والخليج العربى، أو من تداعيات أزمة تركيا وإيران وتدخلاتهما فى المنطقة العربية، وغياب الحل لقضايا الفلسطينيين والسوريين والليبيين واليمنيين والعراقيين واللبنانيين الذين اندفعوا نحو الفوضى، وعدم الاستقرار نتيجة الحروب والتدخلات الخارجية المختلفة فى شئونهم الداخلية. كما أن الأوروبيين، عندما جاءوا بقيادتهم إلى شرم الشيخ، كانوا يبحثون عن رؤية جديدة للعالم والمنطقة، فهم الآخرون لم يسلموا من الإرهاب، وعدم الاستقرار، فكل التقارير التى خرجت من كل المؤتمرات العالمية التى عقدت أشارت إلى أن العالم يمر بأزمة حادة، وأن أمريكا القوة العظمى لا تفعل شيئا، سوى أن تجعل الأمور تزداد سوءا، وهكذا دبت خلافات حادة بين المعسكرين الغربى والشرقى، ودخلت الحرب التجارية بين الغرب والشرق، بين أمريكا وروسيا وأوروبا والصين، ومنطقتنا أصبحت تتنازعها كل القوى العالمية، وكل القوى الإقليمية، وقضايانا الرئيسية، خاصة القضية الفلسطينية غابت أو توارت عن الحل، وأصبحنا لا نسمع إلا دعايات مختلفة حول صفقة القرن، فى حين أن لا أحد فى المنطقة، أو فى العالم يعرف كنه هذه الصفقة المرتقبة التى أحيطت بدعايات مخيفة وسريعة فى الوقت نفسه، وتأويلات مختلفة تجعل الكل لا ينتظر خيرا من هذه الصفقة المرتقبة. استبقت أمريكا الصفقة بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولم تحترم الاتفاقيات التى سبق أن وقعت باحترام حقوق الشعب الفلسطينى فى القدس الشرقية المحتلة منذ عام 1967 وحتى الآن. اجتمع العرب والأوروبيون فى شرم الشيخ ومنطقتيهما فى مفترق طرق صعب ومخيف.. فهل يتعاونون للتخلص من الحرب التى دبت فى منطقتنا، بدءا من أفغانستان، وحتى 7 سنين فى سوريا ولم تنته حتى الآن، وسنين حروب أخرى فى اليمن ولم تنته، وحروب أخرى فى ليبيا ومنازعات حتى بين الأوروبيين (فرنسا وإيطاليا) حول مستقبل هذه الأرض التى أصبحت مشاعا بين تنظيمات إرهابية، تريد أن تستوطن هذا الجزء الغالى من المنطقة العربية، ويتركها العالم أرضا محروقة بلا مستقبل أو أمل.. والمزاج الأوروبى هو الآخر أصبح مرشحا للنزاعات والاختلافات. والسوق أو الوحدة الأوروبية يتنازعها البريكست، وخروج إنجلترا من السوق الموحدة لأوروبا.. واليمين المتطرف الذى يسود فى باقى أوروبا والاضطرابات والهجرة التى تهدد ألمانيا وفرنسا المخاطر الأمنية والأزمات الاقتصادية تكتنف العالم الغربى.. وامريكا تريد ثمنا من الجميع، سواء من الأوروبيين أو الروس أو الصينيين وقبلهم العرب فرادى وجماعات.. من اليسير أن نتحدث عن العلاقات العربية- الأوروبية القديمة، ولكن من الصعب أن ندرك طبيعة كيف ستكون العلاقات فى المستقبل، هل ستكون علاقات متوازنة بين الأطراف العربية، سواء فى المغرب العربى او الخليج العربي؟ أم ستكون علاقات تحكمها مصالح وظروف معينة لكل منطقة، ولكل بلد؟ أوروبا ليست مؤهلة لأن تكون واحدة فى المرحلة المقبلة. ولكن هذا المؤتمر الذى عقد فى شرم الشيخ فيه الكثير من الدلالات والرؤى المستقبلية التى يمكن استخدامها لصيغة علاقات جديدة فى المستقبل، تنقذ أوروبا والشرق الأوسط عموما، وتدفعهم إلى التعاون المستقبلى بديلا للنزاعات أو الحروب. علينا فى مصر الإمساك بهذه اللحظة وبهذا الانتصار المبهر، وبهذه التوجهات العاقلة المحترمة لدفعها إلى الأمام، لتكون هى أجندة العالم والمنطقة فى المرحلة القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى